تقارير وملفات إضافية

العنف وكورونا.. كيف يساعد الوباء الميليشيات والحكومات الاستبدادية في كل مكان؟

دعا أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، في 23 مارس/آذار، إلى وقفٍ عالمي لإطلاق النار، حتى يتسنَّى للعالم التركيز على جائحة كوفيد-19، ولكن الواقع يبدو مختلفاً إذ إن وباء كورونا أدى إلى تفاقم العنف في الأماكن المضطربة من العالم. 

استجابت لدعوة الأمين العام للأمم المتحدة حفنةٌ من الدول فقط، في المقابل تعمل المئات من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني على جعل ذلك حقيقةً على أرض الواقع وأن يكون وقف إطلاق النار الأمل لإنهاء العنف الكارثي والأزمات الإنسانية حول العالم. 

ولكن الأمل أن يؤدي الفيروس المميت إلى إنعاش آمال السلام ودفع الأطراف المتصارعة في العالم إلى تقليل عنفها وإتاحة الفرصة لجهود مكافحة الجائحة يبدو بعيداً، إذ أن قدوم وباء كورونا أدى إلى تفاقم العنف أكثر من ذي قبل.

فقد توصَّلَت مداولةٌ حديثة حول مدى تأثير فيروس كورونا المُستجَد على بناء السلام، بمشاركة 400 خبيرٍ محلي من أكثر من 60 دولة، إلى أن الجائحة والاستجابة لها يفاقمان العنف والصراع، بينما يساهم العنف المُسلَّح الراهن في المزيد من تفشي الفيروس، حسبما ورد في تقرير لموقع مؤسسة Responsible Statecraft الأمريكية. 

ويُقدِّم وقف إطلاق النار هدنةً مهمة في الصراعات قد تساهم في خفض العنف وتقليص انتشار الفيروس. وهي تجلب أيضاً فرصةً لتدشين عملية سلام لمعالجة جذور الصراع ووضع حدٍّ للعنف. لن يكون وقف إطلاق النار على الصعيد العالمي سهلاً، لكنه ممكن، وسوف يتطلَّب نهجاً شاملاً وكلياً من جانب المجتمع الدولي والحكومات والمجتمعات المحلية. 

ويُظهِر تقرير المداولة، الذي نشرته منظمات Peace Direct وConducive Space for Peace وHumanity United، أن هناك فرصاً لإنجاح وقف إطلاق النار وبناء سلامٍ مُستدام. 

ويقف بناة السلام المحليون في الخطوط الأمامية لوضع حدٍّ للعنف في مجتمعاتهم ولنشر الوعي بشأن الوقاية من فيروس كوفيد-19. إنهم يفهمون تعقيدات الصراعات الجارية في مجتمعاتهم، وبإمكانهم التعامل مع الجائحة بحساسيةٍ تجاه الصراعات بشكلٍ لا يُفاقِم جذور العنف. لكن الكثيرين منهم ليست لديهم الموارد التي هم في أمسِّ الحاجة إليها لينجحوا في ذلك. 

أما تحويل التمويل من بناء السلام للتركيز بصورةٍ حصرية على مواجهة فيروس كورونا المُستجَد، فإنه يجعل المجتمعات المُستضعَفة عرضةً للخطر. وقد استفادت الكثير من الدول والميليشيات المُسلَّحة من خطاب الحرب، الذي تستخدمه الولايات المتحدة وغيرها من الدول لمواجهة الجائحة، من أجل تمديد سلطتها وغلق المساحات المدنية مثل حرية التعبير والصحافة وحرية التجمهر. 

أدت تدابير البقاء في المنازل إلى إغلاق الكثير من الأعمال والوكالات الحكومية، مِمَّا أدَّى إلى زيادةٍ في الجرائم والعنف الذي يفاقم القضايا الكامنة وراء الصراعات. وشهدت هذه التدابير زيادةً هائلة في العنف الأسري. 

أوضح بواز موكاراموجا، أحد بناة السلام في كينيا، قائلاً: “الآن تعمل المكاتب الحكومية بجزءٍ من طاقتها، والمحاكم مُغلَقة، والإدارات تعمل جزئياً. لذا فإن هذا يُفاقِم الصراعات لأننا نشهد زيادةً في قضايا السرقة في المناطق الريفية. من الصعب أيضاً على بناة السلام أن يتدخَّلوا بأيِّ شكلٍ لأن الحكومة أمرت بالعمل من المنازل”. 

وتتفق منظمة الصحة العالمية ومراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها على أن كوفيد-19 سوف يؤثِّر بصورةٍ غير متكافئة على السُكَّان والبلدان الأفقر، مِمَّا يُشدِّد على أهمية المساعدات الأجنبية من الدول الأغنى. 

لكن تقديم المساعدات المتعلِّقة بمواجهة فيروس كورونا المُستجَد يتعيَّن أن يجري بحساسيةٍ إزاء الصراعات الكامنة في الكثير من المناطق حول العالم. ويكمن الحل في دعم الأطراف المحلية التي لديها معرفة شاملة بمجريات الصراع. 

وهناك اتجاه متنامٍ لدعم الأطراف المحلية للتعامل مع المشكلات التي تواجهها بلدانهم. وحانت الآن ضرورة الاستثمار في السُكَّان المحليين، أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، من أجل تعزيز المهارات والموارد المُتوفِّرة لديهم لنشر الوعي بشأن الوقاية من فيروس كوفيد-19، والاستمرار في منع العنف من أجل بناء سلامٍ مُستدام سوف يستمر بعد احتواء الجائحة. 

من الضروري على الأطراف الدولية والقومية والمحلية أن يعملوا معاً في هذا الوقت الذي لم يكن له مثيلٌ من قبل من أجل إنجاح وقف إطلاق النار على الصعيد العالمي، وأن يتَّخِذوا أيضاً الخطوات التالية من أجل حلٍّ أكثر ديمومةً -وهذه العملية ليست هي الأولى من نوعها. فبالفعل، عملت الأطراف المحلية -مثل تجمُّع المهنيين السودانيين- مع بناة السلام في السودان من أجل إزاحة عمر البشير عن السلطة. 

ومارَسَت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي ضغطاً دبلوماسياً على المجلس العسكري الانتقالي، وساعدا الأطراف المحلية وبناة السلام المحليين من أجل التوصُّل إلى اتفاقٍ يمنح السلطة لشعب السودان. 

إن التوعية بشأن الوقاية من كوفيد-19 مهمةٌ للغاية للأطراف المحلية من أجل كبح تفشي الفيروس حتى يتوفَّر علاجٌ له. ويمكن للأطراف المحلية أن توفِّر المساحة اللازمة من أجل عمل بناة السلامة المحليين. يمكنهم أيضاً العمل من أجل منع انتشار معلوماتٍ زائفة أو مُضلِّلة عن الفيروس. ويمكن للأطراف الدولية دعم بناة السلام المحليين بالموارد التي هم بحاجةٍ إليها لتعزيز قدراتهم وزيادة فرص نجاحهم. 

وحين يتعلَّق الأمر بمكافحة فيروس كوفيد-19، فإن السلام يعمل بشكلٍ أفضل. سيتطلَّب الأمر نهجاً شاملاً من الأطراف الدولية والقومية والمحلية من أجل احتواء الفيروس ووضع حدٍّ للصراع العنيف حول العالم. إن وقف إطلاق النار ضروريٌّ من أجل تطويق الجائحة، لكنه أيضاً يقدِّم للناس الوقت المثالي للاتِّحاد وإنهاء العنف على السواء. 

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى