آخر الأخبار

الساعات الأخيرة قبيل هروب كارلوس غصن.. كلّم زوجته لمدة ساعة، وأطفال شاهدوه في الخروج الأخير من منزله

في خطوة مفاجئة، استطاع كارلوس غُصن، أحد أشهر المتهمين الجنائيين في
اليابان، تخطِّي كاميرات المراقبة المحيطة بمنزله، وتجاوز أفراد الشرطة وحرس
الحدود والمواطنين اليابانيين الذين تابعوا كل خطواته على مرِّ العام الماضي 2019،
والهروب إلى لبنان، وذلك الثلاثاء 31 ديسمبر/كانون الأول 2019.

هرب غصن، الرئيس المُقال لتحالف نيسان ورينو لصناعة السيارات، الذي
يواجه تُهماً بارتكاب مخالفات مالية، إلى لبنان، ولم يستطع أحدٌ في اليابان -سواءٌ
السلطات أو وسائل الإعلام أو حتى محاميه الشخصي- أن يشرح كيفية حدوث ذلك وفق تقرير
لصحيفة The New York Times الأمريكية. 

إذ قال جونيشيرو هيروناكا، محامي غصن في طوكيو، لمجموعةٍ من 40
مراسلاً صحفياً خارج مكتبه يوم أمس: «أريد أن أسأله: كيف استطعت أن تفعل ذلك
بنا؟». 

كان الهروب أشبه بالأفلام السينمائية، إذ نُفِّذ مباشرةً قبل عيد رأس
السنة، الذي يعد أهم عطلة في اليابان، ويشهد إغلاق الوكالات الحكومية ومعظم
الشركات لمدة تصل إلى أسبوع.

ويبدو أنَّ التخطيط للهروب قد جرى في لبنان. إذ قال أحد الأشخاص
المطلعين على الأمر إنَّ أحد محامي غصن في بيروت، أدَّى دوراً رئيسياً في وضع
الخطة
، وعمل وسيطاً بين غُصن والحكومة اللبنانية.

حيث قال مسؤولٌ في بيروت إنَّ غصن دخل لبنان باستخدام جواز سفر فرنسي،
بينما أفادت شبكة إعلامية لبنانية واحدة على الأقل، دون تقديم أي دليل، بأنَّ رئيس
نيسان السابق قد نُقِل سراً داخل صندوق مخصص للمعدات الموسيقية
.

اختار غُصن الفرار إلى لبنان، حيث نشأ وعومل معاملة الأبطال الشعبيين
منذ اعتقاله في اليابان في عام 2018. وذكرت صحيفة لبنانية أنَّه وصل إلى بيروت
على متن طائرة خاصة من تركيا. وبعد هبوطه هناك، أصدر بياناً ينتقد فيه
«النظام القضائي الياباني غير النزيه، الذي يفترض سلفاً أن المتهم مُذنب، الذي
يتفشى فيه التمييز والحرمان من حقوق الإنسان الأساسية».

قال في هذا البيان إنَّه على استعداد لسرد قصته لوسائل الإعلام
«ابتداء من الأسبوع المقبل». فيما ذكر الشخص المُطلع على الأمر أنَّ
خبير علاقات عامة أرسِل من الولايات المتحدة إلى بيروت للمساعدة في تنظيم مؤتمر
صحفي. 

هذا وما زال المسؤولون الحكوميون في اليابان يحاولون تجميع وقائع
عملية الهروب، بينما تلهث وسائل الإعلام المحلية، التي تنتقد ما حدث بشراسة، وراء
أي دليل. وتجدر الإشارة إلى أنَّ لبنان ليس لديها معاهدة لتسليم المجرمين مع
اليابان. فيما تساءل بعض الساسة في اليابان عمَّا إذا كانت هناك شخصيات غامضة أو
حتى حكومة أجنبية قد شاركت في عملية هروبه.

إذ سأل ماساهيسا ساتو، عضو مجلس المستشارين في البرلمان الياباني
والمسؤول الرفيع السابق بوزارة الخارجية اليابانية، على تويتر عمَّا إذا كان غصن
قد «حظي بدعم بعض البلاد» في هروبه.

كتب: «السماح بهروبه غير الشرعي من اليابان بهذه السهولة الكبيرة
يُمثِّل مشكلةً كبيرة».

فيما اتهم يويتشي ماسوزوي، عمدة طوكيو السابق، السفارة اللبنانية في
اليابان بالمساعدة في تهريب غصن.

إذ كتب دون تقديم أي دليل: «تهريب بطل لبنان الوطني يعد عملاً
دبلوماسياً». ومن جانبها لم ترد السفارة اللبنانية على محاولات الاتصال بها.

هذا، وذكرت هيئة الإذاعة اليابانية NHK، أنَّ ممثلي الادعاء
اليابانيين الذين بدا عليهم الذهول مما حدث سارعوا إلى مطالبة محكمة طوكيو بإلغاء
كفالة غصن، مما قد يجعله يخسر مبلغ الـ9 ملايين دولار الذي دفعه مقابل امتياز
العيش خارج السجن في أثناء انتظار محاكمته.

كان غصن قد سلَّم جوازات سفره إلى محاميه، كما أمرت المحكمة، بينما
كان يستعد للمحاكمة في حي راقٍ بوسط طوكيو.

فيما بدا محاميه كذلك مذهولاً من اختفائه على غرار طريقة الساحر
هاري هوديني
. وقال هيروناكا في تصريحاته أمام المراسلين خارج مكتبه في طوكيو
إنَّ رحيل غصن كان «غير متوقع على الإطلاق».

أضاف هيروناكا أنَّه لم يكن هناك أي دليل على أن غصن كان يستعد
للفرار، بل إنَّ كل شيء كان يوحي بأن غصن يستعد للدفاع عن نفسه في المحكمة.

تجدر الإشارة إلى أنَّ شروط كفالة غصن كانت تحُد من حريته في استخدام
الهاتف المحمول، وكان يقضي معظم أيامه في مكتب محاميه، وهو المكان الوحيد الذي كان
يُسمَح له فيه باستخدام الإنترنت. وعلى مرِّ عدة أشهر، كان يتنقل من منزله للقاء
محاميه والتحضير لمحاكمته.

طوال هذه الفترة، كانت الكاميرا التي أمرت المحكمة بتركيبها تراقب
مدخل بيته، وتُسجِّل دخوله إلى المنزل وخروجه منه. وكلما خرج، كان يظن أنَّ
السلطات والمحققين الخاصين من شركة نيسان يتبعوه في جميع أنحاء المدين ، وفقاً
لأشخاص مطلعين على الأمر.

قال هيروناكا إنَّ غصن تحدث إلى زوجته كارول حوالي ساعةً في 24
ديسمبر/كانون الأول الماضي. وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ ممثل الادعاء طلب من
القاضي منع الزوجين من الاتصال ببعضهما البعض بسبب مخاوف من تآمرهما للتلاعب
بالأدلة أو الشهود. وذكر هيروناكا أنَّ المحكمة منعت الزوجين من الاتصال ببعضهما
طوال عدة أشهر، مضيفاً أنَّهما لم يتحدثا إلَّا مرتين فقط منذ إلقاء القبض على غصن
في أبريل/نيسان.

مع ذلك، ظلَّ غصن على اتصال بعائلته، إذ زارته ابنته مايا في طوكيو،
وفقاً لأشخاص مطلعين على تحركاته. وفي بعض الأحيان، كانت الصحافة اليابانية تنشر
تقارير عن خروجه للتنزه مع أطفاله، وكانت تلك التقارير تظهر على شبكات التواصل
الاجتماعي، حيث كان المعلقون يتكهنون بمدى رفاهيته.

قال هيروناكا إنَّ الفريق القانوني قضى يوم عيد الميلاد في المحكمة
لمناقشة الاستعدادات لمحاكمة غصن، التي كان من المتوقع أن تُجرى في العام الجاري
2020. 

كان الفريق يعتزم الاجتماع مرةً أخرى يوم الثلاثاء المقبل 7
يناير/كانون الثاني، في أولى جلسات التخطيط للمحاكمة في العام الجديد.  

قال هيروناكا إنَّ جوازات السفر الثلاثة الخاصة بغُصن جميعها كانت
بحوزة محاميه. وكان ذلك أحد شروط حُكم الكفالة الذي لم يحصل عليه محاموه إلَّا بعد
محاولات متكررة وشاقة، لإقناع المحكمة بأنَّ موكلهم لن يهرب، نظراً إلى كل ثروته
وسلطته في اليابان. 

قال هيروناكا للصحفيين: «لقد ترك أشياءه هنا، كان من الصعب عليه
فعل ذلك دون مساعدةٍ من منظمة كبيرة».

يُذكَر أنَّ محاميِّ فريق الدفاع عن غصن وجَّهوا انتقاداتٍ متكررة إلى
النظام القضائي الياباني، واصفين إيَّاه بأنَّه نظام «عدالة الرهائن»،
واشتكوا من أن المحاكم اليابانية وممثلي الادعاء العام اليابانيين قد وضعوه في
مأزق يستحيل الخروج منه وهو يحاول الدفاع عن نفسه. 

من جانبه قال هيروناكا: «أردت أن أثبت براءته، ولكن عندما رأيت
تصريحه في الصحاف قُلت لنفسي: إنه لا يثق في محاكم اليابان».

هذا، وتلهث وسائل الإعلام اليابانية وراء أدلةٍ على ما حدث، لكنَّها
تواجه عوائق نظراً إلى قلة عدد الموظفين بسبب العطلات، وإغلاق المكاتب الحكومية
قبل عيد رأس السنة. فيما ذكرت هيئة الإذاعة اليابانية NHK أنَّ مسؤولي مراقبة
الحدود في اليابان ولبنان لم يكن لديهم سجلات تشير إلى خروج غصن من البلاد،
وتكهَّنت بأنَّه ربما استخدم جواز سفر مزوراً واسماً مستعاراً.

لكنَّ سليم الجريصاتي، وزير الشؤون الرئاسية اللبناني، قال في وقتٍ
متأخر من مساء أمس إن غصن «دخل البلاد بطريقةٍ قانونية باستخدام جواز سفره
الفرنسي وبطاقة هويته اللبنانية».

أشار الجريصاتي إلى إنَّ الحكومة اللبنانية لم تُخطَر سلفاً قبل
وصوله، مضيفاً: «لقد فوجئنا جميعًا».

قال: «لا علاقة للحكومة بقراره المجيء. ولا نعرف ملابسات
وصوله».

من جانبها قالت أنييس بانييه روناشير، نائبة وزير الاقتصاد والمالية
الفرنسي، إنَّها علمت بهروب غصن من التقارير الإخبارية. وذكرت في تصريحاتٍ لمحطة France Inter الإذاعية الفرنسية: «يجب أن نفهم ما
حدث».

أضافت أنَّ غصن ليس فوق القانون، وأنَّه «إذا فر مواطنٌ أجنبي من
النظام القضائي الفرنسي فسنكون غاضبين للغاية»، لكنَّها أشارت في الوقت نفسه
إلى أنَّ غصن يمكنه استخدام الخدمات القنصلية التي توفرها فرنسا، بصفته مواطناً
فرنسياً.

ذكرت صحيفة The Asahi Shimbun اليابانية، أنَّ هناك
مجموعة من الأطفال قد تكون من بين آخر الأشخاص الذين رأوه قبل مغادرته اليابان
.
وشبَّهت ظهوره المحتمل صباح يوم الجمعة الماضي 27 ديسمبر/كانون الأول، بظهور كائن
«بيغفوت»، أو وحش لوخ نس الأسطوري

قالت إحدى فتيات هذه المجموعة لمراسلٍ كان يمشط الشوارع المجاورة
لمنزل غصن بحثاً عن أدلة على اختفائه: «كان حاجباه بارزين». 

أضافت: «كُنا نقول لبعضنا بعضاً، أليس هذا غصن؟». 

ذكر أحد الأشخاص المطلعين على المسالة أنَّ الفريق الذي تكوَّن لتنفيذ
عملية التهريب، بدأ تنفيذ الخطة في نهاية الأسبوع الماضي، بمساعدة شركاء في
اليابان، حسبما نُشِر في صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية. إذ نُقِل غصن
سراً من مقر إقامته الخاضع لرقابة المحكمة في طوكيو على متن طائرة خاصة متجهة إلى
تركيا. ثم واصل غصن رحلته على متن طائرةٍ إلى لبنان، وهبط هناك في وقتٍ مبكر من
صباح يوم الإثنين، 30 ديسمبر/كانون الأول، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر. وهناك،
قابل زوجته كارول غصن
، التي أدَّت دوراً رئيسياً في العملية، على حد قول أولئك
الأشخاص.

في رسالةٍ نصية أرسلتها كارول إلى مراسل صحفي، وصفت لم شملها مع زوجها
بأنَّه «أفضل هدية في حياتي».

حيث قال أحد هؤلاء الأشخاص إنَّ غصن يعتزم تبرئة نفسه، بالسعي إلى
إجراء محاكمة في لبنان، التي تعد وطن أجداده، ومكاناً يُعتبر فيه بطلاً قومياً.
ويعتقد أنصار غصن أنَّ القانون اللبناني يسمح لممثلي الادعاء العام اللبنانيين
بالعمل مع نظرائهم اليابانيين لرفع قضية، لكنَّ ذلك سيكون في ظروف يعتبرها غصن
أفضل من تلك الموجودة في اليابان، وفقاً لهذا الشخص.

ويرجع سبب إقدام غصن على الهروب إلى ما اعتبره سوء المعاملة من جانب
النظام القضائي الياباني. إذ أمضى أكثر من أربعة أشهر في السجن، على فترتين، قبل
أن تأمر المحكمة بالإفراج عنه بكفالة في أواخر أبريل/نيسان الماضي. لكنَّه شعر
باستياء خاص تجاه القيود التي فرضتها المحكمة على اتصاله بزوجته، وفقاً لأشخاص
مطلعين على الأمر.

ثم أعطت المحكمة غصن ما اعتبره إهانةً مزدوجة لعيد الميلاد، حسب ما
ذكر أولئك الأشخاص. فأولاً، رفضت طلبه الاتصال بزوجته لقضاء الإجازات معاً. وفي
جلسة الاستماع التي عُقِدَت يوم عيد الميلاد، اعتقد غصن أنَّ المحكمة تتباطأ في
إجراءات المحاكمة، مما دفعه إلى الخوف من أنَّها قد لا تبدأ حتى مطلع العام المقبل
2021، على حد قول الأشخاص المطلعين.

وقال أحد أولئك الأشخاص: «لم يكن يستطيع رؤية زوجته، ولم يستطع
معرفة مواعيد محاكمته، لقد كان ذلك إذلالاً، وتعذيباً معنوياً».

وذكر أشخاصٌ مُطَّلعون أنَّ مستشاري غصن كانوا يدرسون وراء الكواليس
عدة سيناريوهات لتجنيبه الخصوع لمحاكمة في اليابان، حيث يُدان أكثر من 99% من
المتهمين بالجرائم، وفقاً للإحصاءات الرسمية. فعلى سبيل المثال، ناشد المحامون
وأفراد أسرته بعض المسؤولين الفرنسيين التدخُّل. وفكَّروا كذلك في مصيره إذا انتهى
به المطاف في فرنسا أو البرازيل أو الولايات المتحدة، وفقاً لأحد الأشخاص
المُطلعين على الأمر. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى