تقارير وملفات إضافية

نظريات المؤامرة تؤثر سلباً في جهود مكافحة كورونا، فمن يقف وراءها؟ الأنظمة ليست بريئة

يؤثر الانتشار السريع لنظريات المؤامرة بشأن فيروس كورونا المستجد بشكل سلبي في جهود مكافحته بصورة كبيرة، فمن يقف وراء إطلاق تلك النظريات والمؤامرات؟ التاريخ الممتد لوكالات الاستخبارات والأنظمة الحاكمة حول العالم يحمل لنا الإجابة الصادمة.

مجلة فورين بوليسي الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: “كيف يمكن للمخترقين والجواسيس تخريب جهود مكافحة فيروس كورونا؟”، ألقى الضوء على تاريخ وكالات الاستخبارات في التلاعب بالمعلومات وانعكاس ذلك على الوباء الذي يجتاح العالم حالياً.

يحفل تاريخ وكالات الاستخبارات المختلفة بالكثير من عمليات التلاعب بالمعلومات حول الأزمات الصحية، ويعتبر الوباء فرصة سانحة بشكل خاص لتدخل تلك الوكالات، فلماذا لسنا مستعدين بشكل أفضل؟

يتسابق العالم من أجل احتواء انتشار فيروس كورونا الجديد الذي يجتاح العالم بسرعة خطيرة. حتى الآن، يعمل خبراء الأمراض الوبائية في منظمة الصحة العالمية ومراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة وغيرها من وكالات الصحة العامة على جمع المعلومات من أجل معرفة كيف وأين ينتشر الفيروس. ومن أجل هذه الغاية يستخدمون مجموعة متنوعة من وسائل الاتصال الرقمية وأنظمة المراقبة. ومثل الكثير من البنية التحتية الطبية، هذه الأنظمة مهددة بالاختراق والتلاعب من أي جهات خارجية.

وهذا التهديد مقلق للغاية، فسجلات الحكومات ووكالات الاستخبارات المختلفة حافلة بالكثير من السوابق فيما يتعلق بالتلاعب بالمعلومات الصحية، في بلادهم وخارجها. قد يكون ذلك من أجل منع الذعر الجماعي، أو تجنب انهيار الاقتصاد أو تجنب السخط العام (إذا ارتكب المسؤولون أخطاء فادحة في احتواء تفشي المرض، على سبيل المثال). وقد تستخدم الدول معلومات مضللة خارج حدودها من أجل تقويض خصومهم أو تعطيل تحالف دول أخرى، ويعتبر الوباء المفاجئ واسع الانتشار فرصةً مثالية ومغرية للتدخل، خاصة عندما تكافح الدول ليس فقط من أجل محاولة السيطرة على تفشي المرض، بل تعاني أيضاً من تداعياته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

في حالة فيروس كورونا، هذه التدخلات قيد التنفيذ بالفعل، وهي حقيقة لا ينبغي أن نعتبرها مفاجئة. الدول المعادية للغرب لديها سجل طويل حافل من التلاعب بالمعلومات حول الكوارث والأزمات الصحية لنشر الريبة والذعر، وفي ثمانينات القرن الماضي، على سبيل المثال، نشر الاتحاد السوفييتي شائعات كاذبة تفيد بأن وزارة الدفاع الأمريكية تعكف على الهندسة البيولوجية لفيروس العوز المناعي البشري (الإيدز/HIV) من أجل قتل الأمريكيين من أصول إفريقية، وكانت تلك الدعاية فعالة جداً؛ بعد أكثر من 20 عاماً على حملة الشائعات السوفييتية المضللة، كشف استطلاع أجري عام 2005 أن 48% من الأمريكيين من أصول إفريقية يعتقدون أن فيروس الإيدز نتاج عمل بيولوجي في المختبرات، و15% يعتقدون أنه كان أداة إبادة عرقية موجهة نحو مجتمعاتهم.

ومؤخراً، في 2018، قادت روسيا حملة معلومات مضللة من أجل المبالغة في وصف حجم وتأثير الجماعات المناهضة للقاحات والتطعيمات باستخدام منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر. وأكد باحثون أن معدل نشر اللجان الإلكترونية الروسية عن مناهضة اللقاحات أكثر من متوسط ما ينشره المستخدمون العاديون بما يصل إلى 22 ضعفاً. ووجد باحثون آخرون أن قراءة تلك المنشورات لها تأثير كبير على انخفاض معدل اللجوء إلى اللقاحات، ما يهدد حياة الأفراد والصحة العامة.

وخلال الأسبوع الماضي، وجّه مسؤولون أمريكيون اتهامات لروسيا بنشر معلومات مغلوطة عن فيروس كورونا في حملة منظمة أخرى لنشر معلومات مضللة. بداية من منتصف شهر يناير/كانون الثاني تقريباً، نشرت آلاف الحسابات على تويتر وفيسبوك وإنستغرام، العديد منها رُبط سابقاً بجهات روسية، منشورات متماثلة تقريباً بالإنجليزية والألمانية والفرنسية وغيرها من اللغات تلوم فيها الولايات المتحدة بسبب تفشي المرض. وزعمت بعض تلك المنشورات أن الفيروس يأتي ضمن الجهود الأمريكية لعرقلة الاقتصاد الصيني بسبب الحرب الاقتصادية بين البلدين، وزعمت منشورات أخرى أنه سلاح بيولوجي من إنتاج وكالة الاستخبارات المركزية.

وبقدر ما قد تؤدي تلك المعلومات المضللة إلى بث الشقاق وتقويض ثقة الشعب الأمريكي، يكمن التهديد الأكبر في الحماية الضعيفة للبنية التحتية لاستجابة الطوارئ في الولايات المتحدة، بما في ذلك أنظمة المراقبة الصحية المستخدمة لمراقبة وتتبع الوباء. وفي حال اختراق تلك الأنظمة وتخريب البيانات الطبية، سوف تتمكن الدول التي تتمتع بقدرات إلكترونية هائلة تغيير والتلاعب بتلك البيانات من المصدر.

وإليكم كيف يعمل الأمر، ولماذا ينبغي أن نشعر بالقلق. تراقب العديد من أنظمة المراقبة الصحية انتشار حالات الإصابة بفيروس كورونا، بما في ذلك شبكة مراقبة الإنفلونزا بمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها. تُجرى جميع الاختبارات والفحوصات على المستوى المحلي أو الإقليمي، بينما تجري وكالات الصحة العامة، مثل مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، عمليات تجميع وتحليل البيانات فقط. ونادراً ما تُرسل عينات بيولوجية فعلية إلى مختبر حكومي رفيع المستوى. العديد من العيادات والمختبرات التي ترسل النتائج لمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها لم تعد تستخدم تقارير وملفات كما كان في الماضي، بل مجرد برامج لتخزين ونقل البيانات.

هناك الكثير من الثغرات المحتملة في تلك الأنظمة؛ من الممكن أن يستغل المخترقون أي ثغرات أو أعطال في تلك البرامج، أو يمكنهم الوصول إلى خوادم المختبرات عبر طرق أخرى، أو اعتراض الاتصالات الرقمية بين المختبرات ومراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها. برامج تتبع المرض التي يكون لديها قدرة على الوصول إلى سجلات طبية إلكترونية مثيرة للقلق بشكل خاص، لأن هذه السجلات غالباً ما تكون مدمجة في شبكة الأجهزة الرقمية للعيادة أو المستشفى. ومن الناحية النظرية، يمكن استخدام جهاز واحد متصل بشبكة أحد المستشفيات لاختراق قاعدة بيانات فيروس كورونا الكاملة لدى مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها.

ومن الناحية العملية، اختراق أنظمة المستشفيات قد يكون في غاية السهولة لدرجة صادمة. ضمن جزء من دراسة حول الأمن الإلكتروني، تمكن باحثون إسرائيليون في جامعة بن غوريون من اختراق شبكة مستشفى عبر نظام لاسلكي (Wi-Fi) عام. وبمجرد دخولهم الشبكة تمكنوا من نقل معظم قواعد بيانات المستشفى وأنظمة التشخيص. ومن خلال التحكم في قاعدة بيانات الصور غير المشفرة بالمستشفى، أدخل باحثون برمجيات خبيثة غيّرت صور الأشعة المقطعية لمرضى أصحاء تُظهر وجود أورام غير موجودة من الأساس. وفي 60% من الحالات لم يتمكن أخصائيو الأشعة من معرفة الصور الأصلية من المُعدّلة، حتى بعد إبلاغهم بوجود تلاعب في بعض صور الأشعة المقطعية.

وأظهرت دراسة أخرى ذات صلة مباشرة بطوارئ الصحة العامة أن مبادرة الأمن البيولوجي الأمريكي بالغة الأهمية، برنامج BioWatch التابع لوزارة الأمن الداخلي، ظل عرضة للهجمات الإلكترونية لأكثر من عقد. ويراقب هذا البرنامج أكثر من 30 ولاية قضائية أمريكية ويسمح لمسؤولي الصحة العامة برصد هجمات الأسلحة البيولوجية بسرعة كبيرة. اختراق هذا البرنامج قد يؤدي إلى إخفاء هجوم ما، أو خداع السلطات بوجود هجوم غير حقيقي.

لحُسن الحظ، لم تظهر إلى النور أي محاولات تخريبية تستهدف أنظمة الرعاية الصحية من قبل وكالات استخبارية أو مخترقين (أقربها كانت سلسلة من “هجمات الفدية” التي ابتزت المال من المستشفيات، وتسببت في خروقات هائلة للبيانات وانقطاع الخدمات الطبية). لطالما كانت عناصر البنية التحتية الأخرى الحيوية هدفاً أكثر إغراء. على سبيل المثال، اخترق الروس شبكة الكهرباء الوطنية الأوكرانية عدة مرات، وحاولوا اختراق شبكات ومحطات الطاقة الأمريكية أيضاً؛ واخترقت الولايات المتحدة وإسرائيل البرنامج النووي الإيراني، بينما استهدفت إيران البنية التحتية النفطية للسعودية. لذا، لا سبب يدعونا إلى الظن بأن البنية التحتية للرعاية الصحية العامة هدفاً بعيد المنال.

بالرغم من تلك السوابق والمخاطر المثبتة، لم يُجرَ حتى الآن أي تقييم مفصل عن مدى عُرضة أنظمة المراقبة الصحية الأمريكية للاختراق والتلاعب. وبوجود فيروس كورونا الذي أوشك على أن يُصبح جائحة، قد تكون الولايات المتحدة مهددة بعدم وجود بيانات موثوقة، ما قد يعيق قدرة البلاد على الاستجابة ومواجهة المرض.

في الظروف الطبيعية، يكون هناك الكثير من الوقت أمام مسؤولي الصحة العامة لملاحظة أي أنماط غير اعتيادية في البيانات وتتبع المعلومات الخاطئة إذا لزم الأمر باستخدام الطرق القديمة والاتصال بالمختبرات مباشرة. ولكن خلال وباء سريع الانتشار، ووجود عشرات الآلاف من الحالات المطلوب متابعتها وتحليل بياناتها، سيكون تضليل خبراء الأوبئة ومسؤولي الصحة العامة المرهقين بالبيانات الخاطئة أمراً في غاية السهولة. وقد يؤدي ذلك إلى إساءة استخدام وتوجيه الموارد، أو خلق حالة من الطمأنينة الزائفة بسبب انخفاض أعداد الحالات المصابة، أو إهدار الوقت الثمين لصنّاع القرارات في محاولة التحقق من صحة بيانات غير متناسقة.

في مواجهة جائحة عالمية محتملة، يجب ألا يهدر مسؤولو الصحة العامة في الولايات المتحدة وجميع دول العالم المزيد من الوقت بدون تقييم وتعزيز حماية أنظمة الصحة الرقمية في بلادهم. كما يقع على عاتقهم دوراً مهماً في مناقشة الأمن الإلكتروني للأنظمة الصحية على نطاق أوسع. جعل البنية التحتية الصحية للولايات المتحدة آمنة يتطلب إعادة توجيه مفهوم الأمن الإلكتروني الأساسي بعيداً عن فكرة الهجوم وتبني الأفكار الدفاعية. الفكرة التي تعتمد عليها العديد من الحكومات، بما في ذلك الولايات المتحدة، بأن البنية التحتية للإنترنت يجب أن تظل ضعيفة لكي تتمكن تلك الحكومات من التجسس على الآخرين بشكل أفضل لم تعد قابلة للتطبيق. في سباق التسلّح الرقمي، الذي تكتسب فيه المزيد من الدول قدرات هجوم إلكترونية أكثر تطوراً، يزيد من ضعف الولايات المتحدة في بعض الجوانب المهمة مثل السيطرة على الأوبئة. ينبغي تسليط الضوء على أهمية حماية البنية التحتية الصحية الرقمية، حتى يتمكن مسؤولو الصحة العامة من المطالبة بشبكات إنترنت آمنة وجيدة الحماية من أجل عالم صحي وآمن.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى