تقارير وملفات إضافية

«سُنة بوتين».. الدوافع الحقيقية للشراكة الوثيقة بين روسيا والإمارات، وهل تتحطم على الصخرة الليبية؟

تبدو العلاقات الروسية الإماراتية واحدة من الفصول الأكثر غموضاً على هامش أزمات الشرق الأوسط، فتقليدياً تميل العلاقات بين دول الخليج وروسيا منذ عهدها السوفييتي للفتور، ولكن العلاقات الروسية الإماراتية لها مسار مختلف.  

في 15 يناير/كانون الثاني، زعم رئيس مجلس الدولة الليبي، خالد المشري، أن السفارة الإماراتية في موسكو أعاقت الجهود الروسية لإقناع الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر بقبول وقف إطلاق النار. 

ويكشف ذلك عن تكهنات بوجود خلاف بين روسيا والإمارات حول الملف الليبي، ولكن سرعان ما تلاشت تلك التكهنات من خلال الإعلان المشترك لموسكو وأبو ظبي على دعم اتفاقية أوبك+ لتنظيم أسعار النفط، ومشاركتهما في محادثات برلين لإحلال السلام في ليبيا، حسبما ورد في تقرير نشر بموقع معهد Quincy Institute for Responsible Statecraft الأمريكي.

بالرغم من أن الإمارات توصف كثيراً بأنها الشريك الأمني الأقوى للولايات المتحدة في شبه الجزيرة العربية، فقد تعززت علاقات روسيا بالإمارات بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. 

ففي يونيو/حزيران 2018، أبرمت روسيا اتفاقية شراكة استراتيجية مع الإمارات، وهو الاتفاق الأول من نوعه بين موسكو وإحدى دول مجلس التعاون الخليجي. 

وهذا الاتفاق يسمح لروسيا بالدخول إلى سوق الأسلحة المربح في الإمارات من خلال بيع مقاتلات سو-57 إلى أبو ظبي، ووضع حجر الأساس لزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الإمارات في أكتوبر/تشرين الأول 2019.

 وبالإضافة إلى تعاون البلدين في مجالات الطاقة والدفاع، تقاربت مواقف روسيا والإمارات حول الأزمات الإقليمية بشكل كبير خلال العام الماضي. 

ويتضح هذا التقارب من خلال اعتراف الإمارات بشرعية الرئيس السوري بشار الأسد، ودعم الإمارات وروسيا لهجوم حفتر على طرابلس في ليبيا، والمشاركة الدبلوماسية الروسية مع المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات، في اليمن. 

من الممكن تفسير التآزر بين المواقف الروسية والإماراتية حول قضايا الشرق الأوسط بالمصالح المشتركة، ولكنه يعكس أيضاً الأفكار المشتركة لدى كلا الدولتين حول النظام الإقليمي الناشئ.

الدافع الأول العلاقات الروسية الإماراتية والشراكة الاستراتيجية بين البلدين هو معارضتهما المشتركة للانتفاضات والثورات الشعبية. وترجع كراهية روسيا والإمارات للحركات الديمقراطية في الشرق الأوسط إلى رفضهما القيم الليبرالية الغربية والمخاوف الأمنية المشتركة لنظام الحكم في البلدين. 

ويتبنّى مفهوم الديمقراطية السيادية المتبع في روسيا منذ 2006، ونظام العقد الاجتماعي في الإمارات فكرة وضع الاستقرار والرفاهية الاقتصادية في موضع الأولوية على حساب الحريّات السياسية. 

هذه النظرة المشتركة جعلت صُنَّاع السياسات في روسيا والإمارات يربطون الديمقراطية بعدم الاستقرار ورفض الجهود الأمريكية لتعزيز الديمقراطية في الشرق الأوسط. 

ومثّلت الاحتجاجات على الانتخابات الروسية 2011-2012 واحتجاجات المعارضة المتفرقة في أنحاء الإمارات في أوائل 2011، ناقوس خطر لكلا البلدين بشأن احتمالية انتشار الاحتجاجات الجماهيرية وجعلتهما يتخذان مواقف معاديةً للثورات.

وبالرغم من عدم اتفاق روسيا والإمارات بشكل عام على كيفية التعامل مع الربيع العربي، إذ دعمت الإمارات تدخل حلف الناتو في ليبيا عام 2011، ودعمت جهود المعارضة السورية للإطاحة بنظام بشار الأسد، فقد نظرت قيادات كلا البلدين إلى الربيع العربي على أنه ظاهرة مزعزعة للاستقرار. 

وفي ديسمبر/كانون الأول 2011، ذكر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن الانتفاضات العربية قد تتسبب في تصاعد التوترات الطائفية في الشرق الأوسط. وفي تصريح مشابه، حذَّر وزير الشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، في أبريل/نيسان 2012، من أن «الاحتجاجات التي تحولت إلى مواجهات عنيفة أصبحت هي السمة المميزة للربيع العربي». واستمرت تلك الفكرة في روسيا والإمارات حتى الآن، إذ رحب كلا البلدين بانقلاب عبدالفتاح السيسي في مصر عام 2013، ودعما التحولات المدعومة عسكرياً في الانتفاضات الأخيرة في الجزائر والسودان.

ويتمثَّل الدافع الثاني للشراكة الاستراتيجية بين روسيا والإمارات في معارضة كلا البلدين بشدة للحركات الإسلامية الشعبية. 

منذ 2003، صنّفت روسيا جماعة الإخوان المسلمين ضمن المنظمات الإرهابية، ورحبت موسكو بجهود الإمارات لاحتواء انتشار الإسلام السياسي في الشرق الأوسط. 

وفي مؤتمر غروزني للإسلام السُنّي في أغسطس/آب 2016، اتضح مدى التقارب الروسي الإماراتي في مواجهة الإسلام السياسي، وأبرز ذلك دعم الزعيم الشيشاني رمضان قديروف لسياسات الإمارات المناهضة للإسلام السياسي. 

وكانت مؤسسة طابة، التي تتخذ من أبو ظبي مقراً لها، ضمن المشاركين في تنظيم مؤتمر غروزني. ووصف حضور المؤتمر جماعة الإخوان المسلمين بـ «التنظيم المتطرف» على غرار داعش وحزب التحرير والحركات السلفية، ودعوا إلى إطلاق قناة تلفزيونية فضائية روسية لمنافسة قناة الجزيرة.

وكانت المفارقة في هذا المؤتمر أن روسيا أصبحت تشارك في تحديد من ينتمي إلى المذهب السني، حيث استُبعد السلفيون والإخوان المسلمين من المذهب، وهو ما جعل البعض يتندر على نتائج المؤتمر بتعبير «سنة بوتين«.

وبالرغم من عدم اتفاق روسيا مع بعض الإجراءات الأكثر تطرفاً التي اتخذتها الإمارات لاحتواء الإسلام السياسي، مثل مقاطعة قطر، فقد تبنّت موسكو وأبو ظبي موقفين متشابهين إلى حد كبير جداً حول سوريا وليبيا. 

في أبريل/نيسان 2018، وصف قرقاش الحرب الأهلية السورية بالصراع بين بشار الأسد والتطرف الإسلامي، وهو ما يتفق مع الرؤية الروسية للصراع منذ وقت طويل. 

وفي يناير/كانون الثاني 2019، حولت روسيا والإمارات هذا الخطاب المشترك إلى تنسيق سياسي من خلال الإعلان رسمياً عن خطط للتعاون لمكافحة الإرهاب في سوريا. وتكرر نفس الأمر في ليبيا، إذ بالغ المسؤولون الروس والإماراتيون في وصف التهديد الذي تمثله الجماعات الإسلامية التابعة لحكومة الاتفاق الوطني وقررا دعم خليفة حفتر باعتباره حصن العلمانية ضد التطرف الإسلامي.

يمكن تفسير عمق التعاون الدبلوماسي بين روسيا والإمارات في المقام الأول بأنه اتفاق في الأجندات المعادية للديمقراطية والإسلام السياسي لكلا البلدين، ولكن ما شجّع روسيا أيضاً هو نهج الإمارات الحذر المتزايد في المواجهة مع إيران. 

ينظر المسؤولون الروسيون إلى رفض الإمارات اتهام إيران بتنفيذ الهجمات على ناقلات نفط الفجيرة في مايو/أيار 2019، باعتباره فرصة للتواصل والتعاون مع أبو ظبي بشأن أمن الخليج. وفي شهر يونيو/حزيران، زعم لافروف أنه «شعر باهتمام» الإمارات بشأن خطط روسيا للحد من تصعيد التوترات مع إيران من خلال تعزيز الحوار بين طهران وممالك الخليج العربي. 

ومن المرجح أن تقدم دعوات الإمارات لضبط النفس بعد مقتل قائد الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، المزيد من القوة الدافعة للتواصل بين روسيا والإمارات بشأن قضايا الأمن الخليجي.

غير أنه في المستقبل قد تكون هناك مساحاتٌ محتملة للخلاف بين روسيا والإمارات، قد تُبطئ من زخم العلاقات الروسية الإماراتية والشراكات الاستراتيجية بين البلدين. التعارض بين رؤية روسيا لاستراتيجية التوازن في ليبيا والدعم الشامل من الإمارات لخليفة حفتر قد يدفع موسكو إلى رؤية أبو ظبي بمثابة عائق أمام تطلعاتها الدبلوماسية في ليبيا. 

كما تنظر روسيا بقلق إلى تصرف الإمارات المطلق بلا مرجعية في جنوب اليمن، وفي يوم 31 أغسطس/آب، أعرب وزير الخارجية الروسي عن قلقه بشأن الغارات الجوية الإماراتية في اليمن. كما أن «قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين» الجديد، الذي يهدد بفرض إجراءات عقابية من الحكومة الأمريكية على داعمي نظام الأسد مالياً، قد يؤدي إلى تراجع الاستثمارات الإماراتية في عملية إعادة إعمار سوريا ويحد من التعاون الروسي الإماراتي في سوريا.

 وبالرغم من تلك الرؤى المتعارضة والخلافات طويلة الأمد بين روسيا والإمارات بخصوص إيران وقطر، فإن التقارب بين موسكو وأبو ظبي بشأن معارضة الثورات الشعبية، وردع الحركات الإسلامية الشعبية ومنع التصعيد العسكري في الخليج العربي يوفر أساساً راسخاً لشراكة استراتيجية بين روسيا والإمارات. 

ومع تبنّي الإمارات رؤية النظام العالمي الناشئ متعدد الأقطاب من خلال تعزيز علاقاتها مع القوى العظمى غير الغربية وتحفظها ضد القيادة الأمريكية المترددة في الشرق الأوسط، من المرجح أن يستمر تعزيز العلاقات الروسية الإماراتية خلال السنوات المقبلة.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى