آخر الأخباركتاب وادباء

تعصب الآراء وجحيم الأهواء

بقلم الكاتب والأديب الكبير

السعيد الخميسى

عضو مؤسس فى منظمة “إعلاميزن حول العالم”

* آفة خطيرة وجرثومة فتاكة إذا تغلغلت داخل عقل الفرد أهلكته ودمرته ,وإذا تكاثرت فى باطن أرض أى وطن حولته إلى أرض بور جرداء لانبتفيها ولا زرع ولا ماء  بل وحولته إلى بحيرةمن الدماء والثأر والحروب الأهلية والنزاعات الطائفية والتراشقات السياسية  والمكايدة الحزبية . إنها جرثومة التعصب الأعمى للآراء والأهواء والمذاهب والطوائف والقبيلة والجنس واللون واللغة والمدارس السياسية المتنوعة بخيرها وشرها وحلوها ومرها دون علم أو وعى أو ثقافة عامة. وقدعانت منطقتنا العربية بوجه خاص من كل ماسبق ذكره فرفع العربى المسلم السلاح فى وجه أخيه المسلم فى الدين والوطن والعروبة , فسالت الدماء ونهشت الأعراض بأنياب العصبية الجاهلية وأزهقت النفوس وتحولت الأوطان إلى ثلاجة لدفن الموتى لا بعرف القاتل لماذا قتل ولا المقتول لماذا قتل . يخرج الرجل من بيته فى الصباح سليما معافى فى بدنه أمنا فى سربه لا له ولا عليه فيعود فى المساء محمولا على الأعناق يدفع ثمنا باهظا لفتنة لا دخل له فيها ولجريمة غير مشارك  فيها ولا متهم بها ولنزعة طائفية هو برئ منها.وهكذا تتحول الأوطان إلى مستنقع أسن من الدماء تبيض فيه وتفرخ جراثيم الجهل والعصبية والطائفية والمذهبية العمياء .

* والتعصب شعور داخلي يجعل الإنسان يتشدد فيرى نفسه دائما على حق بل وفوق الحق ويرى الآخر على باطل بلاحجة أو برهان أو دليل أو بينة . ويعني مفهوم التعصب في اللغة العربية عدم قبول الحق عند ظهور الدليل بناء على ميل إلى جانب ما .   وهو بلاشك مرض اجتماعي يولد الكراهية والعداوة في العلاقات الاجتماعية والشخصية. والتعصبله أنواع كثيرة منها التعصب الديني والمذهبي والطائفي والعرقي والقومي والفكري والإيديولوجي والرياضي وغيره من أنواع شتى كثيرة . وقد حذرنا الإسلام من العصبية الجاهلية والتفاخر حتى بالآباء والأجداد وجعل المفاصلة بين البشر بالتقوى وليس بأىشئ آخر.

* وقد تكاثرت فى عالمنا العربى جرثومة التعصب الأعمى لمذهب أو لشيخ أو عالم ربما أضل وأضل كثيرا من الناس. قال صاحب “معارج القبول “:”وقد سمى الله تعالى طاعة العلماء والأمراء في تحليل ما حرم الله أو تحريم ماأحله، سمى ذلك عبادة وأنه اتخاذ لهم أربابا من دون الله فقال تعالى: “اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّـهِ ” قال عدي بنحاتم رضي الله عنه حين سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلوها: إنا لسنا نعبدهم.قال: ” أليس يحلون ما حرم الله فتحلونه ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟ “قال: بلى، قال: “فتلك عبادتكم إياهم ” .فالتعصب لعالم أو شيخ حالمخالفته للكتاب والسنة تعصب مذموم قد يورد صاحبه المهالك. فما بالكم بعبادة طائفة من الناس لهذا الشيخ وذاك العالم عبادة لا أصل لها يذهبون حبث يذهب ويرتعون حيث يرتع ويصفقون ساعة أن يتكلم بالحق كان أم بالباطل . فهذا هو التعصب الأعمى الذى يقود صاحبه على سواء الجحيم غير مأسوف عليه .

* إن أسوأ أنواع التعصب هو التعصب للرأى والمذهب  ويقصد به أن يتعصب الإنسان لرأيه ، ويتمسك به،ويعتقد أنه صحيح لا يحتمل الخطأ، بينما يرى أراء الآخرين خاطئة لا تحتمل الصواب .وبالتالي فإنه يرفض أراء الآخرين ويعاديها، حتى ولو كانت صحيحة دون نظر أو تمحيص أو تدقيق أو تحقيق ، وهذا يعني إلغاء الأخر وعدم الاعتراف بحقوقه وحريته في إبداء الرأي .وهؤلاء يرفضون أسلوب الحوار والنقاش ويميلون إلى الجدل العقيم والجمود..
ولقد ضرب لنا الرسول  صلى الله عليه وسلم مثالاً رائعاً في الشورى، فبالرغم من تأييده بالوحي المنزل من عند الله تعالى، كان يستشير أصحابه ومن حوله ويأخذ برأيهم إذا كان في ذلك الحق والصواب.وكان الأمام الشافعي رحمة الله يقول :” رأيي صحيح يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب”. وهذا قمة التواضع والفهم والفقه والاعتراف بالآخرين وعدم محوهم نهائيا وكأن أحدهم يمتلك الحق المطلق الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا منخلفه .إنها الذات الفرعونية المتضخمة حين تقول كما جاء فى كتاب الله ” لاأريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ” وهذا هو قمة الشعور بالنقص والدونية والجهل ونقص المعرفة واضمحلال الثقافة وقلة الوعى وتقديس الذات والانغلاق الفكرى وضيق الأفق وسيادة مبدأ القوة والعنف والتنشئة الاجتماعية وغياب العدالة والمساواة واختلال العقل وانحراف الفكر , كلها أسباب تؤدى بصاحبها إلى حافة الهاوية وسواء الجحيم والتعصب الأعمى المذموم  .

* ولقد دفعت أمتنا الإسلامية ثمن تعصب الأخرين ضدها وقتلهم دون سبب من شرع أو قانون على أعين المجتمع الدولي الذى لم يحرك ساكنا كعادته طالما أن المقتول مسلما عربيا. إنها مذابح الصهاينة ضد شعوبنا العربية المسلمة فى دير ياسين. كانت تلك المذبحة عاملاً مهما في الهجرة الفلسطينية إلى مناطق أُخرى من فلسطين والبلدان العربية المجاورة لما سببته المذبحة من حالة رعب عند المدنيين. ولعلّها الشعرة التي قصمت ظهر البعير في إشعال الحرب العربية الإسرائيلية في عام 1948. ولا ننسى مذبحة وصابرا وشاتيلا . أما  أم المجازر فشهدتها البوسنة والهرسك عام 1995 على أيدي القوات الصربية وراح ضحيتها حوالي 8000 آلاف شخص ونزح عشرات الآلاف من المدنيين المسلمين من المنطقة. تعتبر هذه المجزرة من أفظع المجازر الجماعية التي شهدتها القارة الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية.تم قتل واغتصاب الكثير من المسلمات حتى الموت تحت مرآى من القوات الهولندية التي كانت مُكلفة بحماية المدنيين بالمدينة وقد اتهم كثير من الناجين من المذبحة القوات الهولندية بتسليم من فر من المدنيين لها إلى الصرب ليتم قتلهم لاحقًا. إنه التعصب ضد المسلمين والكراهية العمياء التى تقتل اليابس والأخضر .

* وأزيدكم من الشعر بيتا بل أبياتا مأساوية  فأقول : وبسبب التعصب والطائفي والديني والعنصري والسياسي قتلت  أمريكا بقنبلتها الذرية ٥٠٠ ألف ياباني . وتصريح وزيرالدفاع الأمريكي  الأسبق روبرت ماكنتمارا:قتلنا ٣ مليون و ٤٠٠ ألف فيتنامي .الغرب وأميركا هجروا سبعة ملايين فلسطيني من أراضيهم وبيوتهم من أجل عيون الصهاينة . القوات الأميركية حسب وثائقهم  قتلت كل امرأة وشاب ورجل وشيخ وطفل حتى مادون العاشرة في جزر سامار المسلمة وتركت من تنصر وغيرت اسمها إلى الفلبين، نسبة إلى فيليب الثاني ملك اسبانيا . أما الغرب المتسامح  فقد قتل ٨٠ ألف مسلم في مدغشقر وإيطاليا قتلت٧٠٠ ألف مسلم عربى في ليبيا .أما فرنسا فقتلت أكثر من مليون جزائري مسلم، ونفذت مذبحة راح ضحيتها ٤٠ ألف موحد جزائري في يوم واحد بمدينة خراطة . أما وزير الدفاع الصربي فوشتك فصرح: قتلت مئات الأسري من البوسنة لأن قتلهم غير مكلف مثل نقلهم إلى معتقلاتنا وفتقت أعين  بعضهم وقطعت أيديهم ببطء  . أما الأرثوذكسي الصربي سلوبودان ميلو سوفيتش عقب مجزرة البوسنة والهرسك فصرح: كنت أطهر أوروبا من أتباع محمد .أما الصرب فقد قتلوا ٣٠٠ ألف إنسان مسلم وهدموا ٨٠٠ مسجد وطردوا مليونين واغتصبوا ٧٥ ألف سيدة وطفلة أمام آبائهن وأشقائهن وأزواجهن . أما أمريكا واحة الديمقراطية وحقوق الإنسان فى العالم فقد سلطت كلابها المدربة على التهام ٣٠٠ عضو ذكري لسجناء أبو غريب في العراق . إذا من ذا الذي خلق التعصب والقتل وأشعل الحروب وخرب البلاد ودمر العباد. نحن كعرب ومسلمين بريئون مما يفعلون .وليس فى ديننا ولا فى ثقافتنا ما يدعو لمثلما سبق ذكره أو نصفه أو ثلثه أو حتى ثمنه .إنه التعصب الأعمى البليد ضد هويتنا.

* إذا وجد التعصب العنصري،وجدت معه بذرة التمزق والتفرق والحروب الطائفية والأهلية التى تحرق الأخضر واليابس.إن التعددية في الرأي مع الوعي والبعد عن التعصب ستؤدي إلى إثراء الفقه واستيعاب العقيدة وانتشارها ووحدة الأمة الإسلامية لا تفرقها وتمزقها لتقع فريسة بين أنياب المستعمرين كما تقع الفريسة بين أنياب الوحوش المفترسة . إن الصدور لا بد أن تتسعوالقلوب لابد أن تعى والعقول لا بد لها أن تكون أكثر عمقا وفهما حتى لا يفسد الاختلاف فى الرأى للود قضية , طالما أن هذا الرأى لا يحل أعراض ودماء وأموال الآخرين . عزيزى المتعصب : إذا كنت غير قادر على إسعاد نفسك وإخراجها من قمقمها فلا تعكر صفو الآخرين بتعصبك وتعنتك وحماقتك فتكون مثل الذبابة التى قتلت صاحبها وهى تهش الذباب من فوق وجهه بحافرها فقتله شر قتلة ..! التعصب الأعمى مرض عضال لاشفاء له ولا دواء لأن الداء قد استفحل فى أعماق صاحبه فأصبح يرى الباطل حقا والنور ظلاما  .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى