تقارير وملفات إضافية

“ترامب لم يستوعب الأمر بعد”.. قصة نجاح كوريا الجنوبية بمواجهة كورونا تؤكد فشل أمريكا في ذلك

لا يبدو أنَّ العالقين في بؤر تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد تنتظرهم الكثير من الأنباء السارة. ففي الولايات المتحدة، يتأهب مسؤولو الصحة العامة لارتفاع حاد في حالات الإصابة وتكدس في المستشفيات. وحذَّر الجراح العام الأمريكي جيروم أدامز، الإثنين 16 مارس/آذار، من وجود “احتمالات قوية أن تصبح أمريكا مثل إيطاليا”، وهو تشبيه قاتم بالنظر إلى تعداد الوفيات المتصاعد في أكثر دولة أوروبية متضررة من تفشي الفيروس، كما تقول صحيفة The Washington Post الأمريكية.

لكن بدأت تظهر في أماكن أخرى بشائر مشجعة. فإلى جانب الصين، كانت كوريا الجنوبية واحدة من أكثر الدول المتضررة في المراحل الأولى لتفشي الفيروس. لكن الاستجابة الشرسة جعلتها واحدة من النماذج التي يُحتذى بها في جهود مكافحة الجائحة، وذلك بفضل التنفيذ السريع لنظام فحص واسع النطاق، وكذلك التحلي بالشفافية والمثابرة في رسائل الحكومة للشعب خلال ذروة الأزمة. لكن خلال الأشهر الأولى لتفشي الفيروس في الولايات المتحدة، فشلت إدارة ترامب فشلاً ذريعاً في كلا الأمرين.

وفي كوريا الجنوبية، ارتفع عدد الإصابات على مدى 10 أيام في أواخر فبراير/شباط، عندما ازداد من مجموعة من بضع عشرات إلى أكثر من 5000 إصابة. لكن بدأ معدل الانتشار في التباطؤ منذ بدأت الدولة العمل على مواجهته. ومن بين أكثر من 8000 حالة إصابة مؤكدة بالفيروس، توفي 75 شخصاً فقط حتى الآن، وهو معدل وفيات يقل عن متوسط المعدل العالمي الذي يبلغ ​​3%.

وقالت وزيرة خارجية كوريا الجنوبية، كينغ كيونغ-وا، في تصريح لشبكة BBC البريطانية: “الفحوصات حيوية لأنها تساعد على الكشف المبكر عن الإصابة، وتقويض المخاطر، والعلاج السريع لمن تثبُت إصابتهم”.

ونشر فريق أبحاث Public Citizen تغريدة على تويتر، في 13 مارس/آذار، يشير فيها إلى معدل فحوصات فيروس كورونا المستجد لكل مليون شخص.

Coronavirus tests per 1 million people:

?? South Korea: 3,692

?? Guangdong, China: 2,820

?? Italy: 826

?? Taiwan: 615

?? Israel: 401

?? Netherlands: 350

?? UK: 347

?? Japan: 66
.
.
.
?? United States: 23

The US is 161x behind South Korea.https://t.co/vWGdlCoDSF pic.twitter.com/99azGl584Q

ووفقاً لهذه التغريدة، يقل معدل الفحوصات في الولايات المتحدة لكل مليون شخص بمقدار 161 مرة عن كوريا الجنوبية.

أوضحت صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية: “تمتلك كوريا الجنوبية الآن القدرة على اختبار ما يصل إلى 20.000 شخص يومياً في 633 موقع اختبار على مستوى الدولة، بما في ذلك عيادات تسمح للمواطن بتلقي الفحص بينما يجلس في سيارته، وكذلك منشآت مؤقتة شُيِّدت حديثاً أمام المباني التي وُجِد بها إصابات. وتُنقَل العينات بالشاحنات -حيث تُخزَن في درجة حرارة تصل إلى نحو 40 درجة فهرنهايت في حاويات محكمة الغلق- إلى 118 مختبراً. ويعكف جيش مؤلف من نحو 1200 متخصص طبي على تحليل النتائج”.

ولم تتمكن الولايات المتحدة من إنجاز سوى جزء صغير من تلك الجهود إلى الآن. وتحركت بعض الولايات لإنشاء مثل هذه المرافق المؤقتة، لكن النظام غير متوازن ولا يبدأ في التحرك إلا بعد انتشار الفيروس في المدن الكبرى. إلى جانب ذلك، في كوريا الجنوبية -وكذلك في تايوان التي كتبت هي الأخرى قصة نجاح ملحوظة في المعركة ضد الفيروس التاجي- ساعدت الخبرةُ في مواجهة الأوبئة القاتلة الأخيرة، بما في ذلك تفشي السارس عام 2003 ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية في 2015، في بناء أسس الاستجابة الحكومية والمجتمعية الفعالة. ونجحت كوريا الجنوبية في تجنب عمليات الإغلاق الصارمة من أجل التتبع المعقد للعدوى المحتملة ومراقبتها بيقظة بالغة.

وبحسب تغريدة نشرتها شبكة ABC News الأمريكية، شيَّد مستشفى في سول، عاصمة كوريا الجنوبية، منشأةً لفحص الفيروس تُشبِه أكشاك الهاتف لتقليل الاتصال بين المرضى والعاملين.

A hospital in Seoul, South Korea, implemented a virus testing facility resembling telephone booths to minimize contact between patients and staff. Over 250,000 tests for coronavirus have been conducted in South Korea. https://t.co/9XdwGb7Gdz pic.twitter.com/BMALI39g93

من جانبها، قالت ليغان يوه، وهي أكاديمية في جامعة كوريا، في تصريح لصحيفة  The Financial Times البريطانية: “نظراً لأن كوريا الجنوبية تعرضت بالفعل لتجارب مماثلة من تفشي الفيروسات، فإنها تعرف نوع الخطوات التي يجب اتخاذها ومدى جدية الخطورة التي يشكلها التفشي. وإذا قارناها بالولايات المتحدة، التي لم تتعرض بالفعل لهذه الأشياء من قبل، أو على الأقل لفترة طويلة، فإن ردها كان مختلفاً تماماً”.

ولا يضير أنَّ السلطات الكورية الجنوبية تأكدت من توفير الاختبار بالمجان للجميع، وأنَّ نظام الرعاية الصحية بالدفع الفردي في البلاد لا يمنع ذوي الدخل المنخفض من التماس العلاج الوقائي، كما هو الحال غالباً في الولايات المتحدة.

حرَّف دونالد ترامب الأزمة قائلاً إنها مجرد تهديد صيني يمكن التعامل معه بسهولة على الحدود الأمريكية. واستنكر تضخيم خصومه السياسيين لهذا التهديد الطفيف. ونشر مراراً معلومات ونصائح غير دقيقة للأمريكيين حول مدى انتشار الفيروس وقدرة الحكومة على التعامل معه. ولم يبدُ أنَّ ترامب بدأ أخيراً يستوعب حقيقة الوضع إلا في مؤتمر صحفي الإثنين، 16 مارس/آذار، حين قال إنَّ تفشي الفيروس يمكن أن يستمر حتى أواخر الصيف.

وعلى النقيض من ذلك، نجد أنَّ رئيس كوريا الجنوبية مون جيه-إن تراجع للصفوف الخلفية، في الوقت الذي بدأ فيه مسؤولو الصحة العامة في بلاده بالحديث مرتين يومياً مع الجمهور عن مستجدات تفشي الفيروس.

وفي هذا السياق، كتب روبرت كيلي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة بوسان الوطنية: “الرئيس مون جيه-إن، مثل ترامب، لديه معتقدات أيديولوجية قوية وتنتظره انتخابات مقبلة. لكن مون أبدى استعداداً أقوى بكثير في التعامل مع فيروس كورونا بجدية، والسماح للخبراء بإدارة الاستجابة. لكن لم يكن هناك أي شيء يضاهي تردد ترامب خلال الشهر الماضي، أو تصريحاته العلنية الغريبة بأن الفيروس سيختفي قريباً أو أنه تحت السيطرة. كما لم يكن هناك أي شيء على الإطلاق يشبه نظريات المؤامرة المنتشرة على نطاق واسع في وسائل الإعلام المؤيدة لترامب”.

من جانبه، أشار توماس بايرن، رئيس منظمة The Korea Society غير الربحية في مدينة نيويورك: “لم تتصف استجابة أية دولة بالفعالية الكاملة، لكن الدرجة العالية من الشفافية والكفاءة للمسؤولين الصحيين الكوريين الجنوبيين تقدم دروساً مفيدة حول جهود الاحتواء للدول الأخرى، وحول طبيعة هذا الوباء للمجتمع العلمي الدولي”.

وكان نائب وزير الخارجية الكوري الجنوبي، لي تاي هو، قد قال للصحفيين الأسبوع الماضي إنَّ هذا النوع من الانفتاح والشفافية يبني “الثقة العامة” ويؤدي إلى “مستوى عالٍ جداً من الوعي المدني والتعاون الطوعي الذي يعزز جهودنا الجماعية للتغلب على هذه الحالة الطارئة التي تمس الصحة العامة”. لكن في كثير من الديمقراطيات الواقعة أقصى الغرب، مثل هذه الدرجة من الوعي المدني وثقة الجماهير غير مضمونة.  

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى