تقارير وملفات إضافية

نهاية العهد.. هل يجبر انهيار أسعار النفط السعودية على تقليص شراء السلاح؟

يتنبأ الخبراء بأن السعودية قد تُجبَر على التخلي عن التعاقدات الجديدة لشراء الأسلحة وتأجيل مشتريات الأسلحة بموجب العقود المبرمة بالفعل، بسبب أزمة مالية تحكم قبضتها على المملكة.

ويمكن للتأجيل المتوقع للصفقات الجديدة لشراء الأسلحة أن يحمل تداعيات سياسية طويلة الأجل للبلاد تحت حكم الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد والحاكم الفعلي للمملكة، الذي شن حرباً دموية ضد جارته اليمن، بحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية. 

وتواجه السعودية أزمة ميزانية غير مسبوقة بسبب انهيار أسواق النفط والاضطراب الاقتصادي المشهود عالمياً نتيجة جائحة كوفيد-19، التي قللت الطلب على النفط خلال المستقبل المنظور.

قال بروس ريدل، الباحث في مؤسسة بروكينغز بواشنطن الذي عمل لـ30 عاماً في وكالة الاستخبارات المركزية وعمل مستشاراً لقضايا الشرق الأوسط مع العديد من الإدارات التي توالت على البيت الأبيض: “ليس لدي شك، إنها نهاية عهد. انتهى العهد الذي يملك فيه الخليج كل هذه الأموال”.

أنفقت السعودية حوالي 62 مليار دولار على الأسلحة في العام الماضي، لتصبح خامس أكبر منفق على التسليح على مستوى العالم. بالرغم من أن الرقم كان أقل من نظيره في 2018، فلا يزال يمثل حوالي 8% من إجمالي الناتج المحلي السعودي، مما يعني أن نسبة إنفاق البلاد على الأسلحة كانت أكبر من نظيرتها في الولايات المتحدة (3.4% من إجمالي الناتج المحلي)، والصين (1.9%)، وروسيا (3.9%)، والهند (2.4%)، وذلك بحسب بحث أجراه معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.

على مدى عقود، عزز هذا الإنفاق من النفوذ السياسي للبلاد.

قال أندرو فاينستاين، خبير الفساد وتجارة السلاح العالمية: “إذا لم تكن السعودية أحد أكبر مشتري الأسلحة، فربما لم تكن لتستطيع الاعتماد على الدعم المطلق من القوى الغربية النافذة. إذ إن إحدى نتائج شراء الأسلحة أنك تشتري العلاقات”.

ففي الولايات المتحدة، أشار دونالد ترامب في الماضي إلى مقترحات مشتريات الأسلحة للسعودية –والتقديرات المتضخمة بشأن تأثيرها على الوظائف في الولايات المتحدة– وبرر بها الاستجابة المتساهلة من جانب إدارته تجاه اغتيال الصحفي السعودي في صحيفة The Washington Post، جمال خاشقجي.

تبيع بريطانيا أسلحة إلى السعودية أكثر من أي دولة أخرى -بقيمة تتجاوز 4.7 مليار جنيه إسترليني (5.73 مليار دولار) منذ بدء المملكة حملتها لقصف اليمن في مارس/آذار 2015- وقد واجه بوريس جونسون انتقادات للسماح باستمرار مبيعات الأسلحة بالرغم من الشواغل التي تنتاب المملكة المتحدة بأنها تخاطر بانتهاك القانون الإنساني الدولي، من خلال مساعدة الحملة السعودية.

لكن ريدل وآخرين يعتقدون أن الحكومة السعودية لن يكون لديها خيار سوى تأجيل الإنفاق العسكري، وفي بعض الحالات سيكون ذلك بشكل دائم.

قال أندرو سميث، من منظمة  Campaign Against Arms Trade، وهي منظمة حملات تنادي بمنع تجارة الأسلحة الدولية: “أتوقع أنهم على المدى القصير سوف يؤجلون التزاماتهم تجاه بعض صفقات الشراء الأكبر، مثل مجموعة من الطائرات المقاتلة، على سبيل المثال، التي كانت بريطانيا تتفاوض عليها منذ مدة”.

وقال جيرالد فايرستين، وهو خبير آخر وسفير أمريكي سابق لدى اليمن، إنه سيكون من السهل على السعوديين تأجيل أو إلغاء عقود الأسلحة الجديدة، لكن الحكومة السعودية يمكن أن تُبقي على الأرجح على عقود الصيانة للحفاظ على عمل قوتها الحالية. وأوضح فايرستين أن السعودية سعت في الماضي لإعادة المفاوضات حول جداول سداد أموال الأسلحة، وتمديد الإطار الزمني للسداد على مدد زمنية طويلة.

وأضاف: “هل تتذكرون عندما جاء محمد بن سلمان إلى البيت الأبيض ورفع ترامب اللوحة المصورة التي كُتب عليها مبيعات بـ 100 مليار دولار، كانت تلك كلها تطلعات على أي حال. فلم تتحقق غالبية هذه الأشياء، ولم تُوقَّع قط، بل كان مجرد  نوع من الحديث غير المدروس”.

ليس لدى بن سلمان الأزمة المالية فقط كي يقلق بشأنها. ففي الولايات المتحدة، يواجه احتمالية تحقيق جو بايدن، المرشح الديمقراطي المحتمل للانتخابات الرئاسية، الفوز في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني. قال بايدن بالفعل إنه سوف يقيد مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى السعودية ووصف القيادة الحالية بـ “المنبوذة”.

قالت كريستين فونتينروز، التي شغلت منصب المدير الأقدم لشؤون الخليج في مجلس الأمن القومي بإدارة ترامب: “لا أعتقد أن [الأزمة المالية] ستؤثر على كل إنفاقهم”. 

وأشارت فونتينروز إلى أنه بدلاً من الإعلان عن خفض الإنفاق، يمكن أن ينتظر السعوديون نتائج انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني، وفوز الديمقراطيين -إذا فاز بايدن- مما يجبرهم على خفض الإنفاق، ويمكن حينئذ أن “يتظاهروا بأنهم يقبلونه على مضض”.

وأضافت: “يمكن أن تكون تلك طريقة لهم للهروب من التداعيات السياسية، والحفاظ على بعض نفوذهم مع القطاع الخاص”.

وفي غضون ذلك، قال ريدل إنه من بين الشركات التي ستتأثر بشدة، تأتي شركة بي إيه إي سيستمز في بريطانيا، في ظل موقف الشركة من السعودية.

وأضاف: “سوف تتضرر “بي إيه إي” بشدة. يوجد آلاف من موظفي “بي إيه إي” تدور وظائفهم حول دعم القوات الجوية السعودية بطريقة أو بأخرى. سوف يُقال لهم عاجلاً أو آجلا: “لا يمكننا دفع رواتبكم بعد الآن””.

في بيان للشركة، رفض متحدث باسم “بي إيه إي سيستمز” التعليق على ما إذا كانت السعودية ستقلل مبيعات الأسلحة، لكنه قال إن الشركة، التي تبلغ نسبة مبيعاتها للمملكة 13% من مبيعات المجموعة، سوف تواصل تقديم “الدعم والتدريب” إلى السعودية حتى 2022.

قال ريدل إن السعودية تحتاج أن تبقى أسعار النفط عند حوالي 85 دولاراً للبرميل كي تستطيع ضبط ميزانيتها. وبدلاً من هذا، كانت المملكة تستنزف من احتياطياتها، التي تضاءلت من 750 مليار دولار إلى 500 مليار دولار على مدى السنوات الخمس الماضية. 

بحسب المعلن، تبدو السعودية في فورة إنفاق، حتى في ظل رفع الضريبة غير المسبوق وإدخال تخفيضات على الميزانية.

من المقرر لصندوق الثروة السيادي السعودي، الذي يسيطر عليه بن سلمان، أن يحوز غالبية أسهم نادي نيوكاسل الإنجليزي لكرة القدم، إضافة إلى أنه اشترى بمئات الملايين من الدولارات أسهماً في شركة كرنفال كروز للرحلات البحرية وشركة لايف نيشن إنترتينمنت، أكبر منظم حفلات وفعاليات في العالم.

غير أنه لا يتفق جميع المحللين على أن السعودية سوف تكبح جماح الإنفاق، فقد قال كريستيان أولريكسن، زميل أبحاث الشرق الأوسط في معهد بيكر للسياسة العامة، إنه يعتقد أن السعوديين ربما يسعون لمضاعفة الرهان على الاستثمار في الدفاع، بالرغم من الضغوط الاقتصادية، وسط شكوك حول التزام الولايات المتحدة تجاه أمن السعودية. 

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى