سيدتي

النوتي كورنر أو ركن العقاب.. كيف يمكن لبعض أساليب العقاب التربوية أن تشكل خطراً على مخ طفلك؟

منذ عشرات السنين والأطفال يواجهون
مخاطر شديدة جرّاء الأساليب التربوية العنيفة المستخدمة معهم من قِبل الآباء؛ مثل
الضرب، والصراخ، وغيرهما..

إلى أن حدث في عام 1985، أن رفض أحد
الآباء استخدام تلك الأساليب في تربية ابنته الصغيرة، وقرر أن يستخدم أسلوباً
مبتكراً من وحيه الشخصي، وأسماه «التايم أوت Time-Out».
حيث يقوم الأب في هذا الأسلوب بعزل الطفل في مكان خال من المميزات والألعاب
والمرح، بل ومن العواطف والحب أيضاً، لبعض الوقت حتى يتوقف الطفل عن ممارسة السلوك
السيئ الذي كان يقوم به.

ولأن هذا الأب كان (عالم نفس
أمريكياً) أيضاً، فقد قام بعمل بعض الدراسات على هذا الأسلوب فوجد أنه يوقف
«وقتياً» السلوك السيئ غير المرغوب فيه لدى الطفل. ومن هنا بدأ تعميم
هذا الأسلوب كبديل مقبول من الآباء عن الضرب والصراخ في وجه أبنائهم.

وحدث في عام 2004 أن تم استخدام هذا
الأسلوب في بعض البرامج الأجنبية الشهيرة جداً والمعنية بتعديل سلوك الأبناء،
بناءً على طلب من آبائهم.

وكانت النسخة الإنجليزية من تلك
البرامج، تستخدم مصطلح Naughty Chair بدلاً من التايم أوت، ثم
امتد استخدام ذلك المصطلح لأمريكا ثم إلى دول أخرى.

وتم توجيه الكثير من الانتقادات لتلك
البرامج، لما تستخدمه وتنشره بين الآباء من أساليب تربوية ضارة ومؤذية. بل ووصل
الأمر إلى كشف بعض التزوير والخداع الذي حدث في تلك البرامج، لإقناع المشاهدين أن
سلوكيات الطفل قد تحسنت وتطورت للأفضل في حين أن هذا لم يحدث في الواقع، بل
تمثيلاً فقط.

ثم حدث أن قام مجموعة كبيرة من علماء
النفس الأمريكيين والكنديين والسويسريين، بالمناداة بوقف استخدام هذا الأسلوب
المسمى (تايم أوت و naughty Chair) تماماً.

ومنذ عام 1989 وتتوالى التوعية
بمخاطر هذا الأسلوب المستخدم مع الأطفال، حتى أن (منظمة الصحة النفسية للطفل
بأستراليا) أصدرت بياناً رسمياً تعلن فيه أن التايم أوت هو أسلوب غير أخلاقي في
التعامل مع الطفل، ولا يصح استخدامه.

تخيلي معي أيتها الأم، وأنت أيها
الأب، أنكما ارتكبتما خطأ ما. وأن زوجكِ أو مديرك في العمل، جاء ووبّخك وقال لك/
لكِ «ما هذا الذي فعلته؟ وكيف تفعل هذا؟ أين عقلك؟ ولماذا لا تتعلم أبداً من
خطئك؟ هيا اذهب الآن إلى مكتبك/ أو غرفتكِ وأغلق الباب عليك واجلس/ اجلسي هناك
وحدك تماماً وفكري في كل ما أخطأتِ فيه، ولا تخرج/ تخرجي إلا عندما تتعلم الصواب»

حسناً، فيم ستفكر أيها الأب؟

كيف ستشعرين أيتها الأم؟

هل هي مشاعر خزي، وغضب، واحتقار
للطرف الآخر مثلاً!

هل ستفكر أن مديرك هذا غبي ولا يستحق
شيئاً طيباً!

هل سيقوم أحدكما حقاً بمراجعة موقفه
ومحاولة التعلم من خطئه أم ستقرران العند والتمرد على الطرف الآخر الذي سبب لكما
كل ذلك الألم؟!

في بحث هام قام به عالم الأعصاب
الشهير «د. دانيال سيجل»، أثبت أن استخدام التايم أوت يشكل خطراً على النمو الصحي لمخ الطفل. وعندما
قام بعمل مسح طبي على المخ، ظهر أن التأثير الناتج عن ألم الانعزال والوحدة
والمشاعر السلبية أثناء تطبيق التايم أوت على الطفل، يعادل نفس نتائج الألم
المتسبب فيه التعدي الجسدي العنيف على الطفل.

وأن تكرار استخدام هذا الأسلوب مع
الطفل بشكل مستمر، قد يؤدي إلى تغيير في التركيب الفيزيائي لشكل المخ.

كما أن الـnaught
chair يسبب تدميراً للروابط الصحية بين الأب/ الأم
وبين الطفل. مما ينتج عنه شعور بعدم الأمان والقلق والتوتر الذي يؤدي لأمراض
واضطرابات نفسية كبيرة، في الكبر والصغر أيضاً.

وبالإضافة لكل تلك المخاطر فإن
التايم أوت، والذي يتم تصنيفه في علم النفس Type Two of Punishment، يعمل مثل جميع الأساليب العقابية على وقف
السلوك غير المرغوب فيه بشكل مؤقت.

وبعد أن يعتاد الطفل على الأسلوب
العقابي، يعود للسلوك السيئ مرة أخرى وبقوة أكبر.

ويتبنى الطفل نتيجة لذلك أساليب تمرد
وعناد وتحد ورفض لسيطرة الآباء.

التايم آوت ليس الوسيلة الوحيدة التي
تشكل خطراً كبيراً على الصحة النفسية والجسدية أيضاً للطفل، فهناك الكثير من
الأساليب التربوية الخاطئة والمضرة التي لا ننتبه لها في كثير من الأحيان، طالما
هي ليست ضرباً صريحاً أو صراخاً واضحاً..

فنجد الطفل يبكي بشدة ليحصل على لعبة
ما، والأب/ الأم يتجاهلان تماماً كل بكائه وحزنه وصراخه ويمضيان دون الالتفات إليه.

وما يحدث هنا أن الطفل يكوّن عن نفسه
قناعات خاطئة ومضرة له فيما بعد، مثل أنه شخص غير مهم، وأن مشاعره ليست ذات قيمة،
وأنه غير مرئي ولا مسموع من أبويه. فتقل ثقته بنفسه، ويتدنى التقدير الذاتي لديه
ويواجه صعوبات شديدة في المستقبل في بناء علاقات اجتماعية صحية وسوية.

فنقوم بالتوبيخ والتأنيب وإلقاء
المحاضرات.

(ألم أقل لك هذا – ألم أحذرك من قبل
– هل ترى نتيجة عدم اتباع أوامري والاستماع لكلامي – هل يعجبك ما حدث بسبب خطئك..)

وغيرها من الجمل التي تشعر الطفل أنه
كائن ضئيل، ليس في الحجم ولكن في القيمة. كائن مخطئ سيئ لا فائدة منه، وتملأ الطفل
بمشاعر الخزي والعار وعدم الإيمان بقدراته.

فنجده لاحقاً يمتنع عن المحاولة، أو
ييأس سريعاً، أو يمتلىء بمشاعر الغضب والجرح فيزيد من سوء سلوكه لينتقم لنفسه
المجروحة المعذّبة.

وكذلك مع الطفل، كلما أخطأ أو قصّر
في شيء ما، ننهال عليه باللوم والانتقاد.

(لماذا فعلت هذا الخطأ – لماذا لم
تفعل مثلما طلبت منك – هل يجب أن أعاني معك كل هذه المعاناة – لماذا أنت هكذا..)

واللوم لُعبة نفسية شهيرة ومعروفة في
علم النفس Game of Blame تقوم بها أنفسنا للتنصل
من تحمل مسؤولية إيجاد حلول، عن طريق إلقاء كامل اللوم والخطأ والمسؤولية على
الطرف الآخر.

واللوم والانتقاد يشعلان مشاعر جلد
الذات والشعور بالذنب لدى الطفل، ويصيبانه بداء المثالية Perfectionism،
فلا يرضى عن نفسه أبداً، ويظل يرى كل ما هو ناقص وسيئ ويتجاهل أي شيء إيجابي أو
جيد قام به. أي  مما يجعله في حالة إحباط دائم وسخط من نفسه وكل ما حوله.

بالطبع لا نهدف إلى التوقف عن
التربية أو التخلي عن أداء أدوارنا كآباء. كل ما نحتاجه هو بعض التدريب على أساليب
مختلفة عما تعودنا عليه سابقاً، وعانينا منه -نحن أنفسنا- لسنوات طويلة.

أتذكرون ذلك الطفل بالأعلى الذي كان يبكي ويصرخ
لشراء اللعبة؟

بدلاً من ممارسة (التجاهل العاطفي
معه) لرفض طلبه في شراء اللعبة، يمكننا النزول لمستوى وجهه ونستخدم معه (التواصل
بالعينين) وبنبرة هادئة وحازمة نقول (أنا أحبك ولن أستطيع شراء هذه اللُعبة لك).

هل هكذا سيتوقف عن البكاء أو سيتخلى
عن طلب اللعبة؟ لا ليس هذا ما نريده. ما نريده هو أن نلتزم بحقنا في شراء بعض
متطلباتهم وعدم شراء البعض الآخر، وفي نفس الوقت أن يشعر الطفل أنه محبوب ومُقدّر
وهام وذو قيمة عالية. فتعلو ثقته بنفسه وتقديره الذاتي.

التخلي عن (لعب دور المنقذ) مع
الطفل. فأحياناً من شدة حرصنا على ألا يتألموا وألا يختبروا نتائج أخطائهم
بأنفسهم، نقفز نحن داخل الموقف لنلوم وننتقد حتى لا يقع الطفل في الخطأ. ويسمى هذا
النوع من التربية Tiger Parenting
والذي يقفز فيه الأب/ الأم ليحلا محل أبنائهما في حمايتهم من الخطأ، ولكنهما
يقومان هما نفساهما بمهاجمة الطفل وترك الكثير من الجروح والندبات لديه.

اترك طفلك يختبر نتائج أفعاله، ويدفع
ثمن الكوب الذي كسره من مصروفه، أفضل وأصح وأقوى لشخصيته وصحته النفسية من أن
تلومه وتؤنبه على كسر الكوب (فتسبب له الشعور بالخزي والعار وعدم الأهلية)، ثم
تجعله يحتفظ بمصروفه كاملاً بعدها.

واحدة من أشهر مقولات مدرسة (التربية
الإيجابية) «الأطفال يؤدون بشكل أفضل عندما يشعرون مشاعر أفضل»

ونحن في ظل ضغوط الحياة وتسارع الوقت
وكثرة المهام، نجد من السهل جداً أن نلاحظ عيوب ومشاكل وأخطاء أبنائنا، بينما
قليلاً ما ننتبه لمميزاتهم، أو نحدثّهم عنها.

من الأدوات الفعالة جداً في تغيير
السلوكيات السيئة لدى الطفل، أن نركز على مميزاته ونقاط قوته، ونحدثه عنها. ما
تأثيرها، لماذا هي جيدة، كيف رأيناها منعكسة في مواقف مختلفة.. إلخ.

وكلما فعلنا هذا قويت الصورة الذهنية
للطفل عن نفسه. فيبدأ بشكل تلقائي في تبني المزيد من السلوكيات الجيدة، ويتعلّم أن
يبني هو على نقاط قوته الشخصية.

التايم أوت والنوتي كرونر وما شابه
من أساليب، هي لمدارس تربوية قديمة تم إثبات فشلها وأضرارها على الصحة النفسية
للطفل، وعلى تكوين شخصيته بل وعقله أيضاً.

ونشأت بدلاً منها العديد من المدارس
التربوية المبنية على احترام الطفل بشكل كامل، وتعليمه المهارات اللازمة للحياة.

وليس من المناسب أن نتمسك باستخدام
أساليب قديمة مضرة ومؤذية، فقط لأننا تعودنا عليها.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى