ثقافة وادب

متهم بدفن نفايات نووية في سوريا.. “عبدالحليم خدام” نائب الرئيس الذي انشق عنه واتهمه باغتيال الحريري

توفي نائب الرئيس السوري المنشق عبدالحليم خدام عن عمر ناهز الــ88 عاماً في منفاه بفرنسا، الذي عمل مع حافظ الأسد وابنه بشار الأسد لنحو 30 عاماً، تولى خلالها عدة مناصب كبيرة، بدءاً من محافظ لمدينة القنيطرة، وصولاً إلى نائب الرئيس.

خدام يعد أحد أبرز الأسماء التي عملت مع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد منذ استيلائه على السلطة في انقلاب العام 1971، رفقة مصطفى طلاس ومصطفى طيارة، فتدرّج بين عدة مناصب سياسية .

فمن هو عبدالحليم خدام، وكيف وصل إلى هذه المناصب المؤثرة، وما قصّة النفايات النووية التي اتُّهم بدفنها في البادية السورية؟

وُلد عبدالحليم خدام في 15 سبتمبر/أيلول 1932، في مدينة بانياس، التابعة لمحافظة طرطوس، ودرس في كلية الحقوق بدمشق، وعندما تخرج فيها انخرط بالعمل السياسي في وقت مبكر.

التحق خدام، الذي ينحدر من أسرة سنّية، بحزب البعث العربي الاشتراكي، قبل أن يتجاوز الـ17 من عمره.

تعدُّ محافظة القنيطرة الواقعة على هضبة الجولان أول مكان تولى فيه عبدالحليم خدام مناصبه السياسة المعتبرة، فعُيّن محافظاً لها في العام 1966، حين كان أمين الحافظ رئيساً للجمهورية.

وكُلِّف خدام بإذاعة بيان سقوط القنيطرة بيد الاحتلال الإسرائيلي في حرب 1967، المعروفة بـ”النكسة”، وسط اتهاماتٍ بأنه دبّر تسليم المحافظة طوعاً للإسرائيليين بالاتفاق مع وزير الدفاع آنذاك حافظ الأسد.

خدام أعلن عن سقوط القنيطرة بيد إسرائيل، بصفته محافظاً لها، عبر بيان تلاه على الإذاعة السورية في 5 يونيو/حزيران 1967، أي قبل 18 ساعة كاملة من سقوط المدينة الفعلي بيد قوات النخبة الإسرائيلية.

وفي أعقاب البيان، أصدر حافظ الأسد أمراً للقوات السورية المتمركزة قرب بحيرة طبريا بالانسحاب العشوائي، ما أدى إلى مقتل عدد كبير منهم.

كما سهّل هذا الانسحاب للقوات الإسرائيلية الوصول إلى قاعدة تل أبوالندى التي تقع في أعلى قمة بالجولان، والتي تشرف على كامل المنطقة الشمالية لفلسطين.

بعد سقوط القنيطرة، تولى ابن مدينة بانياس ذلك عدّة مناصب؛ منها محافظ لمدينة حماة، ثم للعاصمة دمشق، ليصبح بعدها وزيراً للاقتصاد والتجارة الخارجية، ومن ثم وزيراً للخارجية في الفترة من 1970 وحتى 1984، وأخيراً أصبح نائباً للرئيس حافظ الأسد منذ 1984، ومن بعده لبشار الأسد حتى تاريخ انشقاقه عن النظام، في ديسبمر/كانون الأول 2005.

لم يعد موضوع دفن النفايات النووية في البادية السورية القادمة من دول أخرى موضوعاً سرياً، إذ لا تزال آثارها البيئية تظهر حتى الآن على الإنسان والحيوان والنبات في تلك المنطقة.

وتداول البعض شهادات يصعب توثيقها وتأكيدها -بسبب القبضة الأمنية المُحكمة في سوريا- بأنّ مستشفيات مدينة صافيتا شهدت الكثير من الولادات المصابة بالسرطانات أو أجنة من دون جماجم، والسبب أنّ النفايات النووية كانت تأتي عبر شركة إيطالية إلى مينائي طرطوس وبانياس القريبين من المدينة، واللذين يعمل فيهما كثير من أهالي صافيتا.

كما جاء في تحقيق صحفي نُشر في وقت سابق تحت عنوان “الحكاية الكاملة للنفايات النووية في سوريا” أنّ النفايات النووية تسربت للمياه الجوفية، وقد ساعدت السيول الحركة الجيولوجية للأرض والمياه للانتقال إلى مياه السدود.

ويقال إن صفقة دفن النفايات النووية أدرّت أرباحاً هائلة على خدام وغيره من أعمدة النظام السوري بمئات ملايين الدولارات، دون أن يُفتح تحقيقٌ جدي في القضية حتى الساعة.

بعد وفاة حافظ الأسد تسلم خدام مهام رئيس
الجمهورية في مرحلة انتقالية مدة شهرين -بحسب الدستور السوري- في 10 يونيو/حزيران
2000، وأقر تعديل المادة 83 من الدستور لتلائم ترشيح بشار الأسد نجل الرئيس لمنصب
الرئاسة.

وفي اليوم التالي أصدر نائب رئيس الجمهورية
عبد الحليم خدام القانون رقم 9 بتاريخ 11 يونيو/حزيران 2000 القاضي بتعديل المادة
المذكورة التي تحدد عمر المرشح لرئاسة الجمهورية بإتمامه الرابعة والثلاثين من
العمر، بعد أن قام بترقية العقيد بشار الأسد إلى رتبة فريق وتعيينه قائدا عاما للقوات
المسلحة.

يتهم السوريون خدام وغيره من رجالات “الحرس القديم” لحافظ الأسد بالعمل على توريث السلطة لابنه بشّار، في سابقة غريبة بجمهورية عربية.

لكن نائب الرئيس السابق نفى هذه الاتهامات مراراً بعد انشقاقة عن السلطة، وأشار إلى أن قوى أخرى أسهمت في عملية التوريث، بل اتهم الأسد الابن بالسعي لإبعاده عن المشهد.

مساء الجمعة 30 ديسمبر/كانون الأول 2005، أعلن عبدالحليم خدام تخليه عن منصب نائب الرئيس وانشقاقه عن النظام، عبر لقاء تلفزيوني بثته قناة “العربية”، متحدثاً عن تدهور علاقته ببشار الأسد بسبب انتقاده السياسة الخارجية السورية البعثية، سيما في لبنان، واغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري.

كما دعا خلال اللقاء إلى العمل على التغيير السلمي في سوريا بإسقاط النظام، وبناء دولة ديمقراطية حديثة في سوريا تقوم على أساس المواطنة.

وأكّد خدام بعد تقديمه على اللجوء السياسي في باريس، أنه على قناعة تامة بأن الرئيس السوري بشار الأسد هو من أعطى أمراً للمخابرات السورية باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، في فبراير/شباط 2005.

كما كشف أن الأسد وجه تهديداً لرئيس وزراء لبنان الراحل رفيق الحريري حال لم ينفذ الرغبة السورية في لبنان، موضحاً أن بشار  أخبره أنه أسمع الحريري تهديداً وقال له كلاماً قاسياً، ملمحاً أن الأسد قال إنه سيسحق من يخرج عن قرار سوريا، وهو ما أدى إلى تعرض الحريري لنزيف في أنفه.

وكان خدام يتمتع بعلاقة مميزة مع الحريري، إذ أهداه الأخير قصر أوناسيس قرب العاصمة الفرنسية باريس، أقام به بعد انشقاقه عن النظام السوري وحتى وفاته.

في 17 أغسطس/آب 2008، أصدرت المحكمة العسكرية الجنائية الأولى بدمشق، برئاسة العميد القاضي محمد قدور، قرارها رقم 406 بالحكم غيابياً على خدام 13 حكماً بالسجن لمدد مختلفة، أشدها الأشغال الشاقة المؤبدة مدى الحياة.

وكانت تلك التهم التي حُكم عليه بموجبها هي الافتراء الجنائي على القيادة السورية، والإدلاء بشهادة كاذبة أمام لجنة التحقيق الدولية بشأن مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وكتابات وخطب لم تجزها الحكومة السورية.

كما اتهمته بالمؤامرة على اغتصاب سلطة سياسية ومدنية، وصلاته غير المشروعة مع العدو الصهيوني، والنيل من هيبة الدولة، وإضعاف الشعور القومي، وأشدها دسّ الدسائس لدى دولة أجنبية لدفعها إلى العدوان على سوريا، التي عوقب عليها بالمؤبد.

لا شك أن غالبية المسؤولين في سوريا يستغلون مناصبهم لتكوين ثروة، وكان خدام أحدهم، فقد قدرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، ثروته بنحو 1.1 مليار دولار، فيما قالت مصادر أخرى إنّ خدام خلال سنوات خدمته تلقَّى من رفيق الحريري قرابة 500 مليون دولار، بعضها منازل وقصور فخمة، ويختان، وبعضها الآخر أموال في المصارف الفرنسية والسويسرية واللبنانية.

وأضافت هذه المصادر أن أبرز القصور التي تلقاها كرشوة من الحريري الأب واحد بفرنسا في شارع فوش، وهو القصر الذي كانت تمتلكه ابنة الملياردير الشهير أوناسيس، والقصر الثاني باسم زوجته السيدة نجاة مرقبي خدام، في مدينة نيس الفرنسية.

وقصر في مدينة بانياس مع مرفأ خاص، وقصر في بلودان، وشقة فخمة في منطقة عين المريسة في بيروت، ويختان فخمان؛ مايا 1، مايا 2.

وكان نائب الرئيس السوري الراحل عبدالحليم خدام يتمتع بعلاقات طيبة مع السعودية -بدليل إذاعة قناة “العربية” المدعومة من الرياض بيان انشقاقه- ويُقال إن رفضه تقارب بشار الأسد مع إيران هو السبب الرئيسي لخلافه مع النظام، كما يُثار بأنه وزوجته وأولاده يحملون الجنسية السعودية

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى