تقارير وملفات إضافية

لماذا استُبعدت إفريقيا من كل المحادثات الخاصة بليبيا؟ «ورطة» القذافي تلاحق القارة السمراء

مع تزايد تدخل قوى العالم في ليبيا، وجد الاتحاد الإفريقي نفسه
مستبعداً من المبادرات التي تستهدف إنهاء الصراع الذي أوشك على إكمال عقد من
الزمان في الدولة الغنية بالنفط.

وظهرت أحدث إشارة على غياب التأثير الإفريقي مع انطلاق فورة من
النشاط الدبلوماسي رفيع المستوى في إسطنبول وموسكو وبرلين لإنهاء الصراع المستمر
منذ تسبَّب احتجاج شعبي، تدعمه حملة قصف جوي من حلف «الناتو، في إطاحة معمر
القذافي في 2011، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC البريطانية.

وقال جليل هارتشوي، محلل ليبي في معهد International
Relations
الهولندي للأبحاث: «تشتكي العواصم الإفريقية من أنَّ ليبيا أصبحت لعبة في يد
عدة قوى، وهي محقة في ذلك».

وأضاف هارتشوي: «الصراع يُرى من وجهة نظر أوروبية وخليجية،
وأكثر فأكثر من زاوية روسية وتركية، متجاهلين الحقيقة الأساسية وهي أنَّ ليبيا
دولة إفريقية».

في تعبير عن الاستياء من تهميش القارة، قال الرئيس الأوغندي يوري
موسيفيني، في تصريح لشبكة BBC البريطانية، إنَّ رئيس الكونغو برازافيل، دينيس ساسو نغيسو، الذي
يتزعم جهود الاتحاد الإفريقي في الملف الليبي، دُعي في «اللحظة الأخيرة»
لقمة برلين التي استضافتها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في 20 يناير/كانون
الثاني، كمجرد «رمز يعكس مشاركة إفريقيا» في المسألة
الليبية.

وأضاف الرئيس موسيفيني: «لم يكن يجب علينا السماح للدول الغربية
بمهاجمة ليبيا (في 2011). كان بإمكاننا التدخل، حتى عسكرياً. كان بإمكان إفريقيا
التدخل وتلقين هؤلاء الناس الدرس».

وأكد موسيفيني: «إذا أرادت إفريقيا أن تطارد الغزاة، فيمكننا
مطاردتهم. لقد هزمنا البرتغاليين والبوير»، في إشارة إلى الأقلية البيضاء
التي استوطنت جنوب إفريقيا وتولت السلطة فيها حتى عام 1994.

لكن، يقول محللون إنه على الرغم من تهميش القوى الغربية لإفريقيا،
تتحمل القارة السمراء هي الأخرى جزءاً من المسؤولية.

إذ فشلت اللجنة العليا للاتحاد الإفريقي بشأن ليبيا، برئاسة رئيس
الكونغو برازافيل، في الوصول لإنجاز ملموس إلى الآن، بالرغم من أنها عقدت سلسلة من
الاجتماعات لحل الأزمة، كان آخرها بعد قمة برلين.

وكان القذافي يحظى باحترام كبير في الاتحاد الإفريقي، الذي موَّله
الرئيس الراحل ببذخ. وسعى من أجل تحقيق الوحدة الإفريقية، واكتسب جاذبية شعبية من
خلال مهاجمة «الإمبرياليين».

ثم اندلعت انتفاضة شعبية ضده أشعلت وصاحبها حملة عنيفة ضد الأفارقة
السود في ليبيا الذين اتُّهموا بأنهم «مرتزقة» يحاولون دعم القذافي.

وفي هذا السياق، علَّق طارق ميرغيسي، المحلل الليبي في مركز أبحاث
المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ومقره المملكة المتحدة، قائلاً إنَّ تصريحات
موسيفيني تعكس أنَّ بعض القادة الأفارقة لم يتقبلوا بعد حقيقة سقوط القذافي.

وقال ميرغيسي: «خلال ثورة 2011، كان يُنظَر إلى الاتحاد
الإفريقي باعتباره مؤيداً للقذافي، وانتشرت بين الليبيين صورة سلبية عنه. إذ شعر
الناس أنَّ القذافي اشترى ذمته. لذلك، فإنَّ تعليقات مثل تلك التي أدلى بها
موسيفيني تقوض دور إفريقيا المحتمل لتكون وسيطاً محايداً» في الصراع الليبي.

ومع ذلك، هناك حاجة لمشاركة إفريقية أوسع لإنهاء النزاع لأنَّ القارة
عانت اقتصادياً منذ سقوط القذافي، وكان للاضطرابات في ليبيا آثار خطيرة على الجنوب
الإفريقي.

إذ أوضح ميرغيسي: «كان تتدفق مئات الملايين من الدولارات إلى إفريقيا
في صورة استثمارات من جانب نظام القذافي. ثم يوماً ما توقف كل ذلك».

وأضاف: «كان لديك أيضاً تحويلات خارجية من المهاجرين الذين
ذهبوا للعمل في ليبيا من دول مثل نيجيريا؛ لأنَّ الرواتب وأسعار الصرف كانت جيدة.
لكن توقف كل ذلك أيضاً».

وأعرب عن قلقه من أنَّ ليبيا أصبحت الآن مقراً لتجنيد
المقاتلين.

وأحدث مثال على ذلك هو ما ورد في تقارير تفيد بأنَّ بعض الرجال
السودانيين تعرضوا للخداع؛ إذ ظنوا أنهم يقبلون وظائف للعمل حراس أمن في الإمارات،
لكن تبيَّن لهم أنها في الدولة الواقعة في شمال إفريقيا لحماية المنشآت النفطية
التي استولى عليها اللواء خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي، الذي يقاتل
لانتزاع السيطرة على العاصمة طرابلس من الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة.

وتمتلك ليبيا أكبر احتياطي نفطي في إفريقيا ولديها أيضاً غاز طبيعي؛
ما يجذب اهتماماً أجنبياً هائلاً للدولة شبه الصحراوية المطلة على البحر المتوسط.

ووفقاً لوكالة أنباء Reuters، كان للصراع الليبي أثر
كارثي على صناعة النفط؛ إذ تسبب حصار اللواء حفتر لطرابلس في إغلاق حقول النفط
والموانئ وتقليص الإنتاج من حوالي 1.2 مليون برميل يومياً إلى 262 ألف برميل
يومياً.

تعتبر الإمارات وفرنسا الحليفين الرئيسيين للواء حفتر، في جهوده
لانتزاع السلطة من حكومة الوفاق الوطني التي تتخذ من طرابلس مقراً لها، والتي
تتكون من تجمعات سياسية مختلفة.

وقال المحلل جليل هارتشوي، في تصريح لشبكة BBC، إنَّ الإمارات ومصر
وفرنسا «تشارك حفتر نفس الأيديولوجية. فهي تفضل شكلاً صارماً من الحكم
الاستبدادي».

وأوضح: «فرنسا، على سبيل المثال، لا تعتقد أنَّ ليبيا مستعدة
لتجربة ديمقراطية حقيقية وحرة. ومثل الإمارات، هي لا تحب الإسلام السياسي، الذي
يعد واحداً من أعمدة حكومة الوفاق الوطني العديدة».

أما مصر، التي تعتبر نفسها عربية أكثر منها إفريقية، فانحازت أيضاً
إلى حفتر. وهو ما لا يجب أن يثير الدهشة؛ إذ استولى الرئيس عبدالفتاح السيسي على
السلطة في عام 2013 بعد إطاحة محمد مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطياً في مصر.

وهنا، أوضح هارتشوي: «مصر تدعم ليبيا سياسياً، لكنها لا تدعمه
بالمال. لكنْ هناك آخرون يفعلون ذلك. إذ منحته السعودية عشرات الملايين من اليورو
منذ مارس/آذار 2019″، مع إطلاقه حملة للسيطرة على العاصمة الليبية،
طرابلس.

يلقي الكثيرون باللوم على النزاع الليبي في تدفق الأسلحة والمقاتلين
المتطرفين إلى دول الصحراء الكبرى، مثل مالي ونيجيريا وبوركينا فاسو.

وقال هارتشوي إنَّ فرنسا حاولت الضغط على مستعمراتها الإفريقية
السابقة لتدعم اللواء حفتر، لكنها واجهت مقاومة من الرئيس التشادي إدريس ديبي،
الذي يقود جيشاً قوياً، ويعد العمود الفقري في الجهود المبذولة لمواجهة المتطرفين
المرتبطين بتنظيمي الدولة الإسلامية «داعش» والقاعدة في غرب إفريقيا
ودول الساحل، وهي منطقة شبه قاحلة على أطراف الصحراء الكبرى.

ولفت هارتشوي: «منطقياً، ينبغي أن يكون ديبي وحفتر مغرمين
ببعضهما. لكنهما ليسا كذلك».

وذلك لأنَّ اللواء حفتر، الذي كان جزءاً من جيش القذافي قديماً، قاد
حملة لغزو تشاد في أواخر الثمانينيات. وتعرض للأسر، لكنه غيَّر ولاءه وتواطأ مع
رئيس تشاد آنذاك حسين حبري، ثم أصبح حليفاً لديبي والولايات المتحدة في محاولة
فاشلة للإطاحة بالقذافي.

وأوضح هارتشوي: «لم يستكمل حفتر المهمة قط، وديبي لم يُعجَب به
على الإطلاق. ومع ذلك، ما يريده ديبي، الآن في عام 2020، هو أن يتولى حفتر تأمين
جنوب غرب ليبيا».

وأضاف: «لكن هذه المنطقة لا تمثل أولوية قصوى لحفتر لأنها على
الرغم مما بها من نفط، لا تقدم أية أموال ولا مكانة ولا سلطة. لذا يصبّ اهتمامه
على طرابلس».

وتعتقد تشاد، وكذلك مالي والنيجر وبوركينا فاسو، أنه من الضروري
الحفاظ على وجود عسكري قوي في جنوب غربي ليبيا لمنع استغلال تلك المنطقة الشاسعة
ذات الحدود المليئة بالثغرات في شن هجمات ضد المنطقة.

وقال هارتشوي: «حتى عام 2018، استخدم المتطرفون هذه المنطقة
أماكن للراحة، وإعادة تجميع صفوفهم، وشراء الأسلحة، ثم الذهاب وفتح أبواب الجحيم
على شمال مالي».

وأضاف: «لكن المتمردين في الساحل أصبح لديهم اكتفاء ذاتي الآن.
وينضم الشباب المحلي العاطل عن العمل إلى الجماعات المتطرفة. ويُعزَى ذلك جزئياً
إلى أخطاء الدول الضعيفة التي غالباً ما تكون فاسدة، وليس بسبب
ليبيا».

يرى ميرغيسي أنَّ نفوذ إفريقيا داخل ليبيا ضعيف بسبب حقيقة أنَّ بعض
قواها الرئيسية -بما في ذلك جنوب إفريقيا- كانت متحالفة مع فلول نظام القذافي.

وقال ميرغيسي: «لطالما انتابت الليبيين شكوكٌ قوية بأنَّ الرجل
المشهور بلقب محاسب القذافي يعرف أين توجد أصول ليبيا واحتياطياتها من الذهب. وهرب
إلى جنوب إفريقيا بعد تصفية الأصول من الذهب وحوَّل الأموال لبناء قوة عسكرية
للعودة إلى ليبيا».

وتابع: «أممَّت الدول الإفريقية الأصول الليبية لديها، مثل
الفنادق، بدلاً من تسليمها إلى هيئة الاستثمار الليبية».

وهذا شوَّه سمعة العديد من الدول الإفريقية داخل ليبيا، ومع ذلك يمكن
لهذه الدول أن تسهم بدور حيوي في إنهاء الصراع الذي طال أمده.

واختتم ميرغيسي تصريحاته قائلاً: «إفريقيا لا تستغل نقاط قوتها
في ليبيا. فقد نجحت دولٌ مثل جنوب إفريقيا وسيراليون في الخروج من صراعات مماثلة
وتحقيق المصالحة. يمكن لهذه الدول إذاً تقديم دروس قيمة لليبيين الذين لديهم قواسم
مشتركة مع إفريقيا أكثر مما لديهم مع أوروبا».

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى