تقارير وملفات إضافية

خطوة قد تحرج الدول العربية.. ماليزيا تقرر فتح سفارة لدى فلسطين لكن دون التطبيع مع إسرائيل

في خطوة لافتة، أعلن رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد أن ماليزيا ستفتح سفارة لها في فلسطين لتقديم المساعدات للفلسطينيين، على أن يكون مقرها في الأردن، ولكن لماذا قررت ماليزيا فتح سفارتها لدى فلسطين في الأردن وليس بالضفة الغربية؟

علاقات ماليزيا مع إسرائيل علاقات سيئة، في ظل دعمها للحقوق الفلسطينية، في المقابل فإنها ترتبط بعلاقات وثيقة مع حماس والسلطة الفلسطينية على السواء.

وفي خطوة من شأنها أن تحرج العديد من الدول العربية، أعلن رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول 2019 أن بلاده ستفتتح سفارة معتمدة لها في فلسطين لتمكينها من تقديم المساعدات للفلسطينيين بسهولة أكبر.

وقال خلال خطاب أمام قادة وممثلين من 120 دولة، في قمة حركة عدم الانحياز الثامنة عشرة في أذربيجان، إن السفارة ستكون في الأردن، لأن إسرائيل لن تسمح لماليزيا بفتح سفارة لها في الأرض المحتلة.

وأوضح أن افتتاح السفارة المعتمدة لدى فلسطين سيسمح لماليزيا تقديم المساعدات للفلسطينيين بسهولة أكبر، رغم أن إسرائيل ستجد طريقة لضمان عدم وصول المساعدات إلى فلسطين، وهي مناسبة للتذكير بأن فلسطين لا تزال محتلة من نظام وحشي، يواصل توسيع المستوطنات غير القانونية على الأرض التي ينتمي إليها الفلسطينيون.

أحمد يوسف، المستشار السياسي السابق لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس، والوكيل السابق لوزارة الخارجية بغزة، قال لـ «عربي بوست» إن «الإعلان الماليزي بأن مقر سفارتهم في فلسطين سيكون في الأردن، وليس داخل فلسطين في الضفة الغربية، يعود لأن ماليزيا لا تريد الاضطرار للحصول على تصريح إسرائيلي، أو التعرض لأي ضغوط إسرائيلية».

ورأى أن «هذه المبادرة تعتبر خطوة متقدمة للدول العربية والإسلامية الأخرى، ويمكن الاقتداء بها، إن أرادت زيادة علاقاتها مع الفلسطينيين دون المرور القسري بالبوابة الإسرائيلية، وبعيداً عن التطبيع الاضطراري مع إسرائيل».

وأضاف أن «افتتاح السفارة الماليزية في فلسطين، حتى لو كانت في الأردن، سيعمل على تسهيل إدارة شؤون الفلسطينيين في ماليزيا، سواء طلاب أو رجال أعمال، فحجم الوجود الفلسطيني في ماليزيا يستوجب افتتاح مكتب أو سفارة أو قنصلية في المنطقة».

مسلم عمران، رئيس منظمة الثقافة الفلسطينية بماليزيا، وأحد الشخصيات القيادية بالجالية الفلسطينية، قال لـ «عربي بوست» إن «الإعلان الماليزي عن افتتاح سفارة لفلسطين يعبر عن الالتزام التاريخي لماليزيا تجاه القضية الفلسطينية، وتأكيد شخصي من رئيس الوزراء على مواقفه التي تمثل بهذه المرحلة الحرجة من تاريخ القضية الفلسطينية رافعة يمكن البناء عليها».

وأضاف  عمران، المقيم بماليزيا منذ 15 عاماً، وهو أحد المفاتيح المهمة في علاقة ماليزيا بالقضية الفلسطينية، أن «مواقف الحكومة الماليزية مواقف جادة ومشهود لها تجاه القضية الفلسطينية، ومن أوائل الدول المعترفة بدولة فلسطين، والتي رحبت بإقامة سفارة فلسطينية في كوالالمبور».

وقال مسلم عمران إن «الدعم الماليزي للفلسطينيين يتمثل بمحاور عدة، أولها السياسي والدبلوماسي، فماليزيا من الدول السبّاقة بدعم المبادرات الفلسطينية، وثاني محاور الدعم الصعيد الإنساني، فالمنظمات الإغاثية الماليزية من أنشط المنظمات في العالم الإسلامي في دعم القضية الفلسطينية، وجهودهم في غزة واضحة».

وأضاف أن» العلاقة تاريخية مع منظمة التحرير وحركة فتح، وبعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006، وصمودها في الحروب الإسرائيلية على غزة طورت ماليزيا علاقتها معها، وتصاعدت خلال السنوات الأخيرة، وأصبحت من أوثق العلاقات».

ورحب وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي بقرار ماليزيا، باعتباره مبادرة مباركة تصدر عن قيادة ماليزية شجاعة ذات رؤية ملتزمة بدعم القضية الفلسطينية، لا ترهبها التهديدات والضغوط التي تتعرض لها من بعض القوى العالمية.

لكن مصدراً مسؤولاً بوزارة الخارجية الفلسطينية، أخفى هويته، أبلغ  «عربي بوست» بأنه «يجري البحث والتنسيق حالياً عبر عقد حوار مفتوح بين الأردن وفلسطين من أجل التوصل إلى صيغة مقبولة للجميع لإقامة السفارة الماليزية في فلسطين على الأراضي الأردنية».

وقال:  «الرغبة الماليزية لإنشاء السفارة في الأردن تقوم على أنها سفارة مؤقتة إلى حين توفر الظروف المناسبة، لكننا نبحث عن الأعراف الدبلوماسية التي قد تسمح بذلك».

تعتبر الجالية الفلسطينية في ماليزيا الأكبر في جنوب شرق آسيا، وتقدر بأربعة آلاف فلسطيني، معظمهم من الطلبة وعائلاتهم، حيث تسهل الدولة الماليزية دخول الفلسطيني حامل جواز السلطة الفلسطينية دون تأشيرة، لكن أعدادهم تزايدت مع اندلاع الثورة السورية، واستهداف المخيمات الفلسطينية هناك.

ومن العوامل المشجعة للفلسطينيين على القدوم لماليزيا؛ طبيعة الشعب الماليزي المحب لفلسطين والقدس وغزة، وتفاعله مع أحداثها، فلا يكاد يمر يوم دون فعالية حول فلسطين، فيما حافظت حكومتها على مقاطعة الاحتلال، ومساندة القضية الفلسطينية، ووقوفها على مسافة واحدة من الفصائل الفلسطينية.

شريف أبوشمالة، رئيس مؤسسة القدس ماليزيا، وعضو مجلس إدارة المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج، فرع ماليزيا، قال لـ «عربي بوست» إننا «نرحب بقرار فتح السفارة الماليزية، ونعتبرها خطوة في الاتجاه الصحيح، وغير مستغربة من ماليزيا، لأنها امتداد لسجل حافل من الدعم الماليزي من الحكومة والشعب والمنظمات غير الحكومية للشعب الفلسطيني، ونأمل أن تكون السفارة الماليزية قادرة على تسهيل شؤون الفلسطينيين، على أن يتبعها قنصلية في غزة تسهل على الطلبة الفلسطينيين في كوالالمبور شؤونهم».

وشهدت ماليزيا في السنوات الأخيرة انطلاق عدد من المنظمات المحلية غير الحكومية التي كرست نفسها للعمل من أجل القضية الفلسطينية، ونشطت في مسارات جمع التبرعات والتوعية والمناصرة مثل منظمة «أمان فلسطين» و «أقصى شريف»، وإنشاء المؤسسات المهتمة بالجالية الفلسطينية، كمنظمة الثقافة الفلسطينية الماليزية PCOM، ومؤسسة القدس- ماليزيا، التي تحشد الشارع الماليزي في مظاهرات أمام السفارة الأمريكية احتجاجاً على الإجراءات الإسرائيلية في المدينة المقدسة.

كما استضافت ماليزيا سلسلة زيارات متتالية نظمتها وفود قيادية من حماس، مما يشير لتنامي علاقاتهما، في وقت تواجه فيه الحركة حصاراً سياسياً مشدداً من قبل العديد من الدول، وجرت العادة أن يكون برنامج زيارات قادة حماس لماليزيا مزدحماً بلقاءاتها بمعظم القيادات السياسية الماليزية، من الحكم والمعارضة، في مشهد لا يتكرر كثيراً لدى زياراتها لمختلف الدول والبلدان.

ويبدي الفلسطينيون تفاؤلاً واضحاً في أن تكون السفارة الماليزية  وإن كانت ستعمل من الأردن، تعزيزاً للدور الماليزي في الدفاع عن القضية الفلسطينية، لاسيما في المحافل الدولية، في وقت يواجهون فيه ضغوطاً أمريكية، وانشغالاً عربياً رسمياً عنهم، انطلاقاً من أن ماليزيا علاقاتها طيبة مع جميع الفلسطينيين، فهي تعترف بحماس والسلطة الفلسطينية، وتحافظ على مسافة متساوية مع جميع الأطراف الفلسطينية، وتدعم توجهاتهم السياسية، ولا ينفك رئيس الوزراء الماليزي يذكّر العالم بالقضية الفلسطينية في المؤتمرات الدولية.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى