منوعات

ما بين محمد رمضان وعادل إمام.. لماذا يوسف الشريف من أذكى الممثلين المصريين؟

كمشاهد
عادي يتابع الأعمال الدرامية بشكل جيد، أودُّ القول إن يوسف الشريف فنان مميز
ويستحق تحية خاصة، لماذا؟

للإجابة عن هذا السؤال دعونا نتحدث كمشاهدين عاديين من كل الطبقات، ولسنا متخصصين أو نقاداً، ودعوني أضرب هذا المثال بموظف عادي يجلس وسط أسرته وأطفاله الصغار بعد يوم طويل من الصيام والعطش والعمل، ويتنقل بين القنوات بجهاز التحكم، هذا النموذج يمثل 70% من المشاهدين العرب، في هذه الحالة ما هو العمل الدرامي الذي سيجعل هذا الموظف أو ست البيت أو الأطفال، يتوقفون عند قناة بعينها ويبدأون المشاهدة بينما يأكلون حلوى القطايف ويشربون الشاي؟

الأول: نوع سهل من الدراما أو الكوميديا التي لا تحرق كثيراً من السعرات الحرارية، ولا تحتاج إلى استهلاك خلايا المخ في التفكير وربط وتحليل الأحداث، وهذا بسبب الحالة النفسية أو العقلية التي يكون بها المشاهد ويحاول في أثنائها تفريغ ضغط يومه وهو ممدّدٌ على أريكته، وهذا النوع من المسلسلات يشمل 95% من الأعمال الدرامية التي يتم تقديمها سنوياً على التلفزيونات العربية، فحينما تظهر أخطاء فنية في أداء الممثلين كالممثل الذي يبكي بعين واحدة، والآخر الذي يستعرض عضلاته لمجرد إمساكه عصى خشبية يضرب بها اثنين ممن حوله، وقتها تتشابه العوامل لدى المشاهد، لأن العقل لا يبحث إلا عن شيء يفرغ فيه تعب اليوم وضغطه.

العامل الثاني: هو أن مخ المشاهد يبحث عن الإثارة والتجديد، وهذا يشمل 5% من الأعمال الدرامية التي تُقدَّم للجمهور، مشكلة هذه الأعمال أنها غير مضمونة، لأنها تلعب على إنتاج وعي مغاير داخل العقل الباطن، وهذا يجبر المشاهد على أن يخلق تركيزاً فوق تركيزه مع كاسة الشاي التي يحتسيها، لأنه يتابع بإرادته عملاً جديداً لا تكرار فيه، وهنا يكون الاعتماد الكلي على الوعي، والبحث عن إدراك داخلي، بمعنى أن الموظف الذي يعيش حياته بضغط يومي ويحاول تأمين لقمة العيش، يحتاج إلى مشاهدة شيء ما، يفصله عن هذه الضغوطات، ويكون حينها مخيَّراً بين تفريغ طاقته السلبية في حلقة مكررة يغفو أمامها، أو يستنبط وعياً مع منبّه خارجي، ليتابع بتشوقٍ أكثر حدث جديد على عينه وفكرة مختلفة عنه كمشاهد.

في هذه الحالة تظهر مجازفة أصحاب هذه النوعية من الأعمال الدرامية، حيث إن المشاهد قد لا يتقبل هذا التجديد.

بمعنى أبسط، أنت كمشاهد مخيَّر دائماً بين عملين: عمل مكرر من حيث الأداء والقصة والتصوير والموسيقى والافتعال والشعبوية، وفي أغلب الأحوال هذا العمل نجاحه مضمون للقائمين عليه.
أو عمل ثانٍ غير مكرر، به طريق للتجديد، وشجاعة في الطرح. ونتيجة العمل الثاني إما النجاح الساحق والتميز، لأنك من أول المغردين خارج القطيع، وإما الفشل الذي سيكون مصير هذه التجربة التي ستمنعك من تكراره مرة ثانية، لأنه لا تضمن النجاح أو الفشل؛ بل فيه مقامرة على المشاهد نفسه.

والأعمال الدرامية التي تندرج ضمن الـ5% شاهدناها في أكثر من عمل بمصر، مثل مسلسل “السبع وصايا” الذي لعب على هذه الوتيرة وضمِن لكل طاقمه نجاحاً مستمراً في أي عمل آخر من النوعية نفسها ، أو مسلسل “خلصانة بشياكة” على غرار فيلم “mad max”، أو “حزلقوم  في الفضاء” لأحمد مكي على غرار  “wars”، هذه الأعمال لم تحقق النجاح المتوقع منها رغم اختلافها.

ما بعد هذا التحليل السريع، متى نصف ممثل ما بأنه موهوب أو نجم شباك أو أفضل جيله؟

الفنان بأي مجال فني في التاريخ عبارة عن معادلة من 4 عناصر، وليس عنصر الموهبة فقط كما يعتقد كثيرون، بالعكس الفنان يجب أن تكتمل عنده دائرة مكونة من 4 عناصر، عنصر واحد لن يضمن له النجاح، أو عنصران لن يضمنا له الاستمرارية، أما اجتماع 3 عناصر فستضمن له القمة والتميز.

العناصر الأربعة هي: الموهبة، والكاريزما، والذكاء، وأخيراً التوظيف.

السقا ليس موهبة تمثيل فذة مقارنة بفطاحل تمثيل من نفس جيله، على العكس أداؤه به بعض الحركات العصبية والمبالغة والزعيق والتي من الممكن أن تكون مستفذة للمشاهد، إمكانات تعبيره الحركي بها قدر كبير من المبالغة.

وطريقه دخوله في مكنون أي شخصية تقريباً صفر، تمثيل مشابه في كل أدواره بين الصعيدي والضابط والبلطجي، إلا أن أحمد السقا نجم شباك، لأنه استطاع أن يكمل العناصر الثلاثة الأخرى بحرفية، استطاع أن يخلق لنفسه كاريزما أمام الكاميرا تضيف له حضوراً مميزاً عن غيره، استطاع كذلك أن يختار قالباً لأدواره التمثيلية تليق بإمكاناته الشخصية التي لم يحاول تعدِّيها، وأخيراً استطاع أن يوظف العمل الدرامي بطاقمه بما يخدم الجميع وليس لشخصه فقط، أي إن أعماله الدرامية لا تدور حوله فقط، إنما يكون العمل في حلقات متشابكة، مثل فيلم  “إبراهيم الأبيض” كان بوجود “محمود عبدالعزيز وعمرو واكد وهند صبري وهكذا”، فخرج وقتها عملاً درامياً مميزاً مكتمل الأركان.
كذلك أمير كرارة، الإمكانات نفسها والأداء المكرر، لكنه كان قادراً على إكمال بقية العناصر الثلاثة التي ضمنت له صعوداً على القمة، الذكاء والثقافة واختيار الأدوار، واعتماده على إبراز من حوله في العمل نفسه والذي يضمن نجاحه وتميُّزه وسطهم، وهذا ما شاهدناه في “كزبلانكا” و”حرب كرموز”.

رمضان موهبته قوية جداً وحضوره قوي لا خلاف عليه، لكنه افتقد عنصريين مهمين في أعماله، وهما: الذكاء والتوظيف، فهو يبحث دائماً عن عمل يدور في دائرة مفرغة حوله هو فقط، سيناريو واضح به تعديلات من رمضان، ليكون هو العامل الأساسي فقط لاغير، وبقية الطاقم يدورون حوله ويخدّمون عليه؛ ومن ثم نشاهد عملاً مكرراً خالياً من أي تجديد، تيمة معروفة ليس بها أي مجهود يُذكر، سينجح عمله ويشاهده كثيرون، لكنه لن يكون أول أو ثاني أو ثالث شباك، وسيكون مشاهدوه من الفئة التي تتنقل بين القنوات بالريموت لتغفو وترتاح أمام أحد المسلسلات والأفلام.

مؤخراً تحوَّل عادل إمام مع الزمن من الفريق الثاني الباحث عن التجديد والتوظيف إلى مجرد اسم يعتمد على شهرته السابقة، يؤدي أدواره في أعمال درامية مكررة، ويُباع مسلسله لإحدى القنوات الخليجية ويوفر الملايين وشكراً، لكن ما الذي أضافه؟ إبداعه انتهى من بعد فيلم “عمارة يعقوبيان”، وأضف إليه هيفاء وهبي وعمرو سعد وغادة عبدالرازق.

بالتأكيد هناك فئات أخرى لديها العناصر الأربعة ولا جدال عليهم، مثل آسر ياسين ومنة شلبي ومحمد ممدوح وفتحي عبدالوهاب وعمرو عبدالجليل وخالد النبوي وغيرهم، هؤلاء جميعاً أرى أنهم قادرون من حيث الموهبة، وقادرون كذلك على توظيف إمكاناتهم واختيار أدوارهم بدقة متناهية.

يوسف الشريف ممثل محدود الإمكانات أو الموهبة، كأداء تمثيلي مفرد، لا يُقارَن بباسم سمرة مثلاً أو خالد النبوي أو آسر ياسين، أعتقد أن قدرتهم التمثيلية أقوى بكثير منه، لكن يوسف الشريف استطاع أن يستعمل العناصر الثلاثة، وهي أهم من الموهبة التي تكفي بساطتها في نجاح العمل، ألا وهي الكاريزما والذكاء والتوظيف، وضعْ تحت الذكاء خطوطاً كثيرة.

يوسف “وهنا أقصد يوسف الشريف وطاقم العمل كله”، كان بإمكانه عمل مسلسل يدور حول ضابط محبوب بين الناس، أو صعيدي يريد أن يستولي على أرض مليئة بالآثار، وحينها ستحقق أعماله نجاحاً ومشاهدة بالملايين كالآخرين، لكن يوسف ذكي ومثقف قادر على متابعة الاتجاه العالمي والعربي، وقادر على رؤية شباك تذاكر Avengers وإقبال الجمهور عليه في مصر، مشاهدات westworld على HBO، وقادر على متابعة السوق واتجاه المشاهد للأعمال الأجنبية مثل Dark و Game of thrones، ولديه الشجاعة الكافية للمراهنة على وعي فئة الـ5%.

برأيي أن ما جعل يوسف الشريف بالقمة ليس موهبته التمثيلية، إنما موهبته الاختيارية التي استطاع توظيفها، وغرَّد خارج القطيع.

إن مسلسل “النهاية” ليوسف الشريف والذي سيُعرض في شهر رمضان، حتى لو فشل جماهيرياً أو ادَّعى أحدهم أنه مسروق من عمل أجنبي، أتوقع أنه سيكون نموذجاً وأساساً تُقارَن به الأعمال الخيالية مستقبلاً، أما لو نجح المسلسل -وهو المتوقع- فسيتم اعتباره اتجاهاً جديداً للدراما المصرية، وخطوة تأخرت 30 سنة تقريباً، في الحالتين أرى أن يوسف الشريف سيخرج رابحاً، وسيخرج من التصنيف بين المنافسين ويصنع تصنيفه الشخصي الخارج عن هذه المنافسة، ولذلك أقول “شابوه” يوسف الشريف، ليس لأنه ممثل عظيم مثل واكين فينيكس أو ليوناردو ديكابريو، لكن لأنه استطاع بذكائه كسر القفل الذي أغلق باب الإبداع في مجال الخيال العلمي، هذا المجال الذي لم يتم التطرق إليه نهائياً في مصر تقريباً.

وسيُحسب ليوسف الشريف أنه استطاع جعل المشاهد الموظف العادي يتعرف على نوعية جديدة من الأعمال الدرامية العربية في مجال الخيال العلمي، والتي لا يعترف بها إلا في الأعمال الأجنبية فقط.

فبدلاً من الاستسهال في البحث عن النجاح الجماهيري الخارج عن أي إبداع أو تجديد يُذكر، سيكون عمله هذا مصدر رزق جديداً لملايين الكُتاب في فئة الخيال العلمي التي انحصرت أعمالهم الكتابية في الكتب فقط مع يأس في خروج أفكارهم للنور.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى