تقارير وملفات إضافية

هل أصبح العيش بالمريخ أقرب للتحقق، ولماذا قد ينتهي بديكتاتورية فضائية كبيرة؟

سباق نحو المريخ يلوح في الأفق، وأصبح بعض العلماء يتحدثون عن إمكانية تحقق فكرة استيطان الكوكب الأحمر.

ومن المنتظر أن تطلق وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) يوم غد، الخميس 30 يوليو/تموز، بعثة أخرى إلى كوكب المريخ. 

وتعتزم وكالة استكشاف الفضاء الأمريكية إرسال مركبة جوَّالة جديدة –آلة بحجم سيارة، تسير على ست عجلات، تبلغ قيمتها 2.7 مليار دولار، وتُسمَّى “Perseverance” (بيرسيفيرانس)- لمواصلة الطواف فوق صخور وفوهات الكوكب الأحمر، مُتفحِّصةً أسس ما يُعتَقَد أنَّها كانت دلتا نهر وبحيرة عميقة قبل مليارات السنين بحثاً عن أدلة ميكروبية متحجِّرة على وجود حياة على سطح المريخ.

وفي وقتٍ تعاني فيه الولايات المتحدة لمواجهة جائحة فيروسية في البلاد، قد تُقدِّم قدرتها الرائدة على استكشاف النظام الشمسي دفعة لهيبتها الوطنية المتضررة من الجائحة، حسب وصف صحيفة The Washington Post الأمريكية.

لكنَّها ستكون أيضاً ثاني مهمة شبيهة إلى المريخ في غضون أسبوع. إذ أطلقت الصين يوم الخميس الماضي، 23 يوليو/تموز، أولى محاولاتها للهبوط على سطح الكوكب، وأطلقت المسبار (Tianwen-1) “تيانوين-1” من موقع على جزيرة هاينان جنوبي البلاد. وتتضمَّن البعثة مركبة مدارية ستلتقط صوراً وقياسات أثناء دورانها حول الكوكب، ومركبة جوّالة مخصصة لسطح المريخ.

جاءت عملية الإطلاق الصينية بعد أربعة أيام من أكبر عملية إطلاق لدولة الإمارات العربية المتحدة تتجاوز مدار الأرض، وهو مسبار الأمل الذي أُطلِق من منشأة في اليابان، ومن المقرر أن يدخل مدار المريخ في حدود فبراير/شباط 2021، في وقت احتفال الدولة العربية بالذكرى الخمسين لتأسيس البلاد.

وأشارت وكالة أسوشيتد برس الأمريكية إلى أنَّ “مسبار الأمل، الذي يبلغ حجمه حجم سيارة صغيرة، يحمل ثلاث أدوات لدراسة الغلاف الجوي العلوي ومراقبة تغيُّر المناخ أثناء دورانه حول الكوكب الأحمر لعامين على الأقل. 

ومن المقرر أن يتابع مهمة مركبة Maven (مافن) الجوّالة التي أرسلتها ناسا إلى المريخ عام 2014 لدراسة كيف تحوَّل الكوكب من عالم دافئ رطب ربما آوى حياة ميكروبية خلال سنواته المليار الأولى، إلى مكان بارد قاحل كما هو اليوم”.

ومع أنَّ هذه البعثات –خصوصاً الإماراتية والصينية- تُمثِّل أحداثاً وطنية كبرى، يُشكِّك بعض الخبراء في أنَّ هناك “سباقاً فضائياً” يلوح في الأفق. 

إذ قال جون لوغسدون، الأستاذ الفخري بمعهد سياسة الفضاء التابع لجامعة جورج واشنطن الأمريكية، لشبكة ABC News الأمريكية: “العالم يستفيد من البعثات (الفضائية) المتعددة. نريد أن نتعرف على المريخ، وكلما زادت البعثات التي تهدف للتعرُّف على المريخ، كان ذلك أفضل”.

ويوفر المريخ مرآة مغرية لمَن هم على الأرض، باعتباره عالماً قريباً ربما تحوي جيولوجيته أسراراً عن عالمنا. قالت الخبيرة في جيولوجيا الكواكب بمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، وهي أيضاً جزء من الفريق العلمي لمركبة بيرسيفيرانس، بيثاني إلمان، لزملائي: “نعرف من الاستثمارات التي قمنا بها في عمليات الاستكشاف أنَّه كان هناك عالم قابل للحياة بجوارنا تماماً. ففي نفس الوقت الذي كانت الأرض تُطوِّر حياتها، كان المريخ أيضاً قابلاً للحياة وبه بحيرات وأنهار”.

لكن ليس الماضي السحيق وحده هو ما يُحفِّز العلماء والباحثين. فيقول أويانغ زيوان، كبير العلماء في المشروع القمري الصيني، لوسائل الإعلام الصينية الأسبوع الماضي: “لطالما كان يأمل العلماء في إيجاد جسم سماوي آخر في النظام الشمسي وتحويله إلى أرض ثانية، وهو ما من شأنه أن يسمح للبشرية بالهجرة إلى هناك بأعداد ضخمة. وفي الوقت الراهن، الاحتمال الوحيد هو المريخ”.

أصبحت فكرة استعمار المريخ (والقمر)، التي كان خيالية في السابق، هدفاً محسوساً بفضل موجة استثمارات من مليارديرات في الولايات المتحدة أمثال مؤسس شركة Tesla، إيلون ماسك، الذي أيَّد فكرة إقامة مستعمرات بشرية على المريخ. بل وطرح ماسك العام الماضي فكرة تنفيذ تفجيرات نووية على الكوكب من أجل رفع درجة حرارته.

قد يبقى التوسع البشري في الفضاء في إطار نظرية التكهُّن والخيال العبثي. لكنَّ أولئك الذين يخططون له مدفوعون بإحساس بوجود خطر وجودي محدق بالأرض، الكوكب الذي يواجه تغيُّراً مناخياً قد يدخلنا عصراً مناخياً جديداً، وانفجاراً سكانياً، واستنزافاً مطرداً لموارده.

ويشعر الفلاسفة السياسيون بالحيرة بالفعل بشأن نوع المجتمع الإنساني الذي قد يظهر في الفضاء، متى ما تحقَّقت هذه الفكرة. فكتب آدم فرانك، عالِم الفيزياء الفلكية بجامعة روتشستر الأمريكية: “حركات التحرر المريخية هي عنصر أساسي في الخيال العلمي. فأولاً، يبني أناس من الأرض مستوطنات صغيرة على المريخ. ثُمَّ بعد قرن أو ما شابه، تنمو المستوطنات لتصبح حضارات تنبض بالحياة على امتداد الكوكب. وفي النهاية، يقاتل هؤلاء (المريخيون) الجدد للتخلص من نير طغيان الأرض… ربما نكون أكثر حرية في الفضاء”.

لكنَّ فرانك وغيره من النقاد يخشون من أنَّ أوليغارشية التكنولوجيا الذين يدفعون لتوسيع حدود الفضاء ليسوا مهتمين بمثل هذه المقاربة التحررية المستقبلية بقدر اهتمامهم بمشروعاتهم الخيلاء. فكتبت مجلة Jacobian الأمريكية اليسارية في وقتٍ سابق من هذه السنة: “مستعمرات ماسك المريخية ليست إلا فتحة هروب للأثرياء، هم ليسوا خلاصنا”.

وكتب أستاذ العلوم السياسية دانيال ديودني: “إنَّ التوسع في الفضاء بعيد كل البعد عن كونه صورة لضمان الحرية، وسيكون على الأرجح نتاجاً لكمال الاستبداد والخضوع التام من جانب الفرد للجماعة. على أولئك الذين يُقدِّرون الحرية الفردية أن يكونوا متشككين ومعارضين أقوياء للتوسع في الفضاء، وليسوا داعمين متحمسين له”.

وبدوره تبنّى الفيلسوف المهتم بالتغيُّر المناخي بيرون ويليستون وجهة نظر مختلفة، وكتب: “بدل القلق من أن يبتلعنا نجمٌ ميت في مستقبل بعيد للغاية، ربما ينبغي أن نُكرِّس قدراً مكافئاً من الطاقة الفكرية والسياسية لتجنُّب كارثة مناخية على هذا الكوكب في غضون عقدٍ أو عقدين”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى