ثقافة وادب

مذكرات ميشيل أوباما (1)| كيف كان العرب أغبياء في نظرتهم لأوباما؟

خيَّب أوباما آمال العرب أكثر من
أي رئيس أمريكي آخر، وربما كان ذلك لحجم ما وضعوا من آمال عليه، استندت هذه الآمال
إلى كونه أسود، مما عني للعرب المشاركة الوجدانية بين الضعفاء، وعلقوا آمالاً على
جذوره الإفريقية المسلمة، والذي يقرأ مذكرات ميشيل أوباما يحس بأن العرب
وقضاياهم لم يكونوا يوماً يشغلون موقعاً مهماً من تفكير الرئيس الأمريكي أو شعبه ، أسامى بن لادن من بين كل العرب هو الذي أثار
اهتمامه، لدرجة أن التخلص منه كان إحدى القضايا الكبرى التي التزم بها أوباما أمام
شعبه.

مذكرات ميشيل أوباما صدرت عام
2018، ويحمل غلافها ما يشير إلى أنها تصدَّرت الكتب الأكثر مبيعاً  حول
العالم، وأعتقد أنها تستحق أن تكون كذلك، ولذا فقد صدرت ترجمتها بالعربية سريعاً،
ورغم أن الكتاب يشير إلى قيام ثلاثة مترجمين بهذا العمل، فإن الأسلوب حافظ على
رونقه الجميل وأسلوبه الشائق، الأمر الذي يشير إلى أن الكتاب بِلُغته الأصليه جاء
مشوقاً وذا لغة جميلة، هنا من الصعب أن تصدق أن الكتاب هو من كتابة السيدة أوباما نفسها،
فلغته لا تتأتي بسهولة إلا لمحترفي الكتابة، وأسمح لنفسي هنا بالظن أن ما لم يُشِر إليه الكتاب هو ربما أن السيدة
أوباما كانت راوية فقط، أي أنها روت الأحداث والمشاعر التي  انتابتها مع هذه
الأحداث، ثم تعاقدت مع أحد محترفي كتابة السير في أمريكا، وهذه الطريقة في الكتابة
أيضاً شعرت بها يوم قرأت مذكرات هيلاري كلينتون، وإن كانت مذكرات هيلاري كلينتون
تركز على حياتها يوم أن  كانت وزيرة للخارجية، فإن هذه المذكرات إنما تتحدث
عن حياة ميشيل أوباما كزوجة للرئيس، وحيث إن أمريكا أضخم من أن يتم فهمها بعمق من
كتاب أو كتابين، وحيث إن أمريكا تظل فاعلاً رئيسياً في العالم، فسيظل ما يصدر من
كتابات عن الساسة الأمريكان حرياً بالمتابعة وجلب الاهتمام.

تتحدث السيدة أوباما عن نشأتها في
أحد أحياء السود في شيكاغو، وانتمائها إلى جد عبد مهاجر أسود، الوالد لم يكمل
تعليمه نظراً لتراكم الأقساط التعليمية عليه وكذلك الوالدة، ولكنهما كانا قادرين
على شحن ولديهما بالأمل والتطلع المتفائل نحو المستقبل، في ثلاثينيات عمره أصيب
الوالد بمرض التصلب العديد وكافحه بطريقة تبدو مبدعة وهي التجاهل وتجنب الأطباء،
بدأ الأمر بعرج خفيف ثم بالاعتماد على العكازين والاقتصاد في الحركة، وبالطبع فلم
يكن وعائلته قادرين على العلاج حيث لا تشملهم قوائم التأمين الصحي.

 الحي الذي عاشت فيه من
الأحياء التي أطلقت عليها اسم غيتو للسود، وهي في معظمها أحياء كانت تقطنها أغلبية
بيضاء منذ عقود لكنها ومع الوقت وحيث بدأ السود يسكنونها تحولت إلى أحياء شبه خاصة
بهم؛ إذ رحل منها البيض، وهناك إشارات إلى أن رحيل البيض عنها كان في حقيقته
أنَفَة من مجاورة السود، في الزيارة التي قامت بها العائلة لجيران لهم انتقلوا إلى
إحدي ضواحي شيكاغو، أحسوا بأنهم قد أحرجوا مضيفيهم، وذلك بالإعلان للسكان من حولهم
أن جيرانكم الجدد لم يكونوا في الحقيقة من البيض، وعاقبهم مجهول بأن أحدث خطأً
فاقعاً في طلاء سيارتهم، أمر أزعج أباها الذي كان يعتز بسيارته، لكنه صمت ولم
يواصل الشكوى، كعادة كل مغلوب على أمره لا ينتظر إنصافاً.

تقيم الأسرة في الطابق العلوي
لمنزل يعود لعمتها التي تسكن الطابق السفلي، منزل هُيِّئ لسكنى نفر واحد، احتل الأبوان
غرفة النوم واحتلت ميشيل وأخوها المساحة التي كانت مخصصة للمعيشة أو للضيوف، وفي
المرة الوحيدة التي حاول أبوها تملك منزل سرعان ما تراجع، إذ أدرك أنه سيخسر
مدخراته التي يعدها ليوم أسود، خاصة أنه قد بدأت حالته الصحية تتدهور. تتحدث ميشيل
عن عائلة جديها وجذورهم ومعاناتهم مع الحياة منذ وصل أجدادهم من إفريقيا، وكذلك عن
صعوبة أن يحصل أحد منهم على درجة جامعية، أو وظيفة مستقرة فقط لسواد بشرتهم؛ حيث
يفضل البيض الأقوياء توظيف أمثالهم، مما يعني انحدار السود إلى الجريمة وإدمان
الخمر والمخدرات، لكنها أيضاً تبرز كفاح أسرتها لتحسين وضعهم في المجتمع، وإيمان
أسرتها بالحلم الأمريكي الذي سيوصلهم إلى حياة أفضل ويساعدهم في الارتقاء بوضعهم
الاجتماعي، ومن ذلك أن الكثير من أفراد أسرتها كانوا مولعين بالموسيقى سماعاً
وعزفاً. حاول الأبوان أن يزرعا في ابنيهما الكثير من المهارات ومن بينها مهارة
الإلقاء اللغوي السليم، مهارتها اللغوية استفزت يوماً زميلة بيضاء فهاجمتها
بالقول: لماذا تتحدثين كفتاة بيضاء؟ تعلق بأن أبويها لم يكونا يريدان أن يكون
أبناؤهما أذكياء فحسب بل أن يمتلكوا ذكاءهم وأن يسكنهم بفخر، مما أدى إلى التأثير
في طريقتهم في الكلام، لتصبح بيضاء وتبدو وكأنها خيانة وإنكار لثقافة السود، كان
الارتباك متجسداً دائماً في الوطن بين البيض والسود على حد سواء.

وباختصار كانت مشاعر الفشل تطارد
السود الإفريقيين في كل مكان من أمريكا، وكان والدا ميشيل يعملان جاهدين حتى لا
يستسلم أبناؤهما لتلك المشاعر، رغم أن كل ما حولهما في الغيتو الإفريقي كان
يدفعهما لذلك، الشارع والمدرسة والحديقة والملعب، كلها كانت تعزز هذا الشعور.

تدرجت ميشال في التعليم حتى وصلت
للدراسة في جامعة برينستون التي كان أخوها كريغ قد سبقها إليها، في بدايات
التحاقها بالجامعة سكنت غرفة واحدة مع فتاتين من البيض، كانتا في غاية اللطف
والرقة، انسحبت إحداهما من السكن، وبعد ذلك صرحت بأن أمها ذُعرت عندما علمت أنها
تساكن فتاة سوداء.

في جامعة برينستون درست علم
الاجتماع وكانت تتهيأ لدراسة الحقوق في هارفارد، وهنا وجدت وظيفة مرموقة في شركة
محاماة في شيكاغو، وكان عملها يتضمن المساعدة على تثقيف الجيل الجديد من المحامين
الشبان الذين تفكر المؤسسة في توظيفهم، وهكذا تعرفت على باراك أوباما.

كان أوباما يدرس الحقوق في
هارفارد، ، وقد ذكرت أستاذته في خطاب التوصية أنه الأكثر موهبة بين طلاب الحقوق
الذين عرفتهم كافة، وأنه شخص استثنائي وجذاب. وخلال فترة التعارف وجدته مغرماً
بالعمل العام واسع الطموح. وفي إحدى الدورات وكان يدرب في إحدى الإبراشيات الخاصة
بالسود، وذلك من خلال عمله في مجال تنسيق الشؤون الأهلية. عرفه عمله في هذا المجال
على مشاعر السأم المتجذرة في نفوس الناس، وخاصة السود، وذلك بفعل قوى التهميش
المجتمعي. خلص باراك في نهاية الدورة التدريبية للقول بأنه لم يركز في حياته على
الجوانب المحبطة التي قد تصيب كل أمريكي من أصل إفريقي، ويتابع بل تعلمت من خلال
نشأتي أن أفكر بإيجابية، وفي نهاية الدورة قال بحماس: إما أن تستسلموا أو تسعوا
نحو التغيير. سأل الحاضرين: ما الأفضل لنا؟ أن نقتنع بوضع العالم كما هو، أم نعمل
لكي يتحول العالم إلى ما ينبغي أن يكون؟ كانت جملة مقتبسة من أحد الكتب التي قرأها
وكانت الفكرة التي تحفز باراك: العالم كما ينبغي أن يكون.

لم تكن ميشيل تثق في العمل السياسي
كباراك، بل كانت ترى أن السياسة تعمل لإقصاء السود وإبقائهم في مواقع متدنية وعلى
مستوى متواضع من التعليم، ورغم أن أباها عمل رئيساً لدائرته في الحزب الديمقراطي
واستمتع بهذا العمل لكن المحسوبية السياسية السائدة في عمله الذي يتبع البلدية
كانت تجعله محبطاً على الدوام. بعكس باراك الذي كان يلاحق كل فرصة تلوح له في
العمل السياسي.

في بدايات عملهما السياسي عمل
الزوجان على إقناع الأقليات بالمشاركة في التصويت لأعضاء مجلس الشيوخ ورؤساء
الولايات الذين يدافعون عن حقوقهم، الكثير من السود لم يكونوا يشاركون، وبلغ عدد الذين
لا يسجلون أنفسهم في قوائم المقترعين في شيكاغو وحدها 400 ألف من السود. الرسالة
التي أراد الزوجان إيصالها، الاقتراع يمنح القوة. إذا أردتم التغيير، لا يمكنكم
البقاء في منازلكم يوم الاقتراع.

نجحت هذه الجهود في إيصال أول عضو
أمريكي أسود إلى مجلس الشيوخ، وإلى إزاحة بوش الأب بعد ولاية واحدة لصالح كلينتون،
وبلغ عدد المصوتين من السود نسبة ملحمية شجعت باراك على الارتقاء بطموحاته
السياسية. ولكن ذلك لم ينهِ تحفظات الزوجة على العمل السياسي، وعندما أصبح باراك
مرشحاً للكونغرس، الأمر الذي يقتضي أن يقضي نصف الأسبوع خارج المنزل الذي يقطنه مع
زوجته وابنته الأولى، وافقت ميشيل مرغمة على أمل أن تنتهي من هذا الأمر، فقد قدرت
أنه سوف يفشل، وأن ذلك سوف يحفزه لعمل شيء مختلف تماماً.

أدت انشغالات أوباما إلى وصول
زواجه لحافة الانهيار، فلجأ الزوجان إلى مستشار لشؤون الأسرة.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى