تقارير وملفات إضافية

من أجل الوحدة أم الانفصال؟ أمريكا ترعى مفاوضات بالصومال بعد دخول دول كبرى على الخط

انقسم محللون صوماليون بين فريق يبدي تفاؤلاً بدخول الولايات المتحدة على خط رعاية المفاوضات بين الحكومة المركزية في مقديشو وإقليم “أرض الصومال” ذاتي الحكم (شمال)، وفريق آخر يتخوف من سيناريو مشابه لانفصال جنوب السودان رسمياً عن شماله، عام 2011. 

وبدأت أولى جولات المفاوضات بين مقديشو وما تعُرف بجمهورية “أرض الصومال”، المعلنة من جانب واحد في الشمال، بعاصمة جيبوتي، في يونيو/حزيران 2012.  

وبعد توقف دام ثلاث سنوات، حركت الجارة إثيوبيا ملف المفاوضات الراكد، لكن هذه المرة مع دخول لاعب جديد، وهو واشنطن، حيث تستضيف جيبوتي جولة تفاوضية جديدة. 

وعقد السفير الأمريكي لدى مقديشو، دونالد يماموتو، لقاءات موسعة مع كل من الرئيس الصومالي، محمد عبدالله فرماجو، ورئيس “أرض الصومال”، موسى بيحي عبدي، مما ساهم في إقناعهما بالذهاب إلى جولة المفاوضات الراهنة.

وفشلت جولات المفاوضات السابقة جراء تمسك الطرف الشمالي بالانفصال، وإصرار الحكومة على إعادة الوحدة، لكن في المفاوضات الأخيرة بجيبوتي توصل الطرفان إلى نقاط اتفاق بشأن ملفات سياسية وتبرعات المجتمع الدولي، وإدارة المجال الجوي.

ومنذ عام 1991، يتمتع “أرض الصومال” بحكم ذاتي، ويطالب باعتراف دولي بانفصاله الكامل عن الصومال، لكنه حتى الآن غير معترف به رسمياً كدولة.

وبدأت هذه الأزمة في ثمانينيات القرن الماضي، إبان الحكم العسكري في الصومال، برئاسة محمد سياد بري، حيث جرى قمع الحركات المعارضة في‎ الأقاليم الشمالية، التي تُعرف حالياً بـ”أرض الصومال”.

ومع سقوط حكم العسكر، عام 1990، تحولت “حركة الصومال الوطنية” المعارضة في الأقاليم الشمالية من حركة تحرير إلى حركة تنادي بالانفصال عن الجنوب، بذريعة ارتكاب نظام حكم العسكر مجازر في الأقاليم الشمالية.

بقوة، بدأت الولايات المتحدة الانخراط في المفاوضات بين مقديشو و”أرض الصومال”، وهي بالأساس لم تكن غائبة تماماً عن خط المفاوضات، بل كانت تتابعها عن كثب.

لكن بعد انتهاء حقبة الحكومات الانتقالية والاعتراف الأمريكي بأول حكومة صومالية رسمية، برئاسة حسن شيخ محمود، في يناير/كانون الثاني 2013، بدأت واشنطن تعزز وجودها السياسي والعسكري في الصومال.

ومع وصول “آبي أحمد” لرئاسة الوزراء في الجارة إثيوبيا، في أبريل/نيسان 2018، بدأ يعمل على إنهاء الصراع في المنطقة والتخلص من إرث الماضي، وإرساء تعاون ثلاثي بين إثيوبيا والصومال وإريتريا.

وإثيوبيا دولة حبيسة (بلا منافذ بحرية)، ورغم هذا شكلت “قوات بحرية”، لإيجاد منفذ بحري لها في الصومال، لكن تحقيق هذا الهدف مرهون باستقرار الصومال ووحدة أراضيه، لإضفاء شرعية على المصالح الإثيوبية.

مع تحركات “آبي أحمد”، وزيادة التمدد الصيني والروسي في دول منطقة القرن الإفريقي (الصومال، إثيوبيا، جيبوتي وإريتريا)، والأنباء عن اعتزام الصين وروسيا بناء قواعد عسكرية، اتجهت البوصلة الأمريكية إلى الصومال، من نافذة المفاوضات بين مقديشو و”أرض الصومال”، بهدف حرمان بكين وموسكو من أي موطىء قدم في البلد العربي.

وفق عبدالرحمن سهل، مدير مركز الصومال لتحليل الأزمات، في حديث للأناضول، فإن “ركوب الولايات المتحدة وإثيوبيا سفينة المفاوضات بين الصومال وأرض الصومال يعني أن بدراً جديداً قد يلوح في الأفق”.

ورجح حدوث “عاصفة تغييرات في منطقة القرن الإفريقي، التي تقودها إثيوبيا برعاية أمريكية، وستصل إلى الصومال من شباك المفاوضات”.

وتابع: “مصالح واشنطن كانت موجودة أصلاً في الصومال طيلة السنوات الماضية، لكنها كانت تُدار عن بعد أو عن طريق شريكها في المنطقة (إثيوبيا)”.

واستدرك: “لكن مع تطور التمدد الصيني والروسي في القارة الإفريقية، عبر استثمارات ضخمة ومؤتمرات وتوريد أسلحة بالمليارات، بدأت واشنطن تغيّر لعبتها السابقة، حرصاً على مصالحها الاقتصادية”.

ورأى “سهل” أن “الرعاية الأمريكية لأول مرة لملف المفاوضات بين الصومال وأرض الصومال تعني تقارب الرؤى بين الجانبين، تمهيداً للتوصل إلى حل دائم يُمكن واشنطن من منع أي تمدد صيني وروسي في القرن الإفريقي”.

وأردف: “واشنطن وضعت ثقلها في مفاوضات الصومال، بعد ورود أنباء عن سعي روسيا لموطئ قدم لها في سواحل إقليم أرض الصومال”.

من جانبه، قال محمد هاجر، رئيس مركز القرن للاستشارات، للأناضول، إن “الولايات المتحدة تملك ورقة رابحة (بثقلها الدولي) لإنهاء القطيعة السياسية بين الجانبين (مقديشو والإقليم)، وتهدئة التوتر السياسي، استعداداً لجولة مفاوضات مقبلة تنهي الملف برمته”.

فيما اعتبر أويس حسن، صحفي ومحلل سياسي، أن “مفاوضات جيبوتي تشكل صورة إيجابية للرئيس الصومالي فرماجو، بعد سلسلة اتهامات من الأطراف المعارضة بتعمده تجميد ملف المصالحة بين مقديشو وأرض الصومال”.

وتابع حسن أن “مشاركة الرئيس فرماجو في هذه المفاوضات تجعله حامي القضية الصومالية ووحدة البلاد، وسيبدي الجانب الصومالي مزيداً من التنازلات لتجاوز الحساسية السياسية بين الطرفين”.

ويترأس وفد الحكومة في المفاوضات الرئيس فرماجو ورئيس وزرائه، حسن علي خيري، ووزير الداخلية، عبدي محمد صبرية.

بينما يقود وفد “أرض الصومال”، رئيس إدارة الإقليم، موسى بيحي عبدي، ورئيس مجلس الشيوخ، سليمان محمود آدم، ووزير الخارجية، ياسين حاج محمود.

لكن ثمة مخاوف تساور كثيرين، بعد تزايد اهتمام دول كبرى بمنطقة القرن الإفريقي، بفضل موقعها الاستراتيجي.

ويخشى هؤلاء من أن يؤدي الصراع إلى انفصال الأقاليم الشمالية عن بقية الصومال، على غرار انفصال جنوب السودان عن شماله في 2011، عبر استفتاء شعبي، دعمته دول كبرى، لا سيما الولايات المتحدة.

وقال “سهل” إن “بوادر الوحدة أكبر من الانفصال داخلياً وخارجياً، لكن ما لا يُختلف عليه هو أن الصومال وأرض الصومال لا يملكان حق تقرير مصيريهما إلا بالتدخل الأجنبي، الذي سيدعم ما سيخدم مصالحه الاستراتيجية”.

وتابع أن “الاهتمام الأمريكي الزائد بملف المفاوضات أثار تفاؤلاً مشوباً بالحذر، نظراً لدور واشنطن الكبير واللافت في قضية انفصال جنوب السودان، بدعم دولي، لتحقيق ما يخدم المصالح الاستراتيجية للقوى العظمى”.

من جانبه، لفت محمد عبده، محلل سياسي في مركز آفاق للإعلام، إلى أن “الاتحاد الإفريقي يقر بمبدأ عدم الاعتراف بالانفصال، خاصة في الدول التي انهارت بفعل حروب أهلية”.

لكن عبده استدرك بقوله إن “دولاً إفريقية (حالية) عديدة لجأت إلى حق تقرير مصيرها، وهو ما يثير مخاوف من أن ينتهي مصير القطيعة السياسية بين الصومال وإقليم أرض الصومال بالانفصال”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى