تقارير وملفات إضافية

لماذا اعتقل ولي العهد السعودي عمه، ودخل بمواجهة مع بوتين في آن واحد.. “بلومبيرغ” تكشف خطته للمرحلة القادمة

أرسلت استراتيجية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بتسديد اللكمات الواحدة تلو الأخرى لأي خصم محتمل في الداخل أو الخارج موجة من الصدمات بين أفراد العائلة الملكية وأثارت القلق في الدوائر الدبلوماسية الدولية؛ بعدما شن حملة اعتقالات لأمراء سعوديين كبار تزامناً مع دخوله حرب لتحطيم أسعار النفط مع روسيا.

وأثارت هذه التحركات اضطرابات في الأسواق العالمية كما أظهرت مخاوفه بشأن قوة قبضته على المملكة الغنية بالنفط، حسبما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.

واعتقلت السلطات السعودية، في يوم الجمعة، 9 مارس/آذار، شقيق الملك سلمان بن عبدالعزيز وابن أخيه بذريعة التخطيط لانقلاب، وفقاً لشخص مطلع على المسألة.

وفي اليوم التالي، خفَّضت المملكة، أكبر مُصدِّر للنفط في العالم، أسعار خام النفط فيها بأعلى نسبة منذ 30 عاماً؛ مما أشعل حرب أسعار مع روسيا تهدد بإثارة مزيد من الاضطرابات في الاقتصاد العالمي الذي يعاني بالفعل بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد.

ووضع الأمير خططاً طموحة لتحويل الدولة إلى مركز قوة معاصر، لكنه يواجه طريقاً شاقاً؛ إذ أضر تفشى الوباء بالطلب العالمي على النفط وأثقل كاهل الاقتصاد السعودي. وتشير الاعتقالات بذريعة الخيانة التي يمكن أن تؤدي إلى صدور عقوبة الإعدام -وهو أمر لم يسبق أن حدث مع أقارب كبار السن- إلى أنَّ الأمير لن يسمح لأي شيء باعتراض طريقه، لا سيما أسرته.

وعلَّقت كارين يونغ، باحثة مقيمة في معهد American Enterprise Institute المحافظ -مقره واشنطن- قائلة: “الكثير مما يحدث تحت قيادة محمد بن سلمان يقوم على عنصر المفاجأة وتغيير ميزان القوى والسعي لتشديد السيطرة. 

لكن التهديد الأكبر الذي تواجهه السعودية الآن هو احتمال تراجع أسعار النفط تراجعاً كبيراً، ربما لمعدل أسعار عام 2015 أو أقل من ذلك. وهذا ما سيكون أصعب على ولي العهد السيطرة عليه”.       

يقل الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة كثيراً عن المعدلات التي كان عليها منذ 10 سنوات، بالرغم من جهود المسؤولين لإنعاشه. 

ونشرت صحيفة The New York Times، أمس الأحد 8 مارس/آذار، معلومات جديدة عن عملية اعتقال ذات صلة، تشير إلى أنَّ نطاق الاعتقالات غير معروف. في حين ذكرت صحيفة The Wall Street Journal أنَّ العشرات من مسؤولي وزارة الداخلية وكبار ضباط الجيش وغيرهم ممن يُشتبَه في دعمهم محاولة انقلاب، تعرضوا للاعتقال. وبدأت السلطات بعدها بالإفراج عن بعضٍ ممن خضعوا للاستجواب في حملة الملاحقة، حسبما ذكرت صحيفة The Wall Street Journal في نبأ آخر منفصل، أمس الأحد.

وقالت كارين يونغ إنَّ الاعتقالات تسلط الضوء على مناخ الخوف المستمر في المملكة الذي جعل المستثمرين الأجانب والمحليين متشائمين. لكنها كانت بالفعل سنة سيئة من حيث الآفاق الاقتصادية بسبب التباطؤ العالمي الناجم عن تأثير فيروس كورونا المستجد والآثار التي خلَّفها على الطلب العالمي على الطاقة.

إذ انخفض خام برنت بمقدار الثلث تقريباً إلى 31 دولاراً للبرميل، صباح اليوم الاثنين 9 مارس/آذار، وذلك في رد فعل من التجار على خفض السعودية أسعار النفط. ويأتي ذلك عقب انخفاض يوم الجمعة وهو أكبر انخفاض يشهده سوق النفط منذ عقدٍ من الزمن بعدما رفضت روسيا دعوة الرياض لخفض الإنتاج.

وأدى انهيار محادثات (أوبك +) إلى انخفاض أسهم عملاق النفط “أرامكو السعودية” دون سعر الطرح العام الأولي، أمس الأحد. ويعد هذا الطرح العام الأولي درة تاج خطط الأمير محمد الشاملة لإبراز المملكة عالمياً. إلى جانب ذلك، خسر المؤشر العام لسوق الأسهم السعودية “تداول” 8.3% من قيمته أمس.

ولم يصدر عن السلطات السعودية أي تعليق إلى الآن بشأن هذه الاعتقالات. ولم يرد المكتب الإعلامي للحكومة السعودية مباشرةً على طلب للتعليق أمس الأحد، 8 مارس/آذار.    

وتعارضت جهود الأمير لتصوير نفسه على أنه حاكم إصلاحي وحليف جدير بالثقة للغرب مع الواقع الأقل إثارة للإعجاب المتمثل في سعيه القاسي لترسيخ نفوذه ومغامراته السياسية الخارجية مثل الحرب في اليمن ومقاطعة قطر. 

وقبل ثلاث سنوات، أمر ولي العهد باحتجاز مئات من أفراد العائلة المالكة وكبار رجال الأعمال بسبب مزاعم بتورطهم في الفساد، وحبسهم في فندق ريتز كارلتون في الرياض في إطار حملة تطهير واسعة ضد المنتقدين المحتملين. 

وبعد مرور عام، قتل عملاء سعوديون جمال خاشقجي، أحد المعارضين البارزين، داخل القنصلية السعودية في إسطنبول وقطّعوا جثمانه أشلاءً. وهز هذان الحدثان الثقة في خطط الإصلاح الواسعة النطاق التي وضعتها والجهود التي بذلتها لجذب الاستثمارات الخارجية لتقليل اعتماد اقتصادها على النفط.

منذ وقت قريب، زعم جيف بيزوس، مؤسس Amazon، أنَّ ولي العهد محمد بن سلمان اخترق هاتفه، وهي المزاعم التي نفاها بقوة المسؤولون السعوديون.

ويبدو أنَّ دعم الملك سلمان لابنه لم يتزعزع، بالرغم من أنَّ العلاقات مع الغرب تتعرض لضغوط شديدة. وواصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أيضاً دعم ولي العهد على الرغم من غضب الكونغرس من اغتيال خاشقجي. 

ومع ذلك، رغم أنَّ كثيرين في العائلة الملكية، التي يُقدَّر عدد أفرادها بالآلاف، يتعهدون بالولاء للأمير محمد، أدى تشديد قبضته على السلطة إلى تهميش الأقارب الآخرين أو عزلهم.

من جانبه، قال كامران بخاري، مدير التطوير التحليلي في Center for Global Policy بواشنطن: “إذا كان وضعك جيداً، وتحظى بقبول ولا يوجد ضغط عليك من دائرتك، فالمعارضة الوحيدة التي ستواجهها ستأتي من المستويات العليا في عائلتك”.    

وتؤكد حملة الاعتقالات الأخيرة أنَّ الأمير محمد لديه خطط تقوم على إخلال توازن الخصوم المحليين قبل صعوده المتوقع إلى العرش. وهي تأتي أيضاً في وقت حرج يحاول فيه تخفيف تداعيات ميله لصنع عداوات في الداخل والخارج، والاستعداد لعام سيشهده وجوده في دائرة الضوء الدولية بمناسبة تولي السعودية رئاسة مجموعة العشرين.

وقال بخاري إنَّ تحرك الأمير ضد أشخاص على قمة الجهاز الأمني للمملكة يعكس شعوره بأنَّ موقفه هش.   

وأضاف بخاري: “مرة أخرى، تجاهل الأمير سمعة المملكة، متصوراً أنه: إذا لم يتصرف في الحال، فسيفعلون هم. ما السمعة التي سأقلق بشأنها إذا لم أكن أنا ملك السعودية؟”.   

ويرتبط أحد المعتقلين، الأمير محمد بن نايف، بصلات قوية مع المؤسسة الأمنية الأمريكية، ونُحي جانباً من خلافة العرش مع صعود محمد بن سلمان. وقال شخص مطلع على الأمر إنَّ شقيقه اعتُقِل في مداهمة على معسكرهم الصحراوي.

أكثر ما يثير الصدمة هو احتجاز الأمير السبيعيني أحمد بن عبدالعزيز آل سعود. 

فهو شقيق الملك سلمان من نفس الأبوين وأحد أبناء أول ملك للسعودية الباقين على قيد الحياة. وهو عضو بارز في هيئة البيعة السعودية، وهي مجموعة من أفراد العائلة المالكة الذين يصوتون على مسائل الخلافة على العرش. 

وأفادت صحيفة The New York Times الأمريكية بأنَّ نجل الأمير أحمد اعتُقِل هو الآخر.

وفي هذا السياق، قالت كريستين دواين، باحثية مقيمة كبيرة في معهد the Arab Gulf States Institute بواشنطن: “أرى أنَّ هذه خطوة استباقية من الأمير محمد بن سلمان، بهدف القضاء على أي بدائل نظرية. لا أعتقد أنهم شكلوا تهديداً حقيقياً على سلطته. لكنهم يستمرون في التمتع بمكانة اجتماعية وفقاً للأعراف التي لا تزال راسخة في عقول الكثير من الأمراء والرعية السعوديين”.

وأضافت كريستين أنَّ تهمة الخيانة هي “خطوة متطرفة”.

وتابعت: “إذا أصبح اتهاماً علنياً، وتصرف ولي العهد وفقاً لذلك، فسيكون ذلك تاريخياً؛ فهو تصرف أقرب ما يكون إلى القادة المستبدين في الجمهوريات العربية منه إلى ممالك الخليج”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى