تقارير وملفات إضافية

ليبيا.. كيف تغيَّر مسار الحرب من الحل السياسي إلى الحسم العسكري؟

لا تزال رحى الحرب تدور في ليبيا، رغم مرور عام على هجوم خليفة حفتر على العاصمة طرابلس في 4 أبريل/نيسان 2019، ورغم استمرار تفشي فيروس كورونا ومبادرات وقف إطلاق النار.

فمنذ يناير/كانون الثاني 2020، كثفت الإمارات وروسيا من رحلات الشحن الجوي إلى شرقي ليبيا، فكان ذلك نذير حرب كبيرة تلوح في الأفق، رغم اتفاقات وقف إطلاق النار المبرمة ومفاوضات الحل السياسي التي كانت جارية آنذاك.

ونتيجة لذلك، وبعد تلقيها كميات كبيرة من الإمدادات العسكرية الثقيلة، بدأت المليشيات المرتبطة باللواء المتقاعد حفتر، مهاجمة طرابلس – مقر حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً – مرة أخرى في 28 فبراير/شباط الماضي.

بدورها أطلقت القوات التابعة لحكومة الوفاق عملية “عاصفة السلام” على جميع الجبهات صباح 25 مارس/آذار، لكسر حصار طرابلس، وهكذا اتخذت الحكومة وضعية الهجوم بدلاً من الدفاع للمرة الثانية.

وفي ضوء إصرار بعض الأطراف على إطالة أمد الحرب، تتصاعد أهمية التطورات الميدانية والتغييرات الكبيرة التي تشهدها ليبيا، في صياغة السيناريوهات المحتملة لتطورات الوضع.

في الواقع، شهدت ليبيا عام 2020 تصاعد الآمال بالتوصل إلى حل سياسي بعد سلسلة من المبادرات الدبلوماسية، لاسيما بعد مذكرة التفاهم التركية الليبية وتدخل روسيا واجتماع موسكو لإيجاد حل سياسي للأزمة.

وبينما وقع رئيس حكومة الوفاق فائز السراج نص وقف إطلاق النار الذي جرى الاتفاق عليه في موسكو، غادر حفتر العاصمة الروسية دون توقيع الاتفاق.

وبعد فترة وجيزة، عقدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مؤتمر برلين في 19 يناير/كانون ثاني، بمشاركة الجهات الفاعلة الدولية الرئيسية من أجل تحديد خارطة طريق للحل السياسي ومحادثات السلام.

ومن أجل إجراء هذه المحادثات، تم تأليف ثلاثة اجتماعات منفصلة، تعنى بالشؤون العسكرية والاقتصادية والسياسية، برعاية من الأمم المتحدة، وبدأت المفاوضات مع اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة بهدف توفير وقف دائم لإطلاق النار.

وأسفرت “محادثات الطاولة السياسية”، التي كان من المقرر أن تبدأ في 26 فبراير/شباط، فشلاً ذريعاً، فيما أعلنت حكومة الوفاق إرسال الإمارات أسلحة جديدة إلى ليبيا منذ منتصف يناير/كانون الثاني، إذ سلمت نحو 6 آلاف طن من الذخيرة والأسلحة لميليشيا حفتر.

من ناحية أخرى، بدأت ميليشيا حفتر بشن الهجمات ضد طرابلس، خارقة بذلك تفاهمات وقف إطلاق النار.

وتسارعت وتيرة الهجمات على طرابلس، فيما حذر الممثل الخاص للأمم المتحدة، غسان سلامة، من تداعيات الانتهاكات الكبيرة التي شابت اتفاق وقف إطلاق النار.

وبعد مدة وجيزة، أعلن سلامة استقالته من منصبه، إلا أن الاستقالة لم تكن كافية لتمهيد الطريق لمبادرة دولية قوية لوقف الهجمات على العاصمة الليبية.

وفي السياق ذاته، دعت كل من الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية وتركيا والإمارات والجزائر إلى مبادرة لوقف إنساني لإطلاق النار على خلفية تفشي فيروس كورونا.

إلا أن تلك المبادرات جوبهت بانتهاكات فورية من قبل ميليشيا حفتر، التي قصفت مستشفيات تابعة لحكومة الوفاق تعنى بتوفير العلاج لمصابي الفيروس المستجد.

الهجمات الصاروخية التي تستمر ضد طرابلس مع انقطاع المياه والكهرباء، تجعل من الصعب على سكان العاصمة مكافحة وباء كورونا، لا سيما مع تصاعد وتيرة تلك الهجمات اعتباراً من 28 فبراير/شباط الماضي.

فبينما تستمر هذه الهجمات على العديد من الجبهات، فإن أحد الأهداف الرئيسية لهجمات المليشيات؛ كان اختبار قوات حكومة الوفاق في عدة جبهات، والعمل على إيجاد نقاط ضعف دفاعية، إضافة إلى استهداف القدرات العسكرية التي تم الحصول عليها من خلال المساعدات العسكرية التركية.

كما استمرت الهجمات الصاروخية على “مطار معيتيقة” منذ 22 يناير/كانون الثاني، كما تعرض ميناء طرابلس لهجمات صاروخية بهدف منع وصول المساعدات إلى حكومة الوفاق.

وعلى النقيض من ذلك، كانت حكومة الوفاق تعمل على كسر جميع أشكال الحصار والقضاء على التهديدات التي تتعرض لها من قبل قوات حفتر انطلاقاً من مناطق جنوب شرق طرابلس.

بالإضافة إلى تكثيف الإمدادات من خلال التنسيق العسكري لتعزيز الجبهات وزيادة القدرة العسكرية وخاصة في مجالات الدفاع الجوي.

أحرزت المليشيا تقدماً ميدانياً مهماً في البلاد منذ عام 2014، وحازت على التفوق الجوي بفضل أسطول الطائرات بدون طيار والمقاتلات الإماراتية وأنظمة الدفاع الجوي التي تقدمها روسيا، والمرتزقة السودانيين والتشاديين والروس الممولين من أبوظبي وموسكو.

وفي 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وقع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس المجلس الرئاسي للحكومة الليبية فائز السراج، مذكرتي تفاهم، تتعلق الأولى بالتعاون الأمني والعسكري، والثانية بتحديد مناطق الصلاحية البحرية، بهدف حماية حقوق البلدين المنبثقة عن القانون الدولي.

وفي ظل هذا الاتفاق، قدمت تركيا مساعدات عسكرية إلى ليبيا، الأمر الذي غير موازين القوى وأظهر تحسناً ملحوظاً في تحسن القدرات العسكرية لحكومة الوفاق، تحديداً التفوق الجوي.

ومنذ يناير/كانون الثاني 2020، تمكن الرادار وأنظمة الدفاع الجوي وأجهزة الرؤية الليلية الممنوحة لطرابلس من التشويش على القوات الجوية التابعة لحفتر والإمارات، وكان من الصعب على أبوظبي القيام بعمليات جوية في المنطقة.

ولهذا السبب، نفذت المليشيا هجماتها منذ يناير/كانون الثاني بصواريخ “غراد” وصواريخ أخرى، ومع ذلك، فإن تطور القدرات العسكرية لحكومة الوفاق لم تمكنها من صد الهجمات الصاروخية ضد طرابلس، تلك الهجمات التي تسببت بزيادة الخسائر بين المدنيين.

ورغم ما سبق، فإن عامل السيطرة الجوية يبقى العامل الأكثر أهمية في تحديد من يمتلك التفوق ويغير المعطيات الميدانية.

والواضح أن زيادة القدرات العسكرية لحكومة الوفاق بعد الاتفاق مع تركيا جعلت الحكومة تمتلك أنظمة هجومية ودفاعية توقف تقدم حفتر.

كما تحاول حكومة الوفاق السيطرة على القواعد الجوية الموجودة تحت قبضة الميليشيا، خاصة قاعدة الوطية (140 كلم جنوب غرب طرابلس) لإضعاف قدراتها العملياتية، وكذلك الحد من قدرات الطائرات الحربية الإماراتية من المشاركة بالعمليات الجوية.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى