تقارير وملفات إضافية

لماذا أشعلت فلسطين أزمة بالانتخابات الكندية؟ ترامب الشمال يتوعد بقرار مثير للجدل

قد يبدو غريباً أنَّ بلداً صغيراً وفقيراً يتعذر حتى على أغلب الكنديين تمييزه ويقع في النصف الآخر من العالم، سيكون مهماً في الانتخابات الفيدرالية الكندية لعام 2019.

لكن فلسطين ذات أهمية كبيرة في الانتخابات الكندية، حسبما ورد في موقع Middle East Eye البريطاني.

في اليوم الثاني من الحملة الانتخابية، تعهّد زعيم «حزب المحافظين الكندي» المعارض، أندرو شير، أنَّه في حال انتخابه، سيسير على خطى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقطع المساعدات عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، بحجة أنَّها كانت عاملاً في إثارة مشاعر معاداة السامية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

لا يعتبر هذا الأمر هيّناً بالنسبة للفلسطينيين الأشد حرماناً على مختلف المستويات، الذين لا يزالون بعد 70 عاماً لاجئين يعتمدون على مساهمات دول أعضاء في منظمة الأمم المتحدة، مثل كندا، لتمويل ميزانية وكالة الأونروا لتغطية احتياجاتهم الأساسية.

جاءت كندا في المرتبة الثالثة عشرة في قائمة أكبر الدول المانحة لوكالة الأونروا في العام الماضي 2018 بمساعدات مالية بلغت حوالي 27 مليون دولار.

قدَّمت كندا 110 ملايين دولار للأونروا منذ أن أعادت حكومة البلاد الليبرالية بزعامة رئيس الوزراء، جاستن ترودو، التمويل الكندي للوكالة في عام 2016، وذلك بعد أن اتّخذت حكومة المحافظين السابقة برئاسة ستيفن هاربر قراراً بقطع التمويل.

ترتبط كندا بعلاقات تاريخية مع فلسطين. إذ كان لها دور نشط في قرار تقسيم فلسطين عام 1948 وتأسيس إسرائيل. كذلك، تُعد كندا منذ وقت طويل مانحاً رئيسياً للفلسطينيين، فضلاً عن كونها عضواً في لجنة الاتصال المُخصّصة لتنسيق إيصال المساعدات الدولية إلى الأراضي الفلسطينية. ومع ذلك، فإنَّ نتائج الانتخابات الكندية لعام 2019 قد تعني الكثير بالنسبة لكلٍ من المدافعين عن حقوق الإنسان العالمية في كندا والفلسطينيين في الشرق الأوسط.

أدَّت دعوات دعم الحقوق الفلسطينية وانتقاد إسرائيل إلى تقسيم الكنديين في كثير من المواقع، بدايةً من التعليم إلى النقابات وأماكن العبادة وحكومات المقاطعات والمدن.

وكان دور جماعات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني في صميم هذا الجدال، لاسيما أنَّ حكومة هاربر السابقة شنَّت حملة قمع ضد جماعات المجتمع المدني، التي تروّج لحقوق الفلسطينيين.

في الوقت نفسه، أدان رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، الحملة العالمية المعروفة باسم «حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها» باعتبارها لا تتّسق مع «القيم الكندية».

وقد تعهدت كندا بمزيد من الاستهداف للدعوات الفلسطينية من خلال تبني تعريف معاداة السامية الخاص بالتحالف الدولي لإحياء ذكرى «الهولوكست»، الذي يخلط عمداً بين انتقاد إسرائيل ومعاداة السامية.

لا توجد قضايا عديدة متنازع عليها في المجتمع الكندي مثل قضية حقوق الإنسان الفلسطينية. تبنَّت حكومة ترودو الليبرالية رسائل إيجابية نوعاً ما عن فلسطين بدرجة أفضل من اللهجة المُتشدّدة –وحتى المعادية للإسلام- لحكومة حزب المحافظين السابقة.

ومع ذلك، لا تختلف نسبياً سياسات حكومة ترودو عن سياسات حكومة هاربر، بما في ذلك استخدام كندا لنفوذها الجديد في الشؤون الدولية لتنفيذ عمل من وراء الكواليس ضد الفلسطينيين والدعم العلني لإسرائيل، بحجة أنَّها تُعامل بصورة غير عادلة من جانب الجمعية العامة للأمم المتحدة.

في الوقت نفسه، سعت الحكومة الليبرالية إلى توسيع صفقة التجارة الحرة بين كندا وإسرائيل -متجاهلة الاقتراحات، التي تضمن وسم المنتجات المصنوعة في مستوطنات الضفة الغربية بعبارة تشير إلى أنَّها «صُنعت في مستوطنة بالضفة الغربية» بدلاً من عبارة «صنع في إسرائيل».

وأدانت كندا أيضاً مايكل لينك، أستاذ القانون الكندي والمقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية.

فيما وصف النائب الليبرالي،  أنتوني هوسيفثر، حكومة ترودو بأنَّها أكثر حكومة مؤيدة لإسرائيل في التاريخ الكندي.

ومع ذلك، يمكن أن يزداد الوضع سوءاً بالنسبة للمدافعين عن حقوق الإنسان في كندا.

يتبنى حزب المحافظين، الذي كان يتنافس بنسب متقاربة حتى مع الليبراليين في استطلاعات الرأي، توجهات واضحة معادية للإسلام والفلسطينيين، حيث بالإضافة إلى تعهد أندرو شير بوقف تمويل الأونروا، يتعهّد موقع الحملة الانتخابية للحزب بنقل السفارة الكندية إلى القدس.

ينبغي أخذ مثل هذه التعهدات على محمل الجد في ضوء أنَّ كندا كانت أول دولة بعد إسرائيل تعلّق المساعدات للسلطة الفلسطينية بعد فوز حركة حماس في الانتخابات عام 2006. وكانت هذه الخطوة إحدى أولى إجراءات السياسة الخارجية، التي اتخذتها حكومة هاربر، الذي تأسس حزبه -حزب المحافظين- قبل بضع سنوات فقط نتيجة اندماج بين حزبين يمينيين.

وفي مقطع فيديو صوَّره بعد تركه منصبه لصالح جامعة براغر، وهي منظمة أمريكية غير ربحية، أوضح هاربر موقفه بأنَّ إسرائيل منارة للديمقراطية، حيث «الانتخابات الحرة النزيهة وحرية التعبير والتسامح الديني هم القاعدة اليومية المعتادة».

لذا من المنطقي توقّع المزيد من القمع للأصوات التقدمية والدعوات من أجل الحقوق الفلسطينية في حال عودة المحافظين إلى السلطة في كندا.

يتمتَّع المحافظون أيضاً بحجم مثير للقلق من الصلات بشخصيات يمينية متطرفة لديها وجهات نظر معادية للمهاجرين وداعمة للقومية البيضاء.

إذ كان المرشح، الذي حلَّ في المركز الثاني بعد أندرو شير في سباق رئاسة حزب المحافظين الكندي عام 2017، هو ماكسيم بيرنييه، الذي أسَّس لاحقاً حزب الشعب الكندي اليميني المتطرف.

وتصدّر بيرنييه مؤخراً عناوين الصحف لسخريته من الناشطة السويدية في مجال المناخ، غريتا ثونبرج، لأنَّها مصابة بمرض التوحد.

ومن جانبها، علَّقت إليزابيث ماي، زعيمة حزب «الخضر» الكندي، مؤخراً على مقترحات السياسة الخارجية لأندرو شير قائلة: «إذا أراد أي شخص معرفة موقفك، فما عليه سوى معرفة ما يريده ترامب».

في الوقت نفسه، يشهد الحزب الديمقراطي الجديد، ثالث أكبر حزب في البرلمان الاتحادي الكندي، حالة من الفوضى مع فشله في تقديم بديل واضح لليبراليين أو طرح رؤية تقدمية مُحدّدة.

وفي حين تريد قاعدة تقدمية داخل الحزب الدفاع عن الحقوق الفلسطينية، وقف عدد من النواب البارزين ضد هذا الاتجاه.

وفي مؤتمر للحزب عام 2018، عملت قيادة الحزب الديمقراطي الجديد جاهدة لمنع اعتماد قرار «يحظر منتجات المستوطنات الإسرائيلية ويجابه الجهود البرلمانية الرامية إلى تقويض حركات سلمية تسعى إلى حل عادل للقضية الفلسطينية».

رفض الحزب الديمقراطي الجديد قبل خمس سنوات ترشيح السياسي الكندي بول مانلي، الذي كان والده قد شارك في قارب تضامن لكسر الحصار عن غزة. لكن هذا القرار لم يسفر عن النتيجة المنشودة عندما انضم مانلي إلى حزب «الخضر» وفاز بمقعد في البرلمان.

ويقترب حزب «الخضر» -الذي عبَّر كثيراً عن دعمه لحل عادل للقضية الفلسطينية ويشغل مقعدين فقط في البرلمان- من تجاوز «الحزب الديمقراطي الجديد»، الذي كان متقدماً في السابق.

قد يبدو الأمر غريباً للوهلة الأولى أنَّ فلسطين «الصغيرة» تشغل حيزاً كبيراً من الانتخابات الكندية لعام 2019، التي يبدو من غير المرجح أن تحمل أخباراً جيدة للمدافعين عن حقوق الإنسان في البلاد.

لكن بقدر ما قد يبدو الليبراليون سيئين، فإنَّ افتقار «الحزب الديمقراطي الجديد» لرؤية بديلة واضحة، بالإضافة إلى النظر بشكل تقليدي إلى حزب «الخضر» باعتباره «هامشياً».

ومن المرجح أن يعزّز الخوف من فوز حزب «المحافظين» فرص فوز الحزب الليبرالي، ومن ثمَّ، ستظل فلسطين جزءاً كبيراً من سياسات الحزب في السنوات المقبلة.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى