تقارير وملفات إضافية

إدارة ترامب محبطة من «صمود» طهران أمام عقوباتها.. لماذا لن يجلب الأسلوب الأمريكي الديمقراطية للإيرانيين؟

مع تأجج الاحتجاجات في أنحاء إيران، إثر الارتفاع الحاد في أسعار الوقود، باتت الأجواء هناك محمومة. وفي الوقت نفسه، انعزال الدولة عن بقية العالم بعد قطع الحكومة شبه التام للإنترنت يفرض صمتاً مخيفاً. وأثار التخبط المصاحب للموقف الحالي فورة من التكهنات. فمن الجانب الإيراني، يُلقي المرشد الأعلى علي خامنئي بمسؤولية العنف في الاحتجاجات على «عصابات وعناصر مخربة ومحرضين من الخارج»، وأعلن كذلك الرئيس حسن روحاني أنَّ قمع الاضطرابات في الشوارع هو «انتصار» على «الأعداء الأجانب».

وعلى الجانب الآخر، وبتفاؤل مُطلق، أرجع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو المظاهرات في إيران إلى نجاعة «حملة الضغط القصوى» التي شنَّها رئيسه دونالد ترامب على إيران، مشيراً إلى أنَّها تخطو ببطء نحو تطلعاته الخيالية بتغيير النظام الحاكم. وغرَّد بومبيو: «الولايات المتحدة تدعمكم«، مخاطباً الشعب الإيراني الذي لم يصبح فقط «أضراراً جانبية»، بل وقع ضحية مباشرة لحرب ترامب الاقتصادية على إيران. ففي ضوء الصعوبات الاقتصادية التي يعانيها، حُرِم الشعب الإيراني من احتياجاته الأساسية، بما في ذلك أدوية مُنقِذَة للحياة.

وفي «تحريف خبيث للمنطق»، هناك أمل في أن تدفع المعاناة الإنسانية الإيرانيين للانتفاض، وبطريقة ما إحداث تغيير في سلوكيات النظام الحاكم، كما تقول غونشة تازميني، الباحثة في مركز الدراسات الإيرانية بجامعة لندن، في مقالة نُشرت لها بموقع Lobe Log الأمريكي.

المستشار الأمريكي الخاص لشؤون إيران، براين هوك، يكرر كذلك الإشادة بولع إدارة ترامب بالعقوبات قائلاً: «نعتقد أن عقوباتنا وسَّعت المجال أمام المواطنين الإيرانيين للمطالبة بحكومة أكثر تمثيلاً وقابلية للمحاسبة». كان هناك أكثر من 100 حالة وفاة في غضون أسبوع من الاحتجاجات، وأثناء ذلك، استمر هوك في الحديث عن التحول السياسي بعدم لباقته السياسية المميزة له.

تقول تازميني: ما لم تتعلمه الولايات المتحدة إلى الآن هو أن سفك الدماء والمعاناة لا يجلبان الديمقراطية. في الواقع، منذ وصول ترامب لسُدة الحكم أصبحت الآمال الإيرانية بالتحول السياسي مشوَّشة كلياً تحت وطأة العقوبات الصارمة.

يكشف عنوان مقال حديث نشره المجلس الأطلسي «Iran Protests: Something’s Got to Give» أي «احتجاجات إيران: يجب أن يتغير شيء ما»، الكثير عن المأزق الحالي. يلخص هذا العنوان الحقائق صراحة، إذ يشير إلى إحباط الإدارة الأمريكية من صمود النظام الإيراني في وجه حملة «الضغط القصوى»، وفي الوقت نفسه، فهذا العنوان بمثابة اعتراف بفشل سياسة الإدارة الأمريكية إزاء إيران، التي تتسم في الواقع بالفوضى، واستراتيجية الارتجال في ضوء جملة «something’s got to give» التي تعني أنه لا يمكن أن يستمر الوضع مثلما هو عليه الآن.

ترى تازميني أن النظام الإيراني تجاوز عدة عواصف على مدى عمره البالغ 40 عاماً. وليس غريباً على إيران التحديات الداخلية المحتدمة، مثل انتشار الاحتجاجات في عام 2009 التي شككت في نتائج الانتخابات الرئاسية، والمظاهرات التي اجتاحت أنحاء البلد في الفترة بين ديسمبر/كانون الأول 2017 ويناير/كانون الثاني 2018 على خلفية سوء إدارة الاقتصاد. تضيف الكاتبة: «في كل الاحتمالات سوف تعبر إيران بسلام العاصفة الحالية بغض النظر عن شدتها».

وعلى الرغم من أن حملة «الضغط الأقصى» تسببت في أضرار، فهي لم تقرب البلد أكثر من انهيار النظام. في الواقع، فالإجماع الأكاديمي هو أن هناك احتمالية ضئيلة لإطاحة النظام، واحتمالية أقل لتدخل الجيش، وهو الأمر الذي اتضح بجلاء من تردد ترامب أثناء أزمة الطائرة المسيرة هذا الصيف، إلى جانب موقفه العام بشأن «الحروب المتواصلة» في الشرق الأوسط.

أصبحت العلاقات الأمريكية-الإيرانية، المُثقلة بأربعين عاماً من الركود، حتى أكثر انغماساً في «الأرض المحرمة» التي لا تشهد حرباً شاملة ولا أي أمل لانفراجة أو تقارب. وبدون تقارب أو حرب في الأفق، فما هي إمكانية توجيه البلدين بعيداً عن الانجراف دون جدوى؟ في الواقع، يجب أن يتغير شيء ما. وكبداية، يجب إحداث تحول نمطي رئيسي، تقول تازميني.

كان النهج الأمريكي إزاء إيران وأساسه القيم قائماً على الرفض الكامل لأي نظام إيراني يأتي بعد الثورة الإيرانية، وللنظام السياسي ولأسس حكمه. وهذا النهج قائم على منطق الصراع والتنافس الجيوأيديولوجي، الذي كان يحكم العلاقات الأمريكية-الإيرانية منذ عام 1979. تمثلت وجهة النظر الاعتيادية في أن إيران هي نظام استبدادي يسعى إلى تصدير نموذجه الثيوقراطي المتمرد على المسيحية إلى كل أنحاء المنطقة عبر الحرب الهجينة والقوى والوكلاء غير تقليديين، عن طريق احتضان «تحالفات تضم الأوتوقراطيات» مع «دول مفسدة» أخرى مثل روسيا، وعن طريق حماية الحكام الديكتاتوريين من السقوط في الجوار.

في هذه السردية، كانت السياسات الثورية لطهران تُعزى إلى سيكولوجية الاستياء من الطريقة التي يعيش بها الغرب حياتهم في العموم، وإلى الليبرالية الأوروبية والأنجلو-أمريكية على الأخص. أمَّن سوء الفهم هذا، في مكان آخر في الماضي، على التدخلات العسكرية بدوافع «إنسانية»، والوصاية على الحضارات باعتبارهما سبلاً لـ «تعزيز الديمقراطية».

تقول تازميني، إن النهج البديل للتخفيف من المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران يتمثل في التركيز على «المقاربة الحضارية» لتعزيز نظرة تعددية في العلاقات الدولية. يركز هذا النهج على التفاعل بين التطورات التاريخية والثقافية والفكرية في عملية تشكيل ثقافة السياسة الخارجية. إنه منظور يستدعي نظرة تعددية للنظام الدولي، في الوقت الذي يرفض فيه بشدة المحاولات المنهجية لتحويل النماذج والأيديولوجيات السياسية المعيارية إلى إطار عمل للعلاقات بين الدول.

تقوم التعددية في النظام الدولي على فكرة التنوع الثقافي، والمسارات «الحضارية» المختلفة، ورفض التشابه الأيديولوجي القائم على الاعتقاد بأن كل دولة أو نموذج سياسي ينبغي عليه أن يحل تحدياته الخاصة، وأن الخبرة التاريخية لا يمكن أخذها من سياق وزرعها في آخر. يرتكز هذا النهج على إبطال مفهوم أن الخبرة التاريخية لمجموعة من الدول يمكن أن تعمل بوصفها نموذجاً عالمياً لكل الدول، وهو ما وصفه إيدوارد ترياكين بـ «التضليل الغربي» أي أن هناك «نموذجاً للتنمية قابلاً للتصدير، والتطبيق في كل مكان، ويتفوق أخلاقياً وفنياً على كل الأشكال الأخرى للتنمية المجتمعية».

الأزمة الأمريكية-الإيرانية هي أحد أعراض الفشل في إحداث تعددية في النظام الدولي، وهي الأمر الذي حصر الولايات المتحدة وإيران في حالة تنازع دائمة. إذا قبلت الولايات المتحدة فكرة التنوع الحضاري بتمهيدها طريقاً للتعددية في النظام الدولي، فقد تقترب أكثر من إنهاء أزمتها الممتدة من 40 عاماً مع إيران. إذا كان بالإمكان تقليل خوف النظام الإيراني من التحول الباطني للمفاهيم والمؤسسات عبر تغيير النظام أو المواجهة العسكرية، ربما حينها تجد طهران نفسها في وضع أكثر استقراراً للتتفاعل على المستوى الإقليمي. مع تحييد مخاوف النظام من إطاحته، قد تكون طهران أكثر استعداداً لتقليص دعمها للوكلاء الإقليميين أو التخلي عنهم كلياً، ولكبح تطوير برامج الدفاع الصاروخي، وهما نقطتان رئيسيتان في الخلاف.

مع ذلك، فلكي يصبح هذا النهج حقيقة، قد تحتاج الولايات المتحدة إلى تعزيز التعددية في النظام الدولي، عن طريق قبول النماذج السياسية «الاصطفائية». يتضمن هذا قبول القوام السياسي لإيران والعمل على استراتيجيات للتقارب بينهما. هذا نقاش نظري من المؤكد أنه سيصبح استراتيجية واعدة ومتطورة أكثر من استراتيجية «لننتظر حدوث شيء ما»، إنه نهج «ينبغي أن يتغير شيء ما».

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى