تقارير وملفات إضافية

الثورة على الثورة.. كيف أضر توسع النفوذ الإيراني بالتدين الشيعي؟

رغم وصول النفوذ الإيراني في العالم العربي لمستوى غير مسبوق وصفه بعض المسؤولين الإيرانيين بأنه إمبراطورية فارسية جديدة تسيطر على أربع عواصم عربية، إلا أن الاحتجاجات الأخيرة تكشف أن توسع النفوذ الإيراني تسبب في تراجع المؤمنين بثورية البلاد والأهم أن النفوذ الإيراني أدى لتراجع التدين الشيعي.

فالاحتجاجات في بغداد والشلل الذي أصاب الحياة في بيروت ونيران الاضطرابات في طهران، كلها أمور جعلت الأشهر القليلة الماضية صعبة على إيران في الداخل.

وأكبر التحديات التي تواجه إيران في مناطق نفوذها، ليس بسبب المناورات في ساحات القتال أو الهيئات التشريعية – ولكن قوة الحركات الاحتجاجية، حسب ما ورد في تقرير لصحيفة  The Guardian البريطانية.

في مطلع الأسبوع الماضي، عُزلت إيران لمدة أربعة أيام بسبب حجب الإنترنت.

وحتى بالنسبة للقيادة الاستبدادية في البلاد، كان هذا إجراء قاسياً. لكن هذه هي الرهانات بالنسبة لنظام يواجه عقبات متزايدة في مناطق نفوذه الممتدة المراكز الشيعية الرئيسية في المنطقة.

وبالنسبة لمن يمتدحون صعود إيران وأيضاً من يخشون ذلك، فالكل يشعر أنها في حيرة من أمرها حول كيفية الرد.

كان التعامل مع الاحتجاجات المتواصلة المناهضة للحكومة في العراق، والتي تعد إلى جانب لبنان ضرورية لتقديرات وخطط إيران الخارجية، نمطياً ومبتذلاً حتى الآن.

إذ قوبلت الأسابيع الأولى من الانتفاضة الشعبية بخطب تهدئة من القادة العراقيين، وموقف سلبي من قوات الأمن. لكن هذا تغير في أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ومنذ ذلك الحين، قُتل أكثر من 300 شخص وأصيب الآلاف بجروح عندما غيَّر قادة العراق -بتوجيهات من جنرالات إيران- خطتهم.

لقد قُضي على أي فكرة للتوافق. وبدلاً من ذلك، أصبح ضجيج الرصاص والقنابل اليدوية وصفارات الإنذار مثل الموسيقى التصويرية للمظاهرات في بغداد المطالبة بالإطاحة بالنظام السياسي بأكمله.

ورغم أن الاحتجاجات تستهدف قضايا محلية –مثل الكسب غير المشروع من جانب قادة العراق وانعدام فرص العمل للشباب- فإن سنوات ما بعد صدام شهدت إقحام إيران نفسها في جميع جوانب الحكم في العراق تقريباً.

كما أن دورها كسيد أعلى أثار حفيظة المحتجين -مثلما حدث في لبنان، حيث يلعب ذراع إيران الأهم في سياستها الخارجية «حزب الله» دوراً رئيسياً في شؤون البلاد.

فمنذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة والذي أطاح بالرئيس العراقي وخاصة منذ انسحاب القوات الأمريكية من العراق في عام 2011، غرست إيران نفسها بشكل منهجي في كلا البلدين. فيما أضافت الحرب في سوريا المزيد من الزخم إلى مكاسبها الإقليمية، مثلما فعلت أيضاً الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، التي سمحت لقواتها بالوكالة بالتمركز في سهول غرب العراق وشرق سوريا للمساعدة في هزيمة الجماعة الإرهابية.

ومع بدء هزيمة تنظيم داعش منذ أواخر عام 2015، أصبحت كل منطقة ساحة لمشروع إقليمي يصب في مصلحة إيران لتحقيق طموحاتها طويلة الأمد لتعزيز وجودها على سواحل البحر المتوسط ​​والحدود الشمالية لإسرائيل.

فقد حصلت إيران على حصة في ميناء اللاذقية السوري، وثبتت أقدامها على مرتفعات الجولان السورية، إلى جانب خط إمداد بري من طهران إلى لبنان عبر أنقاض العراق وسوريا.

ويرى الصديق والعدو على حد سواء أن التطورات تعد مكسباً استراتيجياً لا يقدر بثمن بالنسبة لتقديرات إيران حول إسرائيل ونفوذها في العالم العربي.

فلم يخجل وكلاء إيران في بغداد وبيروت عند وصف معنى الممر الأرضي لطموحات إيران. إذ قال عضو بارز في الميليشيا العراقية «عصائب أهل الحق» لصحيفة The Observer البريطانية في أغسطس/آب الماضي: «منح هذا وجوداً تاريخياً للجمهورية الإسلامية على الأرض العربية وهو ما سيغير وجه المنطقة. الصهاينة يعرفون ذلك ويخشونه».

ويرى مسؤولو الاستخبارات الإقليمية وقادة الميليشيات العراقية أن الطريق البري عبارة عن مزيج من الطرق على طول الحدود العراقية / السورية، حيث لم يُنشئ طريق أساسي بعد.

لقد أثبتت الغارات الجوية الإسرائيلية في المنطقة أنها مدمرة مثل رحيل القوات الأمريكية الفوضوي -ثم إعادة مجيئها- ووجود داعش الذي لا يزال مُقلقاً. وبعيداً عن المنطقة الحدودية، فإن الطرق المؤدية إلى دمشق ومن الغرب إلى بيروت، أو إلى الشمال الغربي من اللاذقية تعد أقل خطورة، إذ قال مسؤول في بغداد: «من الصعب رصد كيف تسير الأمور من هناك».

على مدار السنوات الثماني الماضية، ظل الدبلوماسيون الغربيون يختلفون فيما بينهم  حول ما يعنيه تفكك سوريا بالنسبة لإيران وحزب الله، الذي لعب دوراً بارزاً في تثبيت نظام بشار الأسد منذ مطلع عام 2013. وبتوجيهات من اللواء قاسم سليماني، وهو أحد قادة الحرس الثوري الإيراني، غيَّرت ميليشيات حزب الله والميليشيات الشيعية ووكلاء من العراق واليمن وأفغانستان وباكستان مسار الحرب لصالح الأسد، وتعزيز النفوذ الإيراني.

وفي مطلع هذا العام، كانت إيران تمسك بزمام الأمور في أربع عواصم خارج طهران، وكانت تسعى لكسب مزيد من الزخم.

لكن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في وقت سابق من هذا العام بالانسحاب من الاتفاق النووي، الذي وقع عليه الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وإعادة فرض عقوبات أكثر صرامة على طهران، كان بمثابة لحظة فارقة.

إذ كانت العقوبات بمثابة حرب اقتصادية، انتقدها الكثيرون في الشارع الإيراني باعتبارها ظلماً فادحاً فرضه خصم متلون لم يكن يرغب منذ عدة سنوات إلا في ممارسة الأعمال التجارية.

وفي ظل تراجع الاقتصاد الإيراني الآن، احتج بعض الإيرانيين على رفع أسعار الوقود. ومع وجود ضغوط على عوامل نفوذها في أماكن أخرى، يخضع قادة إيران الآن للحساب، ربما لا مثيل له في فترة ما بعد صدام. ورغم ذلك لا تزال مكاسبها آمنة حتى الآن.

وقال أحد الدبلوماسيين الغربيين: «استخدمت إيران بلا شك الفوضى في سوريا لتعزيز سيطرتها على الطرق الاستراتيجية المؤدية إلى لبنان». وقد سمحت سوريا لإيران بإحراز تقدم هائل فيما يتعلق بعمليات نقل القدرات العسكرية. فبالنسبة لحزب الله، أصبحت سوريا مجرد مخزن للمعدات العسكرية الحساسة.

وقال جون جنكينز، وهو أحد أقدم السفراء الإقليميين لبريطانيا، الذي قاد البعثات في بغداد والرياض ودمشق والقدس الشرقية: «في فترة ما تردد صدى المزاعم الإيرانية بالدفاع عن المظلومين ومعاقبة الفاسدين على نطاق واسع في المنطقة».

ولكن ما تبقى من ذلك هو مجرد صدى بعيد متلاشي – حسبما حذر العديد من علماء الشيعة.

ونرى عواقب ذلك في ردود أفعال المتظاهرين العراقيين واللبنانيين والإيرانيين الشيعة الآن الذين سئموا من اعتبارهم أدوات ويريدون حياة أفضل الآن وليس في جنة الخميني.

إذ يلمح الكاتب إلى أن النفوذ الإيراني أدى لتراجع التدين الشيعي بعد أن أصبح القمع يتم باسمه بعدما كان المذهب في نظر أتباعه ملاذاً للمظلومين (في العراق على سبيل المثال تتركز الاحتجاجات التي تتسم بمثابرة كبيرة في الأوساط الشيعية).

فلا يمكن لإيران فرض إرادتها الآن إلا بالعنف.

وهذا ربما لا يزال يجري في الوقت الراهن. ولكن نشبت ثورة ضد النظام بسبب تشكيله منظومة متشابكة من الحرس البريتوري. فيما تقلص مجتمع المؤمنين الحقيقيين. 

وهذا ربما لا يزال يجري في الوقت الراهن. ولكن نشبت ثورة ضد النظام بسبب تشكيله منظومة متشابكة من الحرس البريتوري. فيما تقلص مجتمع المؤمنين الحقيقيين. 

فبمجرد إلقاء نظرة على ممارسة الشعائر الدينية في إيران، تجد أنه قد انهار. وأي سلطة أخلاقية حقيقية لدى الثورة قد اختفت.

«كانت سوريا بمثابة نقطة تحول هائلة. والعراق الآن أصبح واحدة أخرى. وبدأنا نرى المتظاهرين يتحدثون مع بعضهم البعض عبر الحدود الداخلية. إنها عملية تآكل.

وربما يكون المؤمنون الحقيقيون الباقون هم من اليسار الأوروبي الذين يعتقدون أن إيران هي حصن ضد الاستعمار الليبرالي الجديد الموجه من جانب الولايات المتحدة إلى الشرق.

«لقد أصبحت إيران دولة عادية -مجرد دولة قمعية أخرى في الشرق الأوسط تحكمها نخبة جشعة تخدم نفسها ولا يمكنها حتى تخيل -ناهيك عن القبول- كيف يحدث التطور السياسي السلمي».

في لبنان، حيث خرجت حركة متعددة الطوائف إلى الشوارع بسبب انهيار اقتصاد البلاد.

ظل النظام السياسي يحافظ بالدولة الضعيفة، لكن ذلك بات أمراً غير مقبول، غير أن إيران نصبت نفسها عبر حزب الله كحاجز أول ضد تغيير طمح إليه اللبنانيون أجيال وراء أجيال، وجعل الحزب نفسه حامياً لنظام طائفي لم يشيده بل كان ينتقده دوماً، ولكنه الآن أصبح أكثر المستفيدين.

ففي بيروت وبغداد على السواء، يبدو أن المحتجين عبروا نقطة اللاعودة، إذ سيخسرون بمغادرة الشوارع أكثر مما يبقون فيها .

وتابع الدبلوماسي الغربي: «وهذا شيء لم تواجهه إيران من قبل. وستُحدد طريقة تناولها للأحداث مدى بقاء إنجازاتها».

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى