ثقافة وادب

بائعا الجثث اللذان وشى أحدهما بالآخر لينجو.. تعرف على السفاحين بورك وهير

ربما كانت شهرة المجرم الغامض والقاتل الأسطوري «جاك السفاح» هي أكثر ما أثار خيال الناس ورعبهم من القتلة المتسلسلين بدايات القرن الـ20، ونُسجت حوله العديد من الأساطير التي لا تزال تتردد حتى يومنا هذا، ولكن ما لا يعرفه البعض أن هناك سلسلة من الجرائم البشعة سبقت جرائم جاك السفاح، وهي جرائم السفاحين بورك وهير. 

في بدايات القرن الـ19 شهدت مدينة أدنبرة باسكتلندا حوادث غامضة اختفت خلالها مجموعة الأشخاص من دون أي أثر، أو حتى من دون أن تظهر جثثهم بعد اختفائهم بفترات طويلة، ولكن بعد القبض على بورك وهير اتضحت الحقائق المرعبة، في تقريرنا نتعرف على قصة السفاحين اللذين كانا وراء تلك الحوادث.

السفاح الأول بين هذا الثنائي هو ويليام بورك، وُلد في بلدة غير بعيدة عن مدينة سترابن الأيرلندية في عام 1792. وكان أبوه يعمل مزارعاً بسيطاً في حقول الفواكه قرب ريف سترابن، لكن بورك المتمرد لم يرغب في اتباع خطوات الأب، فترك الزراعة واتجه للعمل خادماً في بيوت أحد الأثرياء في سن صغيرة.

بعدما استطاع توفير بعض المال من عمله -ومن الاحتيال على البعض أحياناً- اتجه للعمل في أحد أسواق المدينة من خلال التجارة بالملابس المستعملة وتزوج وانجب طفلين. لكن بدايات القرن الـ19 في أيرلندا لم تكن الأفضل اقتصادياً، فبدأت تجارته الكساد، فقرر الهجرة خارج وطنه بحثاً عن فرص أفضل.

ساقته رحلة الهجرة إلى الجارة اسكتلندا في عام 1817 تاركاً أسرته الصغيرة خلفه. وبعد بحث حثيث وجد فرصة جيدة للعمل مقاولاً في أحد مشاريع الدولة الكبرى، وبعدما رفضت زوجته اللحاق به هجرها، وتزوّج بورك بامرأة أخرى تدعى هيلين، وبعدها بفترة قصيرة قابل صديقه وشريك جرائمه.

بدايات ويليام هير لم تكن معروفة تماماً، حتى أغلب المصادر التي تناولت تاريخ الجرائم اكتفت بوصف ويليام هير القصير عن نفسه بأنه مهاجر أيرلندي آخر ارتحل إلى اسكتلندا في فترة النهضة البنائية، وعانى الفقر حتى وجد أرملة تدعى مارغريت، تملك فندقاً صغيراً فتزوجها لتحسين أحواله المعيشية بما أن العمل في البناء والمقاولات لم يكن كافياً للعيش آنذاك، وفي المشروع نفسه قابل هير بورك لأول مرة، وتوطدت علاقتهما إلى حد كبير.

وفي ذات مرة أثناء جلسة سمر طرح بورك على صديقه الجديد هير موضوعاً غريباً وغير معتاد، ألا وهو النقص الشديد في الجثث التي يدرس عليها علم التشريح!.

في بدايات القرن الـ19عانى الأطباء البريطانيون من نقص في عدد الجثث التي تخدم  دراسة علم التشريح. السبب في ذلك كان تغيّر بعض القوانين البريطانية التي منعت كليات الطب من ممارسة عمليات التشريح على جثث الموتى المجهولين أو ضحايا الحروب أو الجرائم وغير ذلك، وسمحت فقط بممارسة التشريح على جثث المجرمين الذين تنفذ بحقهم أحكام الإعدام.

وبسبب تراجع عدد عمليات الإعدام التي كانت تنفذ بحق المجرمين، حتى إن بعض المصادر ذكرت أن عدد المحكوم عليهم بالإعدام سنوياً كان يتراوح ما بين 50 إلى 60 شخصاً فقط، بينما احتياجات كليات الطب الناهضة آنذاك كانت تحتاج ما يقرب من 500 جثة سنوياً في اسكتلندا وحدها.

وبالطبع افتقرت وحدات التشريح  في كل أنحاء بريطانيا -إنجلترا وأيرلندا واسكتلندا وويلز- إلى الجثث المُعدة. هنا انتشرت الثرثرة بين بعض طبقات عامة الشعب بأن كليات الطب تطلب جثثاً من السوق السوداء. وبالفعل توجهت العديد من جامعات الطب البريطانية مثل جامعة أدنبرة نحو لصوص المقابر، الذين كانوا أشخاصاً يمتهنون فتح القبور وسرقة الجثث حديثة الدفن، بغية بيعها بأثمان باهظة إلى وحدات التشريح.

إذا عدنا لنقاش الصديقين الآن يمكننا أن ندرك بسهولة خطوتهما التالية، خاصة أن كلاهما يعاني مع وضع مادي سيئ، وكان قد انقضى وقت طويل ولم يصبح أحدهما ثرياً كما كانت التوقعات بعد الهجرة.

هنا صارح ويليام هير صديقه الجديد أنه استطاع التربح من وراء نقص الجثث، بأن باع جثة ضابط متقاعد فقير أقام في فندق زوجته، ولم يسدد دينه، وأخبره أن هناك طبيباً شهيراً يدعى  روبرت نوكس اشترى منه الجثة مقابل 7 جنيهات إسترلينية -وهو مبلغ ضخم آنذاك- وهو مستعد لشراء المزيد من الجثث، وعرض هير الأمر على ويليام بورك كان بمثابة فرصة لا تعوض للربح من وراء هذا النقص، ولكن المعضلة التالية كانت كيفية تدبير الجثث، وبالطبع وجد ويليام هير الإجابة: القتل.

وما بين نوفمبر/تشرين الثاني سنة 1827 وأكتوبر/تشرين الأول سنة 1828، عاشت مدينة أدنبرة باسكتلندا على أصداء مروّعة لعمليات اختفاء غامضة. خلال تلك الفترة وبمساعدة زوجتيهما أقدم الصديقان على استدراج نزلاء لفندق ويليام هير وزوجته، وكان ويليام بورك يقوم بتخديرهم وقتلهم خنقاً، دون ترك آثار تشوه الجثة بحسب الاتفاق مع الطبيب المشتري.

خلال تلك الفترة حامت الكثير من الشكوك حول نشاط هذين الرجلين ومصدر الجثث، خاصة بعد أن قدّم بعض الزبائن بفندق ويليام هار شهادة للشرطة حول النشاط الغامض في هذا الفندق، وحول مشاهدة أحد النزلاء لجثة بإحدى الغرف عندما انفتحت بمصادفة مروره أمامها.

في إثر هذه المعلومات بدأت الشرطة في  أدنبرة تحقيقاً، انتهى باعتقال المجرمين بعدما قتلا 17 ضحية ما بين رجال مسنين ونساء مشردات وفتيات ليل.

بعد القبض على السفاحَيْن واعتقالهما لم تكن هناك لدى الشرطة أدلة واضحة تدينهما بجرائم القتل، وهنا عرض المحامي الملكي على ويليام هير التعاون مع السلطات، وأن يروي تفاصيل كل الجرائم، في مقابل وعود بحمايته من العقوبة الجنائية. فوافق هير وزوجته على الصفقة، وشهدا ضد ويليام بورك، الذي أدانته المحكمة بالقتل، وحكم عليه بالإعدام، بينما فرّ ويليام هير وزوجته واختفى أي أثر لهما حتى اليوم.

وفي يناير/كانون الثاني سنة 1829 أعدم ويليام بورك علناً أمام أكثر من 25 ألفاً من أهالي أدنبرة. وإمعاناً في عقابه على جرائمه، أمرت السلطات بنقل ملكية الجثة إلى كلية الطب الملكي في أدنبرة لتشريحها علناً، حيث حضرت جموع لمشاهدة هذه «العدالة السوداء»، وخلال عملية التشريح وضع الطبيب المُحاضر الشهير «ألكسندر مونرو» ريشته في دم ويليام بورك، وكتب أول سطر في أوراقه: “كُتبت هذه العبارة بدم ويليام بورك، الذي شُنق بأدنبرة، ومصدر الدم هو رأسه”.

يجدر بالذكر أن الهيكل العظمي لجثة ويليام بورك لا يزال قابعاً حتى اليوم داخل أروقة متحف الطب بجامعة أدنبرة، كما أضافت هذه الواقعة إلى قاموس اللغة الإنجليزية «البريطانية» مصطلح burking والذي اشتق من اسم المجرم ويليام بورك، ويقصد بهذا المصطلح الجديد القتل خنقاً بهدف بيع الجثة لأغراض طبية.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى