منوعات

ما بنته الوهابية في ثلاثين سنة وما دمرته أحلام بالسعودية في ساعة واحدة!

بينما كنت أقلب الأخبار لاختيار
الأخبار المناسبة لنشرة أخبار اليوم لفت انتباهي خبر، وتوقفت عنده كان الخبر يتحدث
عن الفنانة المعروفة أحلام وشباب سعودي غاضب وحفلة، قلت لعل الشباب غاضب من الحفلة
نفسها ومن إحياء الحفلات في بلاد الحرمين فهذا أمر طبيعي لجيل تربى تحت رحمة هيئة
الأمر المعروف والنهي عن المنكر وعلى المحاضرات والخطب وبعض التقييد للحريات خاصة
الدينية، وسوق له كأنه يعيش في عهد الصحابة وبدايات الدعوة الإسلامية، وقلت في
نفسي إنه أمر طبيعي أن ينكر هذا الجيل حفلة غناء لأحلام وغيرها من الفنانين
والمغنين لكن الخبر كان يسير في اتجاه آخر، الغضب لم يكن من إحياء الحفلات الغنائية
في بلاد الحرمين بل على ثمن التذاكر وغلائها، والجميع كان يتهافت لحضور حفلة
الفنانة أحلام كما تهافتوا إلى حفلات شيرين عبدالوهاب وراغب علامة وعمرو دياب
ومغنين أجانب، فقد استبدل القوم هيئة المعروف بهيئة الترفية.

ليس العيب في الترفيه ولا في السياحة ولا في الفن فهو جزء من المعاصرة لا بد منه، العيب الحقيقي هو أن تظل تغلق بيتك طوال ثلاثين عاماً على فكرة معينة وتفرضها على ناس وتصور لهم أنها هي الدين لا غيرها، وعندما تفتح باب بيتك للحظة يهرب الجميع وتبقى وحدك، ما بنته الوهابية في ثلاثين عاماً تحطمه مغنية كأحلام في ساعة فيسرع إليها الشباب ويتركونك تغرد خارج السرب، بل والأدهى أن يخرج رموز دعوتك الوهابية ويعتذروا عن دعوتهم على الملأ كحال الشيخ المعروض عائض القرني.

العيب ليس في الشباب السعودي ولا في
الفن، العيب في الأفكار المتشددة، في التزاوج الباطل بين السلطان الجائر والشيخ
المتاجر بدينه وتلك فرق ساقطة ودعوات زائلة عبر التاريخ والمصيبة أنها حين تسقط
فسقوطها من النفوس أولاً قبل سقوطها من العقول، ثم تلفظها الأرض والناس والزمان
والتاريخ.

وإن ما تشهده المملكة العربية
السعودية لهو نهاية فرقة متدينة متشددة جثمت على قلوب الناس أعواماً وصورت
لهم  ديناً، كله عصبية وتشدد وفرض لا قناعة فيه.

ولقد قالها ابن باديس ذات يوم:
«إن الإسلام دين قلب وعقل وقناعة فلا خير في دين مصطنع».

لقد ظلت الوهابية منذ القرن الثامن
عشر تحتكر الدين في نفسها وتكفر غيرها من المذاهب، فالفرقة التي قامت على رفات
الأشعرية والصوفية هي نفسها التي ضربت السلفية الدينية في مقتل حين أساءت لدين
فعلاً وقولاً، وتدخلت حتى في علاقة العبد بربه فسيرت الناس في الشوارع لمراقبة
صلاة الناس وعبادتهم، والصلاة صلة بين العبد وربه، وهو  ما لم يسبق إليها،
والوهابية التي تمجد ابن تيمية شيخ الإسلام والجوزي شوهت صورة الرجل وأظهرته في
ثوب المتطرف وله ماله في نفوس الناس زماناً ومكاناً.

والفرقة التي تتبنى المذهب الحنبلي
وهو إمام الصامدين الذين يقولون كلمة حق في وجه سلطان جائر وقد دفع رجله نفسه
ثمناً لكلمة، هي ذاتها الفرقة التي تسكت عن الحق البين وتؤيد الحاكم ولو قتل النفس
التي حرم الله إلا بالحق جهاراً ونهاراً، وإسطنبول وقنصليتها شاهدة وليسألوا صنعاء
وعدن وتعز وحضرموت عن أمير يقتل الجار المسلم في الشهر الحرام وغيره ما حكمه في
الإسلام؟

والطائفة التي تدعي الانتساب للسنة
والجماعة هي ذاتها التي تكفر كل الفرق الأخرى، وسطيين ومعتدلين، وأما الليبرالية
عندهم والعلمانية فكفر بواح وخروج من الملة.

إن مثل هذه الفرق زائل عبر الأزمان

فالفرق الدينية التي تعيش تحت عباءة
السلطة والدولة تسقط بسقوطها، ذاك قانون التاريخ وسلطانه وخاصة الدول المستبدة
التي تلبس لباس التدين وهو منها براء.

لقد لبس المعتزلة لباس المأمون
والبرامكة إبان العصر العباسي وأرادوا فرض أفكارهم وضرب العقيدة والسنة في مقتل
بقولهم إن القرآن مخلوق وإن الفاسق لا يدخل النار ولا جنة وغيرها، وأرادوا من خلال
المأمون إجبار ناس على فكرهم وأراد المأمون الاحتماء بهم فاستبد وعذب وهلكوا
بهلاكه.

ولقد لبس العبيديون والأشاعرة لباس
الدولة الفاطمية، وتلك  القاهرة شاهدة وأرادوا فرض فكرهم الشيعي المتصوف على
الناس فسقط سلطان الفاطميين وسقطوا معه حين لفظهم الناس.

ولقد  لبست الكنيسة وكهنتها من
أرثوذكس وكاثوليك لباس القياصرة في أوروبا، وزينوا لقياصرتهم قتل الناس وترهيبهم
وفصلوا لهم الدين على مقاس القيصر ولكل حاكم مقاسه غير أن الثورات لفظتهم
وأزالتهم، وكان من أسباب الثورات الاستبداد الديني وقد تم فصل الدين إلى يومنا هذا
عن السياسة وقال الناس في أوروبا ماله لله ومال القيصر لقيصر.

وكذلك حال الوهابية اليوم التي ساهمت
الأحداث المتسارعة في العالم العربي في فضحها، خاصة ما بعد 2010، فكان للربيع نصيب
الأسد في كسر شوكة الوهابيين، فالفرقة التي أحلت الجهاد في سوريا بزعم قتل
الأبرياء هي ذاتها التي أحلته، وفي مصر واليمن، والسبب واضح فاضح هو موقف السلطة
السعودية من الأحداث في مصر وسوريا.

وكان صعود الأمير صاحب أطول منشار في
العصر الحديث ولي العهد محمد بن سلمان القشة التي قصمت ظهر البعير، فوضع شيوخ
الوهابية في اختبار عسير مع منح المرأة حق السياقة ودخولها للملاعب والحفلات
الغنائية  فتغيرت الفتاوى من التحريم الجازم للتحليل، فلا منزلة عندهم بين
المنزلتين، فإن غزا الأمير غزوا وإن سالم سالموا.

أما عن قتل الجار والاستيلاء على
أرضه وحصار آخر في الشهر الحرام فهو مباح ما أباحه الأمير، فنحن كنا في غفلة
وقادنا الأمير الصاعد لصحوة والدين المستقيم العهدة على الراوي.

إن الوهابية هي نتاج التطرف وموروث
الاستبداد والتزاوج بين حكم المستبدين ورغبات المتدينين، وهو زواج باطل
فالفرقة التي قامت على رفات الأشعرية والصوفية والمعتزلة  هي ذاتها التي أنتجت أحد أكبر التنظيمات تعصباً
وتطرفاً  وهو تنظيم القاعدة بالاسم الأب الفعلي لتنظيم الدولة داعش،  وهي فرقة ظهر كذبها واكتشف الناس خداعها وحتى
بنوها لفظوها في لحظة وثبت أن كلمات أغنية من شيرين عبدالوهاب كان لها وقع تأثير
على الناس أكثر من آلاف المحاضرات طوال ثلاثين عاماً من أتباع الوهابية، حتى قال
الناس على سبيل السخرية المحزنة إن الأمير نقل بلاده من فكر ابن عبدالوهاب إلى
فكرة شيرين عبدالوهاب وغيرها من الفنانين، فضاعت الدولة والهيبة وحتى السمعة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى