ثقافة وادب

عملية أسد البحر الألمانية.. قصة الخطة التي كانت ستقلب نتيجة الحرب العالمية وتغير تاريخ العالم

في الحرب العالمية الثانية كان ثمّة عمليةٌ ضخمة وضعها هتلر وسمّاها عملية أسد البحر، وكان هدف تلك العملية هو غزو بريطانيا واحتلالها. ولنفهم أهميّة هذا الغزو علينا أن نعود لأجواء تلك الحرب العالمية العنيفة التي نشبت طيلة 4 سنوات وراح ضحيتها الملايين.

كانت فرنسا وبريطانيا أكبر إمبراطوريتين أوروبيتين في تلك الفترة، إضافةً إلى أمريكا، إضافةً أيضاً إلى الاتحاد السوفييتي واليابان في آسيا.

ومع صعود هتلر وتزايد قوته العسكرية المرعبة، أراد أن يقضي على الجميع في قارة أوروبا وآسيا. كانت فرنسا وبريطانيا عدوتيه اللدودتين، على عكس علاقاته بالاتحاد السوفييتي، التي اتسمت بالحذر أكثر منها بالعداء، حتّى خلال الشهور الأولى من الحرب العالمية الثانية.

ومع انطلاقة هتلر للسيطرة على أوروبا، كانت فرنسا من أوائل الدول التي غزاها، إذ تمتلك ألمانيا حدوداً برية طويلة مع فرنسا. بينما كانت بريطانيا بعيدةً عنه، إذ إنّ بريطانيا جزيرة متصلة بقارة أوروبا، ما يعني صعوبة غزوها بحرياً. إضافةً إلى أنّها كانت في ذلك الوقت الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فوجودها في الهند أكسبها قوةً استثنائيةً في الوضع العالمي. وقد كانت بريطانيا أيضاً أحد الأسباب الرئيسية لهزيمة هتلر. ومن هنا اكتسبت تلك العملية التي خطط لها هتلر بغزو بريطانيا أهميتها.

كانت عملية أسد البحر الاسم الرمزي لخطّة ألمانيا النازية لغزو بريطانيا. وكان من المفترض إطلاقها في سبتمبر/أيلول 1940، ولو نجحت، لتمّت لهتلر الهيمنة على أوروبا الغربية. ففي الأشهر السابقة لتنفيذها، كان الجيش الألماني قد اجتاح بالفعل مساحاتٍ كبيرة من القارة. وفق ما ذكرت مجلة BBC History البريطانية.

فخلال عدّة أشهر كان قد سقط في يده غرب بولندا في خريف عام 1939، وكذلك هُزمت الدنمارك والنرويج بعد ستّة أشهر في ربيع عام 1940. ثم جاء دور بلجيكا وهولندا وشمال فرنسا في مايو/أيار ويونيو/حزيران من العام نفسه.

علاوة على ذلك، هُزمت القوات البريطانية أيضاً في البر الرئيسي، وأُجبروا في دانكِرك (شمال فرنسا) على التخلِّي عن معداتهم والانسحاب عبر القناة. ونظرياً، كان غزو بريطانيا الخطوة الأخيرة المنطقية، ليكلل هتلر عملياته بالسيطرة الكاملة على أوروبا الغربية.

كان لخطّة الغزو الألماني تلك ثلاثة جوانب: 

كانت الخطوة الأولى والأكثر أهمية هي تحييد القوّات الجوية الملكية البريطانية، فستكون محاولة الغزو عبر القنوات البحرية خطيرةً للغاية دون تحقيق سيادة جوية قبلها.

تفاخر قائد القوات الجوية الألمانية هيرمان غورينغ، بأنّ طائراته يمكنها تحطيم سلاح الجو البريطاني في غضون بضعة أسابيع فقط.

ولذلك، أُطلق في منتصف يوليو/تموز 1940 هجوم واسع على الطائرات والمطارات البريطانية، بهدف تدمير قدرة بريطانيا على الدفاع عن نفسها، وكانت هذه هي بداية المعركة الجوية التي عرفت باسم معركة بريطانيا.

كان الشرط الثاني للغزو هو الهيمنة البحرية. وبالنسبة للألمان، بدا هذا تحدياً أكثر صعوبة. فموقع بريطانيا الجغرافي باعتبارها جزيرة جعلها تُطوّر أدواتها من خلال مساحتها الوحيدة للتواصل مع العالم؛ البحر.

وبالرغم من امتلاك القوات البحرية الألمانية عشراتٍ من غواصات U-boot تحت تصرفها، فقد كانت معظم سفنها الكبيرة قد غرقت بالفعل، أو تعرَّضت للتَّلف أو التآكل خلال حملة النرويج في وقتٍ سابق من نفس العام.

على النقيض من ذلك، كانت بريطانيا تمتلك أكبر قوّات بحرية في العالم، ومن المُرجَّح أن تدمر أي قوة غازية حتى قبل أن تتاح لها فرصة الرسوّ على أراضي بريطانيا.

ولذلك، خطط الأدميرال الكبير إريك رايدر، رئيس القوات البحرية، لإلهاء البحرية البريطانيّة بهجومٍ مخادع في بحر الشمال. وبعد ذلك، ومن خلال نصب حقول ألغام واسعة في القناة، كان يأمل في التمكن من حماية القوات الألمانية لفترة كافية لإتمام الغزو.

كان الجزء الأخير من الخطة هو الغزو نفسه، ولكن لم يكن لدى الألمان سفينة إنزالٍ متخصصة من النوع الذي استخدمه الحلفاء في إنزال النورماندي بعد ذلك بأربع سنوات، لذلك جمَّعوا المئات من المراكب النهرية بدلاً من ذلك، وخطَّطوا لسحبها عبر البحر بالقوارب.

كان من المفترض أن تتكوَّن الموجة الأولى النازلة إلى الشواطئ من جنود المشاة، الذين ستكون مهمَّتهم تأمين رؤوس الشاطئ.

ستأتي بعد ذلك الخيول والدبابات والمركبات الأخرى، إلى جانب الإمدادات الحيوية للمساعدة في الهجوم انطلاقاً من الشواطئ. وفي غضون ذلك، ستنزل القوات المحمولة جواً أيضاً خلف الخطوط البريطانية لمهاجمة المدافعين من الخلف.

ظهرت خلافات كبيرة بين مختلف القادة الألمان منذ البداية حول كيفية تنفيذ هذه المهمة الضخمة.

أراد الجنرال فرانز هالدر، رئيس الأركان العامة للجيش، التعامل مع الغزو كما لو أنه مجرّد عبور نهر، كان يتخيل هبوط 13 فرقة على طول 306 كم من الساحل.

فيما سخر الأدميرال رايدر -رئيس القوات البحرية- من هذه الفكرة، بحجة أن الطريقة الوحيدة للوصول عبر القناة بأمان هي تركيز قواتهم على جبهةٍ أضيق بكثير من تلك التي يقترحها هالدر. ورد هالدر بأن تركيز جميع رجاله على عددٍ قليل من الشواطئ، مثلما أراد رايدر، سيكون “انتحاراً كاملاً”.

في النهاية لم تكن هذه الجدالات ذات أهمية؛ لأن ألمانيا فشلت في تحقيق أيٍّ من متطلباتها الأساسية للغزو. وبالرغم من تفاخر غورينغ، فلم تنجح القوات الجوية الألمانية أبداً في تحقيق هيمنةٍ جوية في غضون أسابيع كما افترض.

وأمام قوة البحرية الملكية، بدا فوز ألمانيا بالهيمنة البحرية ولو لفترةٍ قصيرة وكأنه حلمٌ غبيّ. ففي 17 سبتمبر/أيلول 1940، مع ازدياد الضبابية حول الطقس في القناة الإنجليزية، قرَّر هتلر أخيراً تأجيل الغزو، إلى أجلٍ غير مسمَّى.

ولا يتضح لنا ما إذا كانت عملية أسد البحر خطةً جدية في أيِّ وقتٍ أم أنها كانت مجرد حيلة للضغط على البريطانيين للاستسلام.

فقد كان هدف هتلر النهائي دائماً هو غزو الاتحاد السوفييتي المليء بالمواد الخام. وفضَّل كثيراً فعل ذلك دون الحاجة إلى القلق بشأن محاربة بريطانيا في نفس الوقت، ولكن حينما اتضح أن البريطانيين لن يسعوا للاستسلام، صرف نظره عن خطط الغزو وركَّز على أهدافه الحقيقية في الشرق.

طرح الناس هذا السؤال منذ الحرب وحتى الآن، وقد تخيلها المخرجون والسينمائيون كثيراً. ولكن في الواقع، لم يكن من المحتمل على الإطلاق أن يتقدم أي غزو أبعد كثيراً من الشواطئ الإنجليزية ومحيطها المباشر.

وعندما غزا الحلفاء نورماندي عام 1944، سيطروا سيطرةً كاملة تقريباً على كلٍّ من الجو والبحر، ومع ذلك كافحوا للخروج من المَرَابط التي نصبوها قرب الشواطئ. وبعد الحرب، اعترف الأدميرال الألماني كارل دونيتز في مذكراته: “أنا شخصياً لم أكن أؤمن بنجاح هذا الغزو”، وأدّعى أن رايدر (قائد القوات البحرية) قد اتفق معه في رأيه.

وفي عام 1974، أقامت الأكاديمية العسكرية الملكية في ساندهيرست محاكاة لعملية أسد البحر، وتوصلت إلى نفس النتيجة: في حين أن القوات الألمانية ربما كانت لتكسب موطئ قدمٍ صغير على الساحل، لم تكن لتمرَّ فترةٌ طويلة في الغالب قبل أن تضطر للاستسلام.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى