تقارير وملفات إضافية

هل انتهى مستقبل نتنياهو السياسي؟ مناورة غانتس قد تودع رئيس الوزراء الإسرائيلي خلف الأسوار

دائماً ما يكون من غير الحكمة أن نستبعد بنيامين نتنياهو من أي
حسابات سياسية في إسرائيل؛ فهو أطول رؤساء الوزراء الإسرائيليين وجوداً في ذلك
المنصب، مع أنَّه فشل ثلاث مراتٍ خلال عامٍ واحد الفوز بأغلبيةٍ تمنحه ولاية خامسة
في رئاسة الوزراء. لكنَّ تحول الأحداث الذي شهده الأسبوع الجاري -إذ نجح بيني
غانتس، منافسه اللدود وقائد الجيش السابق، فجأةً في جمع 61 مقعداً في الكنيست
المكون من 120 عضواً بدعم من الأحزاب العربية الإسرائيلية- قد يكون بداية نهاية
نتنياهو.

غير أنَّ غانتس، الذي يتزعم ائتلاف “أزرق أبيض” اليميني
الوسطي، ما زال بعيداً عن ضمان النجاح. فأغلبيته غير المستقرة لا تدعمه بقدر ما
تكره ائتلاف نتنياهو اليميني الديني المتشدد. لذا يُمكن القول إنَّه تحالفٌ مستبعد
الحدوث في مجتمع متعدد الأقطاب، بحسب تقرير لصحيفة The Financial Times البريطانية.

ومع أنَّ نتنياهو اتهم غانتس بأنَّه يساري، فإن غانتس تفاخَر في
مقاطع فيديو عُرِضت أثناء حملته الانتخابية بالقصف الإسرائيلي الذي حوَّل بعض
أجزاء من قطاع غزة إلى شيءٍ أشبه ببلدةٍ في العصر الحجري. ومع ذلك، يحظى غانتس
بدعم الأحزاب اليسارية المتبقية في إسرائيل. إذ وضع أفيغدور ليبرمان -وهو حليف
سابق لنتنياهو أعاق مساعي زعيم الليكود نحو تشكيل حكومة جديدة في أبريل/نيسان
الماضي- حزبه العلماني الوحدوي “إسرائيل بيتنا” في صف غانتس حتى الآن.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ ليبرمان دعا إلى تجريد الآلاف من العرب الإسرائيليين
من جنسيتهم عن طريق مقايضة الأراضي.

وفي السياق نفسه، فالقائمة العربية المشتركة -التي تعد مزيجاً
متقلباً من اليساريين والقوميين والإسلاميين والعلمانيين الفلسطينيين الذين انحازوا
إلى صف غانتس- ليست نموذجاً للاستقرار. فالأحزاب العربية لم تدخل الحكومة
الإسرائيلية من قبل. وبالنسبة لنتنياهو، فهذا أمرٌ لا يمكن تصوره، لذا دعا
نتنياهو، بصفته رئيس الوزراء المؤقت، ائتلاف أزرق أبيض إلى المشاركة في حكومة
طوارئ مع الليكود لمواجهة أزمة فيروس كورونا. غير أنَّ منتقديه يشمون في ذلك رائحة
حيلةٍ ماكرة منه لإطالة حياته السياسية، التي تهددها اتهامات الفساد الموجَّهة
إليه. جديرٌ بالذكر أنَّ محاكمة نتنياهو، التي كان من المقرر أن تبدأ في الأسبوع
الجاري، تأجَّلت حتى مايو/أيار المقبل بسبب فيروس كورونا، وهذا تطوُّرٌ يؤثِّر في
وجهات نظر المعارضة بشأن تشكيل “حكومة ائتلافية لمكافحة فيروس كورونا”.

ومن جانبه يقول غانتس إنَّه يريد أن يجمع “حكومة واسعة ووطنية
قدر الإمكان” بسرعة. لكنَّه استبعد الانضمام إلى شراكةٍ مع الليكود في حال
استمرار نتنياهو في منصب رئيس الحزب، بينما أشار ليبرمان في العام الماضي 2019،
إلى إمكانية تشكيل تحالفٍ مع الليكود، شريطة عدم استمرار نتنياهو في الحزب. لذا
يشك بعض أعضاء الليكود وأنصاره في أنَّ تحالف غانتس غير العملي يُعد مناورةً
بالفعل لإطاحة نتنياهو.

فهل يستطيع غانتس، الرجل العسكري الماكر الذي ما زال مبتدئاً في
المجال السياسي، إنهاء الجمود السياسي الإسرائيلي؟ هناك سابقة شهدت فوز حكومة
أقلية إسرائيلية بدعم نوابٍ عرب. لكنَّ ذلك كان في أوائل التسعينات في ذروة عملية
أوسلو للسلام بقيادة إسحاق رابين، رجل الدولة العسكري الذي قُتِل على يد متطرف
ديني يهودي في عام 1995. وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ الدعم الخارجي العربي الذي
حصل عليه رابين آنذاك كان متمثلاً في سياسة منظمة التحرير الفلسطينية.

ولكن الآن، تضاءلت احتمالات قيام دولة فلسطينية مستقلة. إذ يريد
غانتس ضم المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة، مثلما يريد ليبرمان، الذي
يعيش في إحداها. غير أنَّ اختلافهما مع نتنياهو هو مجرد اختلافٍ في النبرة. إذ
أسفرت سياسات رئيس الوزراء التخويفية العنصرية الحادة -التي تصور عرب الداخل الذين
يُمثِّلون خمس سكان الأراضي المحتلة على أنهم خونة ينتمون إلى طابورٍ خامس- عن
نتائج عكسية. ويُمكن القول إنَّ نتنياهو ساعد بذلك في تعبئة الناخبين العرب بصورةٍ
غير مسبوقة، لتصبح القائمة المشتركة ثالث أكبر ائتلافٍ حزبي في إسرائيل.

إذ بدأ الائتلاف العربي بقيادة أيمن عودة، وهو سياسي اشتراكي ذو كاريزما،
في اجتذاب اليهود اليساريين، بينما يسعى في الوقت نفسه إلى انتزاع حصةٍ عادلة من
البنية التحتية والخدمات للمواطنين العرب مقابل دعمه. ويمكن القول إنَّ القائمة
المشتركة شديدة الشبه بالأحزاب الدينية اليهودية الأرثوذوكسية المتشددة تُعد
بمثابة صانعة القادة في ائتلافات اليسار، وكذلك اليمين على مرِّ العقود الثلاثة
الماضية، والتي لديها خبرة في التلاعب بموازين القوى والنفوذ، مع أنَّ ذلك قد يبدو
منافياً للمنطق. 

خلاصة القول، إنَّ مسيرة نتنياهو، أو “الملك بيبي” كما
يحلو لمحبيه تسميته، قد تكون في طريقها نحو النهاية، بينما يبدو الائتلاف العربي
في إسرائيل باقياً. 

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى