تقارير وملفات إضافية

ما الذي يجمع بين بوتين والسلفيين المداخلة؟ قصة التحالف المعقد الذي سيرث أمريكا في المنطقة

بعد مرور عشر سنوات على الثورات العربية، برز التحالف بين الإمارات وروسيا كواحد من غرائب السياسية في المنطقة، تحالف لم يكن متصوراً قبل عقود، حينما كانت دول الخليج الخصم الرئيسي للنفوذ الروسي بالشرق الأوسط

ولكن اليوم ينظر إلى الإمارات العربية المتحدة على أنها أقوى الجهات المعادية للثورات، وأكثر من تثق بها روسيا من حلفائها في المنطقة، في الوقت الذي تتحول فيه الولايات المتحدة من التدخل المباشر في المنطقة إلى التحكم عن بعد. 

وبالتالي، فإن الشراكة المتنامية بين الكرملين وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد ليست من قبيل الصدفة، وليست قائمة على الجغرافيا السياسية، بل هي قائمة على التآزر الفكري المتنامي الذي يملأ فراغاً تركته القيادة المعنوية الأمريكية الغائبة أو المفككة، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.

وحل محل الخصوصية الأمريكية خطاب يروج لخصوصية إماراتية، تعزز نموذجاً اجتماعياً وسياسياً معدلاً لـ”الاستقرار الاستبدادي”، الذي يسمح لأبوظبي بالانخراط فيما يتجاوز قدراتها بتشكيل تحالفات وشبكات مع قوى وأفراد يعارضون قيم التعددية والليبرالية المدنية والعدالة الاجتماعية.

وفي الحقيقة، يعتبر كل من بوتين ومحمد بن زايد الدولة مؤسسة مقدسة، يكون الخضوع فيها للقيادة السياسية أهم من التعبد لله، حسب وصف الموقع الأمريكي.

وفي الواقع، لا تعد فكرة اعتبار الحاكم المستبد إلهاً بعيدة بالنظر إلى السلفيين المسالمين، والمداخلة، الذين يعملون جنباً إلى جنب مع روسيا والإمارات في ليبيا؛ إذ يخضعون خضوعاً أعمى لأي سلطة سياسية، ويعتبرون الثورة والتمرد من الأمور غير الجائزة.

وفي صميم التآزر الفكري بين موسكو وأبوظبي توجد رغبة في العودة إلى نظام الحكم الذي كان قائماً قبل الثورات في العالم العربي، حيث يحدد النظام السلطوي القائم على المحسوبية و”الدولة العميقة” مصير الكثيرين ممن لا صوت لهم، وحيث يقتصر الخطاب المجتمعي المدني على جدران المنزل الأربعة، وحيث يتكشف أي شكل من أشكال التعبئة العامة بنسبة يحددها النظام الحاكم، وليس الشعب. 

وتخدير الشعب هو محاولة لإحلال الفكر “التعديلي” محل رغبات التحول لليبراليين والإسلاميين على حد سواء.

وبعد مرور عشر سنوات على استيقاظ الشعوب في العالم العربي، شهد معظمها في ليبيا ومصر واليمن وسوريا القضاء على إنجازاتها، وليس هذا فحسب، وإنما تراجعت العدالة الاجتماعية، وتراجعت معها التعددية والحريات المدنية. 

وفي شرق ليبيا، أقام بوتين ومحمد بن زايد دولة بوليسية عسكرية حول خليفة حفتر. وفي مصر تدعم الإمارات وروسيا السيسي، الحاكم المستبد الذي يتجاهل حقوق الإنسان، وتعتبرانه مرساة للاستقرار بعد سنوات من الغموض الثوري. 

وفي اليمن، تعمل أبوظبي بشكل منهجي على بناء المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي هو عبارة عن مجموعة من الانفصاليين الذين يديرون معسكرات تعذيب لصالح الإمارات، ويحاولون انتزاع السلطة من الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة، بدعم من روسيا، التي أقامت علاقات مع المجلس الانتقالي الجنوبي مؤخراً. 

وفي الأشهر الأخيرة، مدت الإمارات يدها إلى الرئيس السوري بشار الأسد، أقدم زبائن روسيا المتبقين في المنطقة.

وفي تمهيدها لطريق التطبيع، تعتبر أبوظبي الأسد شريكاً في مكافحة “الإرهاب” والإسلاموية، ويرتب بوتين لأن يصبح الموالون للنظام السوري مقاتلين مرتزقة، يدعمون العمليات الإماراتية في ليبيا.

إن ما يجري تشكيله على بقايا الإرث الأمريكي في المنطقة هو شراكة فكرية بين دولتين يديرهما حاكمان مستبدان، لا تجمعهما مصالح مشتركة فحسب، وإنما الأهم قيم وأيديولوجيات مشتركة تتعارض مع تلك التي روجت لها الولايات المتحدة لعقود. 

وترى أبوظبي أن هذه الشراكة مع موسكو قد تكون أكثر استدامة من علاقاتها مع واشنطن، حيث تكون الاختلافات الفكرية والشروط المعيارية مدمرة مثلها مثل القيادة بالتناوب.

وبذلك أصبحت الولايات المتحدة شريكاً إماراتياً غير موثوق به، ويمكن تغييره في أعقاب غزو العراق عام 2003.

إن الليبراليين المتعصبين أنفسهم في واشنطن، الذين يروجون لخطابات متعصبة عن عجز المنطقة عن اعتناق “الليبرالية”، هم من يستسلمون الآن للخطاب الإماراتي عن “الاستقرار الاستبدادي”، فيما يتظاهرون بالغضب حين تقدم روسيا يد العون لها. 

لقد كان من السذاجة دوماً أن تعتقد واشنطن أن تفويض الإمارات لتولي سياسة الشرق الأوسط، في أماكن مثل ليبيا أو اليمن، يعني أن أبوظبي المُفوَّضة ستتحمل عبء صراع يدعم القيم الأمريكية ويعادي خصوم أمريكا.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى