مقالات إضافية

هل يمكن أن يؤثر قانون الكراهية والعنصرية على حرية التعبير في الجزائر؟

بادية شكاط كاتبة في الفكر،السياسة وحقوق الإنسان

 

بادية شكاط

الإعلامية بادية شكاط 

رئيسة فرع إعلاميون حول العالم في الجزائر

عضو مؤسس فى المنظمة

يقول أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية،والكاتب الرئيسي لإعلان الإستقلال”توماس جفرسون”:“لاشئ إذن يتغير إلا حقوق الإنسان الموروثة واللامغتربة”

فإلى أي حد تغيرت حقوق الإنسان في الجزائر؟

بعد أن إنعتق الشعب الجزائري من كُوّة مراحل تشيب لها نواصي الولدان،وتخلّص من حقبة إستدمارية  فرنسية وحشية،ثم عشرية إرهابية دموية،فمرحلة فساد واستبداد بوتفليقية،وأسقط عرش طغاة جثموا على صدره أحقابًا بوزاراتهم ووِزرهم،وبحكمهم وتحكّمهم،أراد أن يصنع نافذة على جدران روحه،من خلالها يتنفس هواء الحرية،لكنه سرعان ماأدرك أنه،كما يمكنه أن يصنع التاريخ،يمكن للتاريخ بشكل ما أن يصنعه،فهو اليوم قد دخل مرحلة تاريخية جديدة،وعليه أن يخضع لسلطة،لها قوانينها التي ينبغي أن يلتزم بها،كقانون الكراهية والعنصرية،هذا القانون الذي في ظاهره يراه الشعب يناشز طريقة تعبيره المعهودة،وإن كان باطنه لايناقض غاياته المنشودة.

فهذا القانون يرفض جميع أشكال التعبير التي تنشر أو تشجع أو تبرّر التمييز،وذلك باستخدام الإزدراء، الإهانة،العداء،البغض،العنف ضد فرد أو مجموعة على أساس الجنس،العرق،اللون،النسب،الأصل القومي،الإثني،اللغة،الإنتماء الجغرافي،الإعاقة والحالة الصحية.

فهو قانون نثمنه،إذ هو إيجابي في جملته وتفصيله،غير أنّ أدوات استقباله لم تمتلكها بعد سيكولوجية الإنسان الجزائري ،ماتسبب في اعتقال الكثير من المدونين،وتوقيف الكثير من الإبداعات الفنية،ففي الوقت الذي شعر فيه الجزائري بأنه عبَر إلى مرحلة تاريخية جديدة بفضل حرية تعبيره،وفعله الإختياري،يصدر قانون يُكرهه على الحد من حرية تعبيره،وهذه معضلة حقيقية وعميقة،ينبغي على النظام في الجزائر تدارك أخطارها،ليس بإلغاء القانون الذي نوافقه،إنما بمحاولة وضع إجابة لهذه الإشكالات؟:

ماهي الميكانيزمات السيكولوجية للإنسان الجزائري،التي من خلالها  يمكنه التكيف مع هذه القوانين،والمتغيرات التي ستكون كثوابت وطنية؟

كيف يمكن تفادي أي خدوش في سيكولوجيته،والتي بشكل ما قد تولّد لديه نزعة تمردية؟

ألا يخشى النظام أن يكون تكيّف الشعب مع هذا القانون هو مجرد تخوّف،وهدوء يخفي خلفه براكين خامدة،قد تنفجر بأشكال مختلفة،فيتحول العنف من لفظي إلى تطرفي،ألا يتخوف النظام الجزائري من أن يحوّل الكبت في الشعب الجزائري من “رهبة اللحظة” إلى “إرهاب في أي لحظة”؟

ألا يتصور النظام الجزائري أنّ إعتقال أصحاب الرأي سواء المعارضين لهذا القانون أو غيره،سيقلب عليه الملايين،في الوقت الذي هو بحاجة إلى بناء جسر من الثقة بينه وبين الشعب،خاصة وأن هذا الشعب مازال يحفظ ذاكرة مكتظة بالتعسف والإستبداد،ولم تفارق خياله بعد صورة رئيس أراد البقاء الأبدي،ولو أباد كل من خالفه الرأي والرؤية؟

إنّ نفض عوالق تلك الذاكرة الكَدرة،تحتاج من السلطة الجزائرية إلى جهد في الإقناع،ليدرك الشعب أن مايشاهده ليس مجرد قناع،وأن هذا النظام ليس كغيره،يريد أن يضع على الأفواه كعب رِجله.

ففي الوقت الذي نثمّن  فيه أيضًا قرار أصحاب القرار في الجزائر عرض مسودة الدستور على الإعلام،ونراها خطوة مهمة في خط الديمقراطية،فإننا نراها خطوة يشوبها الكثير من التعثر،إذا لم يتم إطلاق سراح كل معتقلي الرأي من صحفيين ومدونين ونشطاء سياسيين،فما جدوى تسليم مسودة الدستور إلى يد مرتعشة،واجفة،أصحابها لايَتَمسّكون بما فيها،بقدر مايُمسِكون بها؟ ولايحسنون الرهان على خلاصهم،ناهيك بالرهان على إخلاصهم؟

إنّ العزلة التي يصنعها السجن،لاتتجاوز الحدود المكانية،فأصحاب الرأي بغض النظر عن خطأ رؤيتهم من صوابها،يقيمون حيث تقيم أفكارهم المقاومة،كما أن شعورهم بالعزلة لايطفئ جذوة رغبتهم الطبيعية في المشاركة الفاعلة في نهضة الجزائر،فهم إن لم يجدوا سبيلاً لتحقيق تلك الغاية،جعلوا لها سبيلا آخر بأشكال قد تكون أبعد عن الإصلاح،وأقرب إلى التدميرية.

فكما يقول عالم النفس والفيلسوف الإنساني الألماني الأمريكي إريك فروم:القوة تعني معنى من معنيين:“السيادة أو الفعالية” وهما أبعد ماتكونان عن التطابق،بل إن كل منهما طاردة للأخرى…فبقدر مايكون الفرد فعالاً أي قادرًا على تحقيق إمكاناته على أساس من الحرية،لايكون بحاجة إلى الهيمنة والشعور بالقوة،فالقوة بمعنى الهيمنة هي عكس الفعالية تمامًا”.

إنّ الشعب الجزائري بحاجة  إلى بناء نظام لاتَشعر فيه السلطة الحاكمة بالفوقية،إلا وهي تُشعر الشعب بحيّز من التفوّقية.

وإننا لانأمل إلا أن تعرج الجزائر إلى تلك السماوات من الحرية،ليقطف الشعب مايرجوه من ثمار طال انتظارها،فيظفر بالريادة ويمتلك السيادة.

 

بادية شكاط كاتبة في الفكر،السياسة وحقوق الإنسان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى