تقارير وملفات إضافية

بعد ليلة سوداء للمصارف.. حزب الله يلوِّح بعصاه الغليظة لتشكيل الحكومة، وهذه خطته لإسقاط «المتآمر الأكبر»

يبدو أن حزب الله بدأ يكشر عن أنيابه للخصوم والحلفاء على السواء، فقد لجأ الحزب إلى المشاغبين من أنصاره ليوجهوا رسالة إلى حاكم مصرف لبنان، كما قرّر الحزب المضي قدماً في تشكيل الحكومة رغم أنف حليفه المدلل الوزير جبران باسيل صهر رئيس الجمهورية الأثير، وحتى لو استلزم الأمر الضغط على رئيس الوزراء المكلف حسان دياب.

وأعلن وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، حسن خليل، الخميس 16 يناير/كانون الثاني 2020، قرب تشكيل حكومة اختصاصيين من 18 وزيراً.

وقال خليل في مؤتمر صحفي عقده عقب لقاء بين رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب: «تقدمنا اليوم إلى حد كبير جداً، ونحن على عتبة تأليف الحكومة الجديدة، وهي حكومة اختصاصيين من 18 وزيراً كما طرح دياب، واعتمد فيها معايير موحدة».

ويبدو أن حزب الله لملم شتات نفسه بعد اغتيال سليماني، بعد أن كادت تضيع بوصلته المحلية، بسبب صراع الحلفاء قبل الخصوم، وانشغاله بمقتل سليماني.

فقد وجد حزب الله رئيس الحكومة المكلف، حسان دياب، يتصارع مع حليفه الصهر المدلل جبران باسيل، واستفاق الحزب على تلويح رئيس مجلس النواب نبيه بري بقلب الطاولة، بسبب الأداء المتكرر لباسيل، وتعاطيه المستمر مع مقاربات تشكيل أي حكومة.

فباسيل تعوّد التعطيل منذ 2008، وغضّ الطرْف عنه من قبل الحزب؛ لشعوره بأهمية الغطاء المسيحي الذي يؤمّنه الرئيس ميشال عون.

ولكن الوضع لم يعد يَتحمل تدلل الوزير جبران باسيل، في ظل صراخ الشارع المأزوم من الحالة الاقتصادية المتدهورة، والكلام عن الانهيار المتسارع، بسبب السياسات المالية الهوجاء لأمراء الحكم المتعاقبين على السلطة.

ما هو أكيد أن حزب الله قرّر بشكل مبدئي إغلاق ملف التعطيل الحكومي، وتشكيل حكومة خاضعة له في ذروة التصعيد الأمريكي- الإيراني.

كان حسان دياب يتعنت في مواجهة جبران باسيل وضغوطه والتهديدات المبطنة للرئيس بري، وأمام تلك المحاولات التي يقدمها دياب لتشكيل حكومة الاختصاصيين المستقلة برزت مواقف الرئيس المستقيل سعد الحريري وتسريبات جلساته عن رفضه الخضوع لمنطق فرض الأمر الواقع.

وعاد الحريري إلى بيروت بعد عطلة اختيارية اختتمها الرجل في سلطنة عمان، معزّياً في السلطان قابوس، ليحط رحاله في بيروت ويجمع عدَّته السياسية في منزله، وليعلن بعدها مواقفه النارية ضد رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، ليأتي الجواب مساءً في اشتباكات بيروت ومحاولة اقتحام عناصر حزبية محسوبة على حزب الله وحركة أمل للمصرف المركزي، في محاولة جديدة من الحزب لاختراق الانتفاضة الشعبية الغاضبة والموجوعة من إجراءات المصارف والنظام المصرفي، الشريك الفعلي للقوى السياسية اللبنانية.

وحسب ما ذكرته مصادر مطلعة، فإن حزب الله يدرك بشكل مباشر، ما سبّبته سياسات المصارف على مدى 92 يوماً في إذلال الناس على أبوابها، ليحوّل الانتفاضة نحو مكان آخر، بعيداً عن انتقاد السلطة ورجالاتها.

كل متابع لأعمال العنف الأخيرة، التي وقعت في العاصمة اللبنانية، والتي جرى خلالها تكسير واجهات المصارف، وتحديداً المصرف المركزي، يعي أن حزب الله أراد توجيه رسالتين:

الأولى لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي يعتبره الحزب شريكاً في السياسات الأمريكية التي تهدف إلى حصاره مالياً، وإغلاق منافذ تحويلاته المصرفية في لبنان وخارجه، والمسؤول من وجهة نظر محور الممانعة عن أزمة إغلاق بنك جمال، وهو المصرف الذي كان يُعتبر الخزان المصرفي لحزب الله وحركة أمل.

أي إنه يرى أن سلامة شريك في عملية تشديد الخناق الأمريكي على الحزب، بالتزامن مع العقوبات الأمريكية على الداعم الرئيس للحزب: إيران.

تقول مصادر لبنانية مطلعة على مواقف الحزب لـ»عربي بوست»، إنّ الحزب وجزءاً من حلفائه، يرون أن وصول الأزمة المالية لهذا المستوى ما هو إلا نتاج مؤامرة أمريكية، بالتعاون مع المصارف، بقيادة المايسترو رياض سلامة، مؤكدين أن هناك أزمة مالية في البلاد، ولكن ليس بهذا الشكل. 

كل السهام التي يوجهها حلفاء الحزب تجاه سلامة والمصارف، هي في إطار النَّيل من الرجل، ومحاولة جديدة لعزله شعبياً قبل اتخاذ قرار عزله الوظيفي المتوقع، كأول إجراءات حكومة دياب في حال تشكلت خلال الأيام القادمة.

في حين كانت الرسالة الثانية للرئيس المكلف حسان دياب، بالقول له مباشرة إنه ليس بمأمن سياسي في بيئته السُّنية الرافضة حكماً لتكليفه، وألّا غطاء له في حال قرّر المضي في موقفه المتصلب بتشكيل حكومة الكفاءات المستقلة، التي وعد بها اللبنانيين، ما يعني أن الحزب مُتعجّل في الانتهاء من الأزمة الحكومية، فهو يريد التخفف من الأعباء السياسية والاقتصادية للفراغ، ويدرك قيمة المناورة السياسية في ظل الأزمات المحلية والإقليمية.

ما كان لافتاً أكثر هو تراجع الوزير جبران باسيل عن تصعيد موقفه، فيما يتعلق بتشكيل الحكومة. 

فقد أعلن الرجل أنه لا يتدخل بشكل مباشر في تشكيل الحكومة، ولم تكن لديه أية مطالب وزارية، أو مقاعد أو حصص، كما أنه تراجع عن لهجته التصعيدية، التي كان يريد من خلالها رفع الغطاء أو الدعم عن حسان دياب، الذي كلّفوه تشكيل الحكومة. 

ثمة متغيرات أقرّ باسيل بأنها فَرضت نفسها، ودفعته إلى التراجع عن إطلاق موقفه «المتقدم» حسبما قال.

ما دفع باسيل إلى التراجع هو وضعه أمام الأمر الواقع، الرجل كان يريد تشكيل الحكومة وفق نظرته المستمرة ضمن سياسة وضع اليد، تمهيداً لطرح نفسه مرشحاً لرئاسة الجمهورية، لكن بعد موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري الرافض لذلك، تأكّد باسيل أنه إن لم يتمكن من تمرير هذه الحكومة فلن تكون له اليد الطولى. 

حزب الله دخل على خطّ الخلاف بين الطرفين، خصوصاً بعد موقف أبلغه رئيس تيار المستقبل سعد الحريري لمختلف القوى، وهو أنه لا يريد تشكيل حكومة. فالحريري يدرك أنه ليس رجل المرحلة بالنسبة لحلفائه الإقليميين والدوليين.

عندها أدرك الجميع أن لا بديل عن حسان دياب، الذي لا يبدو مستعداً بأي شكل من الأشكال للتراجع أو الاعتذار، واستمر متمسكاً بتكليفه، وبالتالي لا بد من تشكيل حكومة برئاسته، وبعدها يتخذ القرار، إذا كانت ستنال هذه الحكومة الثقة أو سيتم إسقاطها.

على هذا الأساس، تحرّك حزب الله بين حليفيه للتوفيق بينهما، والبحث عن نقاط مشتركة، تقوم على مبدأ التنازل المتبادل، فلا يحصل باسيل على ثلث معطّل في الحكومة، مقابل أن يشارك بري فيها، وتكون حكومة تكنوقراط يتم اختيار وزرائها من قِبل القوى السياسية. 

وهذا كان فحوى اللقاء بين برّي وباسيل، إذ شدّد رئيس المجلس على وجوب عدم التصعيد في هذه المرحلة، والبحث عن النقاط المشتركة؛ لأن لبنان بحاجة إلى حكومة سريعة.

«الاشتراكي يرفض العنف»، هكذا علّق ظافر ناصر، أمين السر في الحزب التقدمي الاشتراكي، على التطورات التي تشهدها البلاد، مؤكداً استمرار حزبه في دعم مطالب الانتفاضة، التي أخرجت الناس من منازلهم للمطالبة بالحد الأدنى من العيش الكريم.

ويرفض ناصر التعرض للمتظاهرين والإعلاميين، معتبراً أن حق التظاهر مقدس، وأن طريقة التعاطي مع المتظاهرين جزء من الأزمة.

وقال ناصر إن المشكلة في السياسات المالية المتبعة منذ سنوات، والتي أقرتها السلطة السياسية، وإن المشكلة ليست في شخص حاكم مصرف لبنان.

وأضاف أن النظام المصرفي القائم غير معزول عن النظام الاقتصادي الريعي، الذي ساد بعد اتفاق الطائف، والنظام السياسي الراعي لكل هذه العملية.

وأكد ناصر -الذي كان حزبه من أهم مكونات «14 آذار»- أن حزبه لن يشارك في الحكومة، ولن يعطيها الثقة إذا تشكّلت وفق العقلية السائدة والمتبعة منذ سنوات.

تؤكد مصادر الحراك الشعبي أنها لن تنخدع بحكومة تعيد تدوير القوى السياسية نفسها بثياب اختصاصيين، وأن خيار التراجع غير وارد.

وتُشدد في الوقت نفسه على رفضها الممارسات القمعية بحق المتظاهرين والصحفيين، وأنها لن تقبل بأداء القوى الأمنية هذا، في ظل تمسكها بالأداء السلمي منذ اليوم الأول.

وعن الحديث حول انضمام تيار المستقبل إلى المعارضة، تسخر المصادر من هذا الطرح، وتحمّل التيار المسؤولية الأساسية عن وصول البلاد لهذا الواقع المتردي، لكونه الشريك الأساسي في التسوية السياسية، في عام 2016، وأحد أركان فريق المحاصصة والسمسرة وتقسيم الحصص بين كل الأطراف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى