ثقافة وادب

بلد المليون كاتب.. لماذا امتلأ معرض القاهرة بكتب عامية وأخرى لمشاهير السوشيال ميديا؟

ما رأيك في أن تؤلف كتاباً ليصدر غداً في معرض الكتاب؟

قد يكون هذا أفضل شيء تفعله اليوم يا صديقي، يمكنك
أن تبدأ الآن بتجهيز فكرتك حتى تنتهي منها قبل الليل، فالأمر لم يعد مرهقاً كما
كان من قبل!

قد تشعر أنّها مقدمة ساخرة نوعاً ما، وربما تستشعر
رائحة الحزن المتخفّي وراء كلماتي، أياً يكن ما تراه، فنحن حالياً أمام ظاهرة قد
أصبحت تفرض نفسها على الساحة الأدبية كل عام عندما يحين موعد معرض القاهرة الدولي
للكتاب، والذي بدأ في الـ22 من يناير/كانون الثاني، وينتهي يوم 4 فبراير/شباط
القادم.

لا يخفى على أحد أن نشر الكتب أصبح
«صناعة» في وقتنا الحالي، ربما لغياب الدعم، ولأنّ العاملين في هذا
المجال يبحثون بالتأكيد عن مصدر للدخل كغيرهم، وبالتالي تأثرت كثيراً اختياراتهم
في النشر، فأصبحنا نرى أنّ العامل التسويقي للكتب المنشورة يأتي في المقام الأول،
حتى لو تحوّل الأمر ليكون «سبوبة».

فأصبحنا نرى بعض دور النشر تهتم أثناء تقييم الكتب
المرسلة لها بأمور أخرى مع جودة المحتوى، مثل إمكانية تسويق العمل بسهولة، واسم
صاحبه، وإن كان له أي متابعين على السوشيال ميديا.

وبالتالي لم يعد غريباً أن تسلك بعض دور النشر
نهجاً في التعامل مع بعض الشخصيات المشهورة على السوشيال ميديا، أن تقوم بإرسال
دعوات لهم لنشر أعمالهم، سواء وُجدت هذه الأعمال أساساً، أو أن يقوم هؤلاء
بكتابتها خصيصاً استجابةً لدعوة دور النشر.

هل يُوجد محتوى يستحق النشر؟ هذه أشياء لا تهم في
المقام الأول، نحن نبحث عن العمل الرائج، هنيئاً لنا، هكذا حصلنا على عقد نشر كتاب
جديد مضمون النجاح.

وأنت بنفسك قد تكون قد تابعت واحدة من هذه
الحكايات، أبسطها منذ فترة بسيطة عندما أعلنت شخصية ما
عن تلقيها عرضاً لنشر كتاب، ورغم قناعتها بأنّها لا تملك القدرة، لكنّ إصرار دار
النشر على موهبتها، جعلها تنتج لنا كتاباً في 5 أيام فقط.

ربما يكون هذا الأمر في أساسه امتداداً للمسألة
التي تحدثنا عنها في الفقرة الماضية، والتغيّر الحادث في صناعة النشر في مصر.

ما الذي يريد الجمهور قراءته؟ إنّ الجمهور يريد
قراءة كلمات سهلة بلغة بسيطة، حسناً لنهتم بكتب العاميّة أكثر من غيرها.

في الحقيقة ليست هذه مشكلة في ذاتها، بل إن هناك
من يرى بوجوب تقديم أدب يُناسب طبيعة الجمهور الذي يقرأه، يكتب ما يعبّر عنهم، يستخدم
لغتهم في الحديث! فيجعلنا هذا نقبل أن يكون الحوار في الرواية بالعامية، وأن نرى
العديد من دواوين الشعر العامية أكثر من مثيلتها بالفصحى، وأن نرى كتباً للخواطر
مكتوبة بنفس الطريقة.

ولكن المسألة أنّه حتى في العامية، قد نقرأ محتوى
نشعر فيه بقيمة للمكتوب، يُساهم في الارتقاء بثقافة القارئين، لا شعورهم بأنّ ما
يقرأونه مجرد كلمات تم وضعها بجانب بعضها البعض ليخرج لنا كتاباً والسلام ليتم
نشره في معرض الكتاب.

ربما تشعر حتى الآن أنني أتحامل كثيراً على الكتب
والنشر، ربما تظن أنني أتحدث عن أشخاصٍ بعينهم في مقالتي، لكنني لا أقصد هذا بأي
حالٍ من الأحوال.

هل عدد أيام الكتابة مقياس لأي شيء؟ دوستويفسكي
قام بكتابة روايته «المقامر» في قرابة الـ25 يوماً، في الحقيقة هذا لا
يعني شيئاً، ولا يمكن الحكم على العمل من عدد أيام كتابته.

إذا سألت أحد الكتّاب عن عدد أيام الكتابة الفعلية
لعمله، قد تكتشف أنّها قليلة جداً بمقارنة بالفترة التي يذكرها الشخص، فهناك فترة
ما قبل الكتابة والتي يبدأ فيها الشخص في تكوين أفكاره في الذهن، ثم فترة ما بعد
الكتابة والمراجعة المستمرة أكثر من مرة حتى يشعر الشخص برضاه عن إرسال العمل
للنشر.

يقول الكاتب آرنست هيمنغواي: «لا توجد قاعدة
عن كيف تكتب، أحياناً تحدث الكتابة بسهولة وبشكل ممتاز جداً، وأحياناً تشبه النحت
في الصخور».

فنكتشف أن فترة شهر قد تكون كافية جداً للبعض
للكتابة، باختلاف حجم العمل طبعاً من كل شخص لآخر، وأحياناً قد لا تكفي سنة كاملة،
مرة أخرى نحن لا نضع قاعدة ثابتة هنا.

كذلك أنا لا أريد مهاجمة أحد، ولكنني أريد التأكيد
على أن الشخص الناجح في مجالٍ معين، لا يعني هذا أنّه سيكون ناجحاً في الكتابة،
حتى لو كانت الكتابة عن هذا المجال نفسه، هناك الحد الأدنى من المستوى الذي يحتاج
إليه الشخص حتى يكون قادراً على إنتاج كتاب.

أنا أؤمن أننا في الكتابة نتعلّم قواعد الكتابة
كمفاتيح، لكننا ننتج المحتوى بالشكل الإبداعي الذي نراه، أو كما يقول الفنان
الإسباني بابلو بيكاسو: «تعلم القواعد كشخص محترف، حتى يمكنك أن تكسرها
كفنان».

فأنا لا أضع قاعدةً للحكم على العمل، إنّما أرى أن
العمل الجيد هو الذي يحترم عقلية القارئ، ويقدم له محتوى يفيده ويغيّر من ثقافته.

سواء كنّا نتحدث عن كتب العامية، أو حتى عن ظاهرة
«كتّاب السوشيال ميديا»، فأنا على عكس البقية أفرح كثيراً عندما أرى من
يحاول إنتاج عمل أدبي يرى أنّه يحاول من خلاله إيصال رسالة معينة، وعنوان مقالتي
قد يجعلك تشعر بأنني لا أحبّذ فكرة الكتابة للجميع، لكن على العكس أنا أؤيدها
وأراها ظاهرة صحية جداً، وأحب فترة المعرض عندما أرى غزارة في الإنتاج الأدبي،
فالكتابة من حق الجميع، ولا يوجد أسمى من هذا الفعل ليحاول الإنسان القيام به في
الحياة.

لكن دعني أسألك: هل تتذكر المحتوى الذي لاقى
سخريتنا في السنين الماضية؟ غالباً لا، قد يكون نجح في الوصول إلى الطبعة المئة،
لكن ماذا صنع في حياة قرائه؟ لا شيء! ولن يتذكره أحد.

في الكتب، لا يعيش سوى المحتوى الذي يؤثر في
الثقافة ويغيّر من حياة قارئه، سواء كُتب باللغة العامية أو الفصحى، سواء كتبه
شخصٌ يملك الآلاف من المتابعين أو شخصٌ لا يتابعه سوى القليل، فكل ظاهرة وقتية
مصيرها إلى الزوال والانتهاء، والعبرة ليست فيما جناه الشخص من أموالٍ ولا من طبعات
لكتابه، لكنّها في بقاء كتابه وأثره في الأذهان إلى الأبد.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى