انبثقت فكرة اللجنة الرباعية بعد ان تم وضع معاهدة الصلح عام 1947 ميلادي التي ابرمتها الدول المنتصرة فى الحرب العالمية الثانية ( الحلفاء ) وايطاليا التي كانت من ضمن دول (المحور) التي هزمت فى الحرب الاخيرة وفى ظل عدم وجود قرار يحدد وضع المستعمرات الايطالية مع وجود رغبة ايطالية بالاحتفاظ بمستعمراتها بمحاولة الحكومة الجديدة التي يقودها برونومى بطرح تقول فيه انها تتنازل على جميع مستعمراتها التي احتلتها منذ تولى موسلينى السلطة و تحميل موسلينى مسؤولية اشتراكها فى الحرب والتحالف مع دول المحور عام 1943وينتج عن هذا الاقتراح امكانية بقاء ليبيا تحت الاحتلال الإيطالي لان احتلالها عام 1911 أي قبل العهد الفاشي ووصول موسلينى للسلطة فى ايطاليا وبهذا المقترح يمكن ان يتحقق امل ايطاليا فى اعادة مستعمرة ايطاليا والشاطئ الجنوبي لها كما تحب ان تصفه فى شمال افريقيا اليها.
وفى نفس هذه الاثناءكان على الليبيين الذين يحلمون بالاستقلال والوحدة ان انتظروا قرار يتعلق بقضيتهم الجوهريةوهى الاستقلال والوحدة و بوعد بريطاني للأمير ادريس بعدم السماح بعودة الاستعمار الإيطالي الى اقليم برقة نتج عنه تواصل ومشاركة سياسية وعسكرية مع الحلفاء عن طريق تواصل الانجليز مع الامير ادريس السنوسي زعيم اقليم برقة وتأسيس الجيش السنوسي المكون من الليبيين المهاجرين فى مصر مع بعض الاسرى من الليبيين الذين اسرتهم بريطانيا وهم يقاتلون مع القوات الايطالية فى هجومها على مصر وهذا الجيش شارك ببسالة فى اخراج ايطاليا وحلفائها من برقة كما تواصلت فرنسا مع السيد احمد سيف النصر احد زعماء فزان عن طريق الامير ادريس الذى ارسل له رسالة يحثه على تكوين نواة الجيش الليبي الثانية من ابناء المهاجرين الليبيين فى تشاد والنيجر والانضمام الى الجيش الفرنسي و توجه الى فزان لطرد القوات الايطالية من الاقليم وهذا العمل لا يمكن الاستهانة به وإغفاله من المعادلة السياسية ولا يمكن ان يحذف من ذاكرة التاريخ عامة والبلاد الليبية خاصة ونتيجة للخلافات بين هذه الدول المنتصرة فى الحرب التي لم تتفق على تصور مبدئي او قرار موحد فى تحديد وضعية ممتلكات الحكومة الايطالية وذلك لتضارب المصالح كما كان لموقف دول امريكا اللاتينية والاتحاد السوفيتي وجامعة الدول العربية المتمثل فى موقف امين الجامعة عبدالرحمن عزام الذى يتبنى موقف مصر خاصة من المسألة الليبية .،
تشكلت اللجنة الرباعية بقرار من وكلاء خارجية الدول المنتصرة فى الحرب العالمية الثانية الحلفاء الاربعة ( فرنسا وبريطانيا وامريكا والاتحاد السوفيتي ) وضمت فى عضويتها اربع مندوبين مندوب عن كل دولة , الغرض من تشكيل هذه اللجنة هو معرفة رأى سكان الاقاليم الثلاثة ( طرابلس ، برقة ، فزان ) حول بقائها تحت وصاية دول الحلفاء أو الاستقلال ، وبعد ان وضعت الحرب اوزارها وجلست الدول المنتصر تضع بصماتها على خارطة العالم الجديد بصفة عامة ومستعمرات الدولة المنهزمة -ايطاليا- بصورة خاصة. فشكلت اللجان للتدارس والتباحث فى هذا الملف (ولما تم وضع معاهدة الصلح الايطالية موضع التنفيذ ( 15 سبتمبر 1947م) اخذ وكلاء وزراء الخارجية على عاتقهم امر تنفيذ الشروط المتعلقة بالمستعمرات الايطالية وكان عمل الوكلاء الذى بدأ فى 3 اكتوبر 1947م قد شمل ارسال لجنة تحقيق الى المستعمرات الايطالية والتشاور مع الحكومات الاخرى ذات المصالح واعداد توصيات لمجلس وزراء الخارجية تمهيداً لاتخاذ قرار نهائي بخصوص التصرف بالمستعمرات الايطالية )1 وكانت المادة 23 من اتفاقية الصلح مع ايطالياوفى الفقرة رقم 1 من نص المادة تنص على ان تتخلى ايطاليا عن جميع حقوقها وملكيتها للأراضي التي كانت تملكها فى افريقيا أي ليبيا وارتريا والصومال الإيطالي وكذلك تصريح الدول الاربع الذى ضم الى على انه الملحق لمعاهدة الصلح الفقرة 4 يستمر وكلاء وزارة الخارجية فى بحث حل مشكلة المستعمرات الايطالية السابقة فى سبيل تقديم توصيات الى مجلس الوزراء الخارجية حول المشكلة ويبعث هؤلاء الوكلاء لجان تحقيق الى أي بلدان من المستعمرات الايطالية السابقة تكون الغاية منها تزويد وكلاء وزراء الخارجية بالمعلومات اللازمة لهذه القضية وللتوثق من وجهات نظر السكان المحليين ونقل رغباتهم وتطلعاتهم فى تقرير مصير بلادهم .
وقد صدرت الى هذه اللجنة تعليمات صريحة ودقيقة وواضحة تحدد عملها والمهام المناطة بها بصورة واضحة ومحددة بدقة ولا تتعدى اللجنة الدور الذى وجدت لا جله وهو نقل تطلعات الشعب الليبي فى الاقاليم الثلاثة من ليبيا دون ان يكون لها رأى او أي موقف تجاه المسالة وترك الشعب هو الذى يعبر عن آرائه وتطلعاته دون أي تأثير ( وصدرت لها التعليمات بأن تقصر تقريرها على ذكر الحقائق وان تمتنع عن تقديم اية توصيات تتعلق بحل مشكلة البلاد حلاً نهائياً )2 وفى هذه التعليمات الواضحة الصريحة تحييد للجنة عن التدخل بأي صورة كانت فى اعطاء أي انطباع او تصور بل يكون عملها هو تقصى الحقائق ونقل رغبات وتطلعات السكان المحليين التي تشاهدها وتراها دون ان يكون لها رأى او موقف مسبق .وبعد وصول اللجنة الى طرابلس والتقائها مع الاعيان والاحزاب والجمعيات وانهاء عملها فى الاقليمقد غادرت اللجنة اقليم طرابلس فى 16 ابريل 1948 م متجه نحو فزان – محور موضوعنا الذى نتناوله – وإن لم يحدد تاريخ الوصول إلا ان اللجنة كانت باشرت فى التجوال فى جميع متصرفات وقرى ومدن فزان وكان اخر اجتماع لها فى قرية ( زوية ) بوادي الشاطئ يوم الجمعة 26 ابريل 1948م الذى ترأسه مندوب روسيا فى اللجنة الرباعية ( موضحا مهمة اللجنة المتمثلة فى معرفة رأى السكان حول مستقبل اقليمهم وهل يريدون الاستقلال ام البقاء تحت وصاية الفرنسية ؟ وتجدر الاشارة الى ان قد سبق لسكان اقليم فزان ان نجحوا فى انشاء جمعية سرية بعد دخول القوات الفرنسية الاقليم ومحاولة الدولة الغازية قطع العلاقة التاريخية ما بين فزان وباقي اقاليم الوطن (برقة وطرابلس ) بهدف ضم اجزاء من الاقليم الى تونس – غدامس -وبعض الاجزاء الى الجزائر -غات – او انشاء دويلة لها منفذ على شاطئ البحر المتوسط بعد ضم مدينة سرت المطلة على البحر وجندت لذلك العديد من المستشرقين الفرنسيين الذين يجيدون العربية ، جلبتهم من تونس ومن الجزائر، حملت هذه الجمعية على عاتقها توعية المواطنين الليبيينبأهداف واطماع فرنسا وفضح مشروعها الاستعماريالذى يمكن لها البقاء فى فزان وفصله عن بقية اجزائه التي ينتمى اليها ولا يمكن تصور وجدوها بدون فزان ولاوجود لفزان الا اذا اتصلت الاطراف بباقي الجسد )نشأت جمعية فزانية سرية فى سنة 1946م وانتخب الشيخ عبدالرحمن بن محمد البركوليرئيساً للجمعيةومحمد بن عثمان الصيدنائباً للرئيس .
وبدأ بن عثمان وقد برهن على انه واحد من انشط خصوم فرنسة ، بتنظيم علاقات سرية مع الزعماء الطرابلسيين وامير برقة ادريس ) 3 ونشط اعضاء الجمعية فى التواصل مع الزعماء فى طرابلس وبرقة لتوحيد الآراء والتوافق على الاهداف والمطالب العامة للشعب الليبي واتفقوا على الاسس الرئيسة التي يجب ان تزرع الوعى العام لدى السكان فى الجنوب الليبي خاصة ولخلق رأى عام موحد يطالب و ينادى به السكان وهى الاستقلال والوحدة لكل التراب الليبي ورفض الاحتلال او الانتداب أو الوصاية الامر الذى دفعهم الى العمل على ضرورة التقدم الى اللجنة الرباعية بمطالب محددة ومركزة على طلب (الاستقلال ووحدة ليبيا تحت قيادة (الملك ) الامير ادريس السنوسي وانضمامها للجامعة العربية )4ولم تصل اللجنة الرباعية الى فزانالا والجمعية قد حققت هدفها الذى قامت لأجله وهو قطع الطريق بخلق وعى كبير بين ابناء الجنوب بخطورة المخطط الفرنسي على الجنوب وخلق قناعة تامة ان الخير للجنوب هو الاستقلالفى اطار وحدة الامة الليبية وتحت رعاية الامارة السنوسيةورفض مشروع فرنسا الاستعماريالذى يهدف الى فصل الجنوب عن باقي الوطن وتقسيمة والحاقه بالمستعمرات الفرنسة المجاورة او انشاء دويلة تابعة لفرنسا لها منفذ بحرى أو على اقل تقدير ان يبقى الجنوب تحت الاحتلال والوصاية الفرنسية واعتباره منطقة نفوذ فرنسية وصبغة بالصبغة الفرانكفونية وابعاده عن اصله الوطني وعمقه الديني والمعرفي والثقافي .
ومع وصول اللجنة الى فزان تجولت فى جميع المتصرفيات والقرى الكبيرة واين ما توجهت وجدت اعضاء الجمعية الوطنية مع حشود منسكان الاقليم تعبر عن الموقف الوطنيالذى تم الاتفاق باعتباره يمثل الرغبة الاساسية وهو الهدف الاسمى لسكان الاقليم رغم قيام السلطات العسكرية الفرنسية بالسعي الى ابعاد اعضاء اللجنة عن اماكن تواجد التجمعات الحاشدة فى المتصرفيات والقرى الرافضة للاحتلالوالمطالبة بالاستقلال ووحدة ليبيا تحت الامارة السنوسيةولكن بإصرار ممثلين الجمعية الوطنية (زارت اللجنة جميع انحاءالاقليم ) 5 وهذا اعطى صورة واضحة وجلية لا غبش فيها الى اعضاء اللجنة علىمطالب السكان فى الاستقلال والوحدةولا محيد عن هذه المطالب .