تقارير وملفات إضافية

سر حُب الجامعة العربية المفاجئ لسوريا.. صمتت حينما وجب الكلام وتكلمت استجابة لصغوط ثلاثة من أعضائها

في عجالة تقرَّر عقد اجتماع لمجلس جامعة الدول العربية غداً السبت 12 أكتوبر/تشرين الأول 2019، لبحث التدخل التركي العسكري في شمال سوريا، بناء على طلب مصر.

وأثارت السرعة في التئام المجلس تساؤلات حول سر عدم تناول الجامعة العربية الأزمة اليمنية، التي مرت عليها سنوات وجعلت البلاد على شفا مجاعة، في أكبر كارثة إنسانية بالعالم وفقاً للتقارير الدولية، وهي الأزمة الأكبر في تاريخ العرب الحديث، حيث لم يسبق أن وصلت دولة عربية إلى حافة المجاعة على مدار عقود.

ولكن لماذا تبدو الجامعة العربية حريصة على مناقشة التدخل التركي بهذه السرعة علماً أن التدخل يهدف إلى نزع الحكم من حزب كردي يتحكم في أغلبية السكان العربية بشمال سوريا وإعادة جزء من اللاجئين الذين أجبرهم النظام على الهجرة لتغيير أغلبيتها العربية السُّنية؟

وهل هي غيرة على الشأن السوري وهي التي صمتت على الهجوم الروسي على مدينة حلب أكبر مدينة سورية، والذي تسبب في تدمير واسع النطاق للمدينة العريقة؟

ولفت هذا التناقض في مواقف الدول العربية نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي.

وقد أعرب فريق من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي العرب عن دهشتهم من رد فعل الدول العربية المنتقد لتركيا، ومما وصفوه بالحُب الذي ظهر بشكل مفاجئ لسوريا، حسب موقع هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي«.

فتساءل سالم بني سليمان: «من فين نزل عليكم الحُب لسوريا اليوم؟!».

وقال الإعلامي فيصل القاسم: «غريب جداً… هل سمعتم يوماً العربان يدينون الغزو الإيراني لسوريا؟ لا أبداً… أما اليوم فالسعودية والإمارات تشنان هجوماً كاسحاً على ما تسميانه العُدوان التركي على سوريا! هل تحتاج إيران إلى أصدقاء بوجود هيك أعداء؟».

وقال محمد: «أمام الروس والإيرانيين نعامة، وعندما يشاهدون أن الحق سيعود إلى أصحابه الأصليين، تتعالى أصواتهم! لعنة الله على السياسة ومواقفها».

امام الروس والايرانين نعامة…. وعندما يشاهدون ان الحق سيعود الى اصحابه الاصليين…. تتعالى اصواتهم… لعنة الله على السياسة ومواقفها… فان فتيات الليل اشرف من المواقف السياسية… والكلام للدول الغربية قبل العربية…. كلهم يشربون من نفس الكأس….
لا غااااااااالب إلا الله

وفي المقابل رحب آخرون بالمواقف العربية إزاء سوريا، معتبرين أن تلك المواقف ستلعب دوراً مهماً في عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.

فقال الوزير اللبناني السابق وئام وهاب، رئيس حزب التوحيد اللبناني، والمعروف بولائه الشديد لنظام بشار الأسد: «المواقف المصرية والإماراتية والسعودية من الغزو التركي ممتازة، وتشكل مناسبة للدعوة لاجتماع عربي مصري سوري عراقي إماراتي سعودي جزائري، يكون بداية لمنظومة عربية أمنية وسياسية، فيا ليت تبادر مصر أو الإمارات للدعوة».

وفيما أطلق رواد مواقع التواصل الاجتماعي عدة وسوم تدين التدخل التركي بسوريا، عبّر في المقابل عدد كبير من العرب عن تأييدهم للحملة العسكرية التي تشنها تركيا على سوريا، من خلال هاشتاغ #نبع_السلام الذي حصد أكثر من 27 ألف تغريدة، أكد من خلاله المستخدمون ضرورة حماية أمن الشعب التركي وتأمين مناطق آمنة للشعب السوري، حسبما ورد في «بي بي سي«.

سبع دول من بين 22 دولة عربية أعلنت موقفها حتى مثول الموضوع للنشر.

فقد ذكرت «بي بي سي» أن كلاً من السعودية والإمارات والبحرين ومصر والعراق والكويت والأردن قد طالبت تركيا بوقف عمليتها العسكرية في شمال سوريا، معتبرةً دخولها إلى الأراضي السورية «غزواً يهدد أمن واستقرار المنطقة».

اللافت أن الدول الثلاث، الإمارات والسعودية ومصر، والتي تقود هذا الموقف، لديها أصلاً خلاف مسبق مع تركيا، بسبب عدائها للإسلاميين في المنطقة، ولم يسمع لها أي إدانة للتدخل الروسي الذي دمر حلب وشرد أهلها وقضى على الثورة السورية.

وأبرز الدول الرافضة للموقف التركي هي مصر والسعودية والإمارات والبحرين، تشكل الرباعي المتحالف في كل قضايا المنطقة، أو تحديداً لا يوحدهم إلا العداء للديمقراطية والتيار الإسلامي المعتدل، وينظرون بقلق إلى تجربة تركيا، لأنها يمكن أن تشكل إلهاماً لشعوب المنطقة في الجمع بين التنمية والديمقراطية والإسلاموية والديمقراطية.

ومن المتوقع أن تفرض الدول الثلاث، مصر والسعودية والإمارات، توجُّهها هذا على اجتماع وزراء الخارجية العرب رغم أنه يُفترض أنها ﻻ تمتلك إلا ثلاثة أصوات إضافة إلى الصوت البحريني.

ولكن كيف يتحقق لها ذلك؟

تقليدياً، الأردن والكويت تتخذان مواقف متشابهة مع السعودية والإمارات ومصر في قضايا المنطقة.

ولكن نشأت فجوة متزايدة بين الأردن والكويت، والثلاثي العربي ومعه البحرين؛ من جراء قلق الدولتين من السياسات المتطرفة التي اتخذها الثلاثي العربي بدءاً من حصار قطر إلى تأييد صفقة القرن.

كما أن الدولتين لديهما علاقات جيدة مع تركيا، ونأت بنفسيهما عن خلاف الثلاثي مع أنقرة، وظهر ذلك في إصرار الملك عبدالله عاهل الأردن على حضور القمة الإسلامية في إسطنبول، التي دعا إليها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس رغم الحضور السعودي ضعيف المستوى.

كما بدا على الأردن، الذي يعتمد على الدعم الخليجي المالي، متثاقلاً في الاستجابة للطلب السعودي-الإماراتي بمقاطعة قطر وصولاً إلى قراره إعادة سفيره إلى الدوحة، في حين بدأت الكويت ومعها عُمان أكثر رفضاً للحصار وقلقاً من تأثيره على استقلالَيهما، وعملت الكويت على قيادة وساطة لحلِّ الأزمة.

ولكن الكويت والأردن أدانتا التدخل التركي، ومن المتوقع أن تتخذا الموقف نفسه غداً، في ظل رغبة الدولتين في عدم توسيع فجوة الخلاف بينهما وبين الرباعي العربي.

أما العراق فهو تقليدياً يتخذ مواقف مؤيدة للنظام السوري داخل الجامعة العربية، بالنظر إلى أن البلدين يعتبران جزءاً من المحور الإيراني في المنطقة، وتحكمهما نخبة شيعية في حالة بغداد وعلوية في حالة دمشق.

في المقابل، فقد بدا صوت دول المغرب العربي خافتاً، رغم أن هذه الدول تقليدياً تتخذ مواقف قوية في القضايا العربية القومية.

ولكنها تعلم أن حماسة الرباعي العربي مصر والسعودية والإمارات والبحرين، لا علاقة لها بالغيرة على عروبة سوريا بقدر ما هو جزء من المناكفة المستمرة مع تركيا ضمن حالة الحرب التي تشنها الدول الأربع على الإسلاميين في المنطقة.

وهي حرب تشعر دول المغرب بلفحتها عبر الدعم المصري-الإماراتي للجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر والذي دفعه إلى الهجوم على طرابلس في وقت كان يزورها الأمين العام للأمم المتحدة، لبحث عقد مؤتمر شامل للسلام.

تشعر دول المغرب بوطأة تدخُّل الرباعي في الشأن المغاربي وضرر سياساته عليها وعلى المنطقة العربية برمتها، ولكنها مشغولة بأزماتها الداخلية بدرجة تمنعها من الرد حتى الكلامي على هذه الممارسات.

ومن المتوقع أن يكون هذا موقفها داخل الاجتماع الوزاري العربي غداً.

فإدانة ضمن الإطار الجماعي العربي لن تضر علاقتها المتنامية بتركيا، وتعاطف قطاع كبير من شعوبها مع المعارضة السورية التي تحارب مع أنقرة.

بقية الدول العربية تبدو في وضع أضعف أمام الضغط الخليجي، فالحكومة اليمنية المعترف بها دولياً رهينة بالمعنى الفعلي للسعودية والإمارات.

جيبوتي دولة فقيرة تحتاج الدعم الخليجي، الصومال كذلك ولكن لديه علاقات متنامية مع تركيا.

أما السودان، فالشق العسكري في مجلسه السيادي الحاكم لا يخفى على أحد، علاقته الوثيقة مع مصر والسعودية والإمارات والتي يُعتقد أنها تصل لدرجة توجيه الرياض وأبوظبي دعماً مالياً إلى بعض القادة العسكريين السودانيين.

أما لبنان فلديه مشاكله الكافية مع دول الخليج، كما أن الحكم في لبنان له توجهان: أحدهما يقوده حزب الله والرئيس اللبناني ميشال عون وهو صديق لنظام بشار الأسد؛ ومن ثم يناصب الثورة السورية العداء، والآخر يقوده رئيس الحكومة سعد الحريري وهو يكره الأسد ويؤيد الثورة، ولكنه حليف اضطراري بحكم التاريخ للسعودية حتى لو سبق أن احتجزه الأمير محمد بن سلمان في الرياض.

ويُظهر ذلك أنه في ظل ضعف الدول الكبرى التي بُني عليها النظام السياسي الذي أسس الجامعة العربية، أصبحت دول الخليج هي التي تتحكم في قرار الجامعة، خاصة بعد تقاربها الشديد مع مصر والذي بدأ في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك ووصل إلى ذروته في عهد  الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي.

في المقابل، فإن بقية الدول العربية الكبرى إما غائبة كسوريا أو منحازة بحكم الطبيعة الطائفية للحكم كالعراق ولبنان، أو مشغولة في أزماتها الداخلية كالجزائر، أو تريد أن تنأى بنفسها عن صراعات المشرق مثل المغرب.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى