تقارير وملفات إضافية

هل تؤدي الخلافات حول ليبيا إلى انهيار التعايش بين الرئيس التونسي والغنوشي؟

أصبحت الخلافات بين الأحزاب التونسية حول الأزمة الليبية بمثابة محور الاستقطاب السياسي في البلاد، إلى درجة أن البعض بات يرى أنها تهدد تجربة الديمقراطية.

وليبيا هي أحدث ساحة يندلع فيها تنافس مرير بين تكتلين يقود أحدهما الإمارات والآخر تركيا، وهاهو هذا النزاع يؤثر على تونس، التي يُشَاد بها على أنها الديمقراطية الوحيدة التي انبثقت عن ثورات الربيع العربي، حسب موقع Al-Monitor الأمريكي.

فقد أدى تصاعد الحرب في ليبيا بين حكومة فائز السراج المعترف بها دولياً، وأمير الحرب المُحاصَر خليفة حفتر، إلى تعريض الائتلاف الحاكم الهش في البلاد للخطر.

وفي هذا الإطار، يلتقي الرئيس التونسي قيس سعيّد بنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه، الإثنين 22 يونيو/حزيران، وسيكون الصراع في ليبيا المجاورة على رأس جدول الأعمال، في وقت تعد باريس من أهم داعمي حفتر، إضافة إلى فرنسا والإمارات ومصر وروسيا.

وبالنظر إلى حساسية وضع تونس وحرص الرئيس التونسي على إبداء الحياد، فإن مناقشة الملف الليبي في قمة سعيّد وماكرون ستلقى اهتماماً خاصاً في تونس.

ويصف الجنرال السابق القاسي خليفة حفتر نفسه بأنه حداثي علماني، يسعى لإنقاذ البلاد من فكَّي السراج صديق الإخوان المسلمين، الذي تدعمه تركيا وقطر اللتان تشاركانه أيديولوجيات شبيهة.

ويدعم زعيم حزب النهضة (الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين بتونس) راشد الغنوشي وحلفاؤه في ائتلاف الكرامة، فائز السراج. في حين يدعم الحزب الدستوري الحر المعارض، الذي أسسته شخصيات متعاطفة مع الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، حفتر الذي لا يختلف في ديكتاتوريته عن بن علي.

وعلى الرغم من أنَّ الموقف الرسمي لتونس موقف حيادي حازم، يقول يوسف شريف، المحلل المقيم في تونس ورئيس مركز كولومبيا العالمي بتونس العاصمة: “إنَّ الجميع ينظر إلى تونس على أنها منصة للوصول إلى ليبيا”.

وصرَّح شريف، في حديث هاتفي مع موقع Al-Monitor الأمريكي: “عمّق الصراع في ليبيا الانقسام الذي كان قائماً بالفعل داخل تونس. ويضاف الانقسام حول ليبيا إلى خلافات موجودة في تونس، لكنها صيغت بلغة مختلفة لا يدفع فيها حزب النهضة بخطاب إسلامي، في حين يركز الحزب الدستوري الحر وحلفاؤه على قضايا السيادة بدلاً من الدولة العلمانية التي تحارب الإرهاب”. 

ويصر الرئيس التونسي على حياد بلاده تجاه الأزمة رغم تهديدات أنصار حفتر لتونس المتعددة خاصةً السلفيين المداخلة، والذين توعدوا بالسيطرة على تونس بعد ليبيا.

على الرغم من المواقف الرسمية التونسية التي لا تعلن العداء لأيٍّ من الأطراف المتنازعة، وعلى الرغم من حضور شخصيات وقنوات إعلامية موالية لحفتر في تونس، فإن هناك حالة عداء لافتة يكنّها حفتر وأنصاره للنموذج الديمقراطي التونسي.

حتى إن حفتر اعترف في حوار مع قناة “فرانس 24.، بُث في شهر يوليو/تموز 2017، بإطلاق سراح كثيرين من عناصر تنظيم داعش الإرهابي، وإجبارهم على الدخول إلى الأراضي التونسية.

ويرجع هذا العداء إلى أن حالة الوفاق التي نجحت القوى السياسية الكبرى في الوصول إليها بتونس، على الرغم من صراعاتها الأيديولوجية واختلافاتها السياسية، هي النقيض لنموذج حفتر الإقصائي.

يقول حفتر لليبيين إنه لا بديل للوضع الحالي الفوضوي في بلادكم إلا “حُكمي المستبد”.

ولكن النموذج التونسي يقدم بديلاً ثالثاً لليبيين عبر حل مشكلة الصراع الدموي الذي تعيشه بلادهم من خلال التعددية السياسية.

وهذه أيضاً مشكلة رعاة حفتر في المشرق العربي مع تونس، ومع المغرب العربي برمته، حيث توجد درجات متفاوتة من الأنظمة الديمقراطية أو شبه الديمقراطية تشهد تعايشاً بين الإسلاميين المعتدلين من جانب والقوى الليبرالية واليسارية والحكومات وأنصارها من أبناء الدولة العميقة من جانب آخر، وهو أمر مختلف تماماً عن الطرح الذي تقدمه السعودية والإمارات ومصر ومعهم سوريا.

ويؤيد فلول دولة بن علي، حفتر باعتباره أحد رموز الثورة المضادة في المنطقة، بينما يعتبر بعض اليساريين أن حفتر امتداد للتيار القومي العربي، علماً أن الرجل مموِّلته الرئيسية هي الإمارات، العراب العربي الأكبر لـ”صفقة القرن” التي ستضحي بالقضية الفلسطينية. 

كما أن الرجل بدأ حياته السياسة بالعمل مع المخابرات الأمريكية، فضلاً عن تبنّيه أيديولوجيا شوفينية ليبية.

وازداد التأزم في تونس المرتبط بالأزمة الليبية، عندما ترددت أنباء تفيد بأنَّ وزارة الدفاع الأمريكية ترسل مدربين عسكريين إلى تونس، رداً على وجود القوات الروسية في ليبيا.

وبدأت تثار تكهنات بأنَّ الولايات المتحدة كانت تخطط في الواقع لإنشاء قاعدة عسكرية هناك.

وسعى وزير الدفاع التونسي، عماد الحزقي، إلى وضع حد لتلك الشائعات وسط تصاعد الغضب الشعبي، الأسبوع الماضي. وقال الحزقي: “لن نسمح بوجود أية قوة أجنبية في بلادنا”.

من جانبه، يقول سيف الدين الطرابلسي، محلل يراقب عن كثبٍ الصراع الليبي، إنه ليس من المستغرب أن تنقسم تونس حول الأحداث التي تتكشف في جارتها الشرقية الكبيرة، مشيراً إلى أنَّ الأيديولوجيات ليس لها دور فيها. 

ويرى الطرابلسي أنَّ نجاح حكومة الوفاق الوطني بقيادة السراج، سيساعد على استقرار الدولة.

وقال الطرابلسي، لموقع Al-Monitor، في مقابلة هاتفية، إنَّ “الدولتين تتشابكان جغرافياً وشعبياً. إذ تعد تونس امتداداً لليبيا والعكس صحيح. لذلك، فإنَّ ما يحدث في ليبيا له تأثير مباشر على تونس. ما يهم تونس حقاً في ليبيا هو ما يحدث بالجزء الغربي، حيث تلتصق الدولتان”. لكن الطرابلسي أكد أنَّ “قوتين آسيويتين” سيكون لهما الآن “الرأي الحاسم” حول مستقبل ليبيا؛ وهما: تركيا وروسيا.

وشكَّل نجاح حكومة الوفاق الوطني في إسقاط قاعدة الوطية الجوية الاستراتيجية، حسبما أُعلِن في 18 مايو/أيار، نقطة تحوُّل، كبَّدت حفتر هزيمة مهينة. إذ اتصل راشد الغنوشي، رئيس البرلمان التونسي، بعدها بالسراج؛ لتهنئته بهذا الانتصار. ومن هنا انفتحت أبواب الجحيم.

أعرب الرئيس قيس سعيّد عن استيائه من تدخُّل الغنوشي في الشؤون الخارجية؛ فبموجب الدستور التونسي، فإن الدبلوماسية من اختصاص رئيس الدولة. وقال سعيّد، في تصريحات بمناسبة عيد الفطر: “يجب على الجميع أن يدركوا أنه لا يوجد سوى تونس واحدة ورئيس واحد على الصعيدين الوطني والدولي”.

من جانبه، تظاهر الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يضم أكثر من نصف مليون عضو، ضد التدخل التركي في ليبيا، وأبدى معارضته لأية زيادة في الوجود العسكري الأمريكي، لكن لم يقل شيئاً عن الإمارات.

في حين دعت عبير موسى، رئيسة الحزب الدستوري الحر والمناهضة بقوة للأحزاب الإسلامية، إلى عقد جلسة استثنائية بالبرلمان؛ لتمرير مشروع قانون يرفض التدخل الأجنبي في ليبيا واستغلال تونس لتكون منصة برية للعمليات العسكرية هناك.   

لكن رُفِض مشروع القانون خلال جلسة ماراثونية انطلقت في 3 يونيو/حزيران واستمرت 20 ساعة، شنت خلالها عبير موسى هجوماً حاداً على الغنوشي، بسبب خضوعه المزعوم لتركيا وقطر.

وكان الغنوشي قد سافر إلى تركيا في يناير/كانون الثاني، حيث التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلف الأبواب المغلقة.

ويبدو أنَّ تلك الرحلة جاءت تعويضاً عن أنَّ الغنوشي لم يلتقِ أردوغان عندما ذهب الرئيس التركي إلى تونس في ديسمبر/كانون الأول، في زيارة غير مُخطَط لها، قيل إنَّ أردوغان استهدف منها الطلب من سعيّد السماح له باستخدام تونس منصةً لتدخُّل أنقرة العسكري في ليبيا. وهو ما رفضه سعيّد.

وهناك تكهنات أيضاً بأنَّ سعيد منع لقاءً بين أردوغان والغنوشي في تونس. 

وساعدت قاعدة حزب النهضة على إيصال أستاذ القانون الدستوري المحافظ إلى رئاسة الجمهورية في العام الماضي. 

واستدرك المحلل يوسف شريف: “لكن قيس سعيد تخلى عنه ولجأ لحلفاء آخرين. لذا يسعى الغنوشي الآن لتهميش سعيد، من خلال خوضه للعبة السياسة الخارجية الخاصة بالرئيس”.

ودفعت الخيانة المتصورة الغنوشي (حسب وصف الموقع البريطاني) إلى المطالبة بتعديل وزاري. 

وقال الغنوشي: “إنَّ المشهد البرلماني الذي تعارض فيه الأحزاب في السلطة بعضها البعض ليس طبيعياً ولا يمكن أن يستمر طويلاً”. ودعا إلى تشكيل “حكومة توافقية مفتوحة لجميع الراغبين في المشاركة فيها”.

لكن المعارضة تقول إنَّ الأمر ليس متروكاً للغنوشي، بل لرئيس الوزراء إلياس الفخفاخ حتى يقرر طرد أعضاء مجلس الوزراء أم لا. وقال النائب البرلماني من “حركة الشعب” خالد الكريشي، في مقابلة مع إذاعة “شمس إف إم” الشعبية غاضباً: “حركة الشعب لن تستقيل من الحكومة. رئيس الوزراء وحده هو من يقرر ما إذا كنا سنبقى أم ​​لا، وليس حركة النهضة”.

لكن إلياس الفخفاخ، الذي برز بوصفه مرشحاً توفيقياً بعد أشهر من محاولته تشكيل ائتلاف حاكم من البرلمان التونسي الممزق، “ضعيف للغاية”، على حد تعبير المحلل يوسف شريف. وأضاف المحلل المقيم في تونس، أنه على الرغم من أنَّ الفخفاخ شكَّل حزبه مؤخراً، فإنه “يفتقر إلى الشرعية السياسية، وبسبب الانقسام السياسي الحالي، فهو معرَّض لخطر خسارة وزرائه”.

من جانبه، قال جليل الحرشاوي، خبير في الشأن الليبي وزميل باحث بمعهد كلينغندايل في لاهاي، لموقع Al-Monitor، في مقابلة هاتفية: “حقيقة أنَّ الأمة بأكملها عَلِقَت مجبرة في نقاش حول السياسة الخارجية، في خضم أزمة اقتصادية غير مسبوقة، يعني أنك بالأساس تفشل في تجربتك الديمقراطية”.

ولفت الحرشاوي إلى أن “هذا لا يعني نهاية الأمر، لكن يجب أن تدق ناقوس الخطر؛ فما يحدث في ليبيا هو أزمة عسكرية تُحَل بالوسائل العسكرية في المقام الأول، وهو ما يعني فعلياً أنَّ التونسيين، مهما ناقشوا، فلن يؤثروا حقاً فيما يحدث هناك بأية طريقة جادة”.

وأضاف: “وجود أطراف رئيسية في هذه الحرب الأيديولوجية بين الإمارات وتركيا يعني أنَّ الدول الأخرى يتحتم عليها اختيار جانب، وستكون لذلك عواقب مباشرة على تونس. على سبيل المثال، تتعاطف فرنسا مع الإمارات، وقطر مع تركيا. كل هذه البلدان لها تأثير على القرارات الاقتصادية التي يجب اتخاذها لمنح تونس حِزم إنقاذ”.

ويتفق رفيق عبدالسلام، عضو المجلس التنفيذي لحركة النهضة ووزير الخارجية السابق، مع الرأي القائل إنَّ الحرب في ليبيا أثارت استقطاباً ببلاده. وقال مستدركاً في مقابلة عبر الهاتف مع موقع Al-Monitor: “لكن الاستقطاب جزء من الحياة الديمقراطية. إذا كان هناك صراع سياسي، فمن الأفضل أن يكون في البرلمان”. ومع ذلك، يؤيد عبدالسلام رأي الرئيس سعيّد بأنه من غير المناسب للأحزاب الموجودة في الحكومة “التصرف كأنها معارضة”.

ويمكن أن يحدث “تغيير وزاري بسيط” ويجد حزب “قلب تونس” بقيادة نبيل القروي، مكاناً له في الحكومة.

ويرى عبدالسلام أنَّ المكالمة الهاتفية التي أجراها الغنوشي مع السراج كانت “طبيعية”. إذ إنَّ السراج أول زعيم أجنبي يزور تونس بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي أُجرِيَت العام الماضي، و”حكومة الوفاق الوطني هي الحكومة الليبية المعترف بها دولياً”. 

وتابع: “تربطنا علاقة جيدة بتركيا، لأنها دعمت ثورتنا. نحن أصدقاء لأي بلد يدعم ثورتنا”. وفي رأيه، الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ليستا من بين هؤلاء الأصدقاء؛ فهما -على حد قوله- “تحاولان هزيمة الديمقراطية الوليدة في تونس”. 

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى