تقارير وملفات إضافية

ماذا لو فاز بايدن؟ قائمة الخاسرين من أصدقاء ترامب طويلة يتصدرها زعماء عرب

لم تعُد مسألة فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفترة رئاسية ثانية أمراً شبه محسوم كما كان عليه الحال قبل وباء كورونا، الذي لم يُصِب فقط أكثر من مليون و706 آلاف في الولايات المتحدة وأودى بحياة نحو 100 ألف، بل أصاب الورقة الأهم في رئاسة ترامب -وهي الاقتصاد- في مقتل، لذلك لم يعد سؤال من هم الخاسرون والرابحون حال غادر ترامب البيت الأبيض هذا العام سؤالاً افتراضياً بحتاً، فما القصة؟

نشرت وكالة فرانس برس، اليوم الثلاثاء 26 مايو/أيار، مقابلة مع المدير العام للشؤون الأمريكية في وزارة الخارجية الكوبية كارلوس فيرنانديز دو كوسيو، أكد خلالها أن إعادة انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني، سيكون “أسوأ” سيناريو للعلاقات مع كوبا، مضيفاً أنه “إذا فاز الجمهوريون (…) فإنه سيناريو سلبي جداً” للعلاقات الثنائية المتوترة أصلاً، لأن ذلك سيؤدي إلى “استمرار السياسة العدوانية الحالية ضد بلادنا”.

صحيح أن العلاقات بين هافانا وواشنطن تتسم تاريخيًّا بالعداء، فكوبا كانت أحد أهم أضلاع المعسكر الشرقي في الأمريكتين، وشهدت أزمة الصواريخ الشهيرة في ستينات القرن الماضي، وحاولت الولايات المتحدة غزوها، لكن أثناء رئاسة باراك أوباما تحسَّنت تلك العلاقات بشكل لافت، ووصلت ذروة التحسن في إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين عام 2015، لكن مع وصول ترامب للبيت الأبيض عادت الأمور إلى نقطة الصفر تقريباً.

ففي عام 2019، عزَّزت إدارة ترامب الحصار على كوبا، الذي كان سارياً منذ عام 1962، من خلال أكثر من 80 إجراء، نصفها ذات طابع اقتصادي: عقبات أمام تسليم كوبا النفط الفنزويلي، ضغوط وملاحقات ضد مصارف وشركات أجنبية تعمل مع الجزيرة، قيود على زيارات الأمريكيين إلى كوبا.

ورغم تفشي وباء كورونا حول العالم لم يشهد التصعيد الدبلوماسي الترامبي أي هدنة، بل ندد مسؤولون أمريكيون علناً بإرسال كوبا طواقمها الطبية لمساعدة أكثر من 24 دولة حول العالم على مواجهة تفشي الوباء القاتل.

في ظل العداء الواضح الذي يكنه ترامب لسلفه أوباما، وسعي الأول لاتخاذ سياسات في الاتجاه المعاكس لما اتخذه الأخير، كما فعل مع إيران، وانسحابه من الاتفاق النووي الذي وقّعه أوباما، ليس غريباً تفسير إقدام ترامب على إعادة فرض الحصار على كوبا.

والآن مع اقتراب الانتخابات، هناك عامل آخر لا يقل أهمية، وهو وجود ما يُعرف باسم المجتمع الكوبي المنفي في ولاية فلوريدا الأمريكية، التي تعتبر إحدى الولايات الأساسية لإعادة انتخاب الرئيس الجمهوري، وفي هذا السياق قال ترامب في تسجيل مصوّر نُشر على تويتر، الأربعاء 20 مايو/أيار: “نحن فخورون بكم للغاية، الكوبيون الأمريكيون، أنا مسرور لأنكم إلى جانبي”.

يعتمد ترامب في حشده لأصوات الأمريكيين من أصل كوبي على الكثير من المنفيين أو المنحدرين من منفيين كوبيين، الذين ينتقدون كثيراً حكومة هافانا، على غرار السناتور ماركو روبيو أو النائب ماريو دياز-بالارت، وكلاهما من فلوريدا، ولهذا يرى كارلوس فيرنانديز دو كوسيو أنه في حال فاز ترامب بولاية ثانية فإن الخطر هو أن “يقرر إبقاء هذه المجموعة الصغيرة من الأشخاص، ذات المسار المناهض لكوبا، في مناصب مهمة إلى هذا الحدّ في الإدارة” الأمريكية.

قبل أيام تم الكشف عن نموذج لنتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة، في 3 نوفمبر/تشرين الثاني، كشف عن أن الكساد الاقتصادي غير المسبوق بسبب جائحة كورونا سوف يكلف ترامب “خسارة تاريخية”، حسب تقرير لشبكة CNN نقلاً عن معهد أوكسفورد لعلوم الاقتصاد الذي أعد النموذج التجريبي.

هذا النموذج هو الأكثر شمولاً منذ جائحة كورونا ولا يعد مفاجئاً، حيث أظهرت استطلاعات الرأي الأسبوعية، منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي، تقدماً ملحوظاً للمرشح الديمقراطي جو بايدن على حساب الجمهوري ترامب، وترتفع نسب تأييد بايدن مقابل انخفاض نسب تأييد ترامب بشكل واضح، لكن تظل الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات.

وقد نشر موقع ماركت ووتش الاقتصادي تحليلاً بعنوان “استطلاعات الرأي تُظهر فوز بايدن على ترامب في انتخابات 2020، لكن ماذا لو رفض ترامب الهزيمة؟”، ألقى الضوء على محاولات ترامب وجاريد كوشنر، صهره وكبير مستشاريه، استغلال ظروف جائحة كورونا لتأجيل الانتخابات، تفادياً للهزيمة، وهذا الأمر بالطبع لم يحدث مطلقاً في تاريخ الولايات المتحدة.

وبعيداً عن تركيز الضوء إعلامياً على المحاولات المزعومة لترامب وكوشنر لتأجيل الانتخابات -وهو الأمر الذي نفاه كوشنر أكثر من مرة- تظل مسألة تقدم بايدن بشكل واضح في استطلاعات الرأي حقيقة قادمة لا تقبل الجدل، وهو ما يعني على أقل تقدير أن بقاء ترامب في البيت الأبيض فترة ثانية لم يعد أمراً محسوماً كما كانت قبل عدة أشهر لأسباب كثيرة، على رأسها الكساد الاقتصادي، وارتفاع نسب البطالة بصورة غير مسبوقة، إضافة للفشل الذريع في الاستعداد لمواجهة الوباء القاتل، ما أدى لأن تصبح الولايات المتحدة الدولة الأكثر تضرراً عالمياً.

خسارة ترامب وخروجه من البيت الأبيض من المؤكد أنها ستكون بمثابة خبر سار لكوبا، حيث إن بايدن كان نائباً لأوباما على مدى ثماني سنوات، وعلى الأرجح ستستعيد العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الزخم الذي عكسته إدارة ترامب، لكن قائمة أصدقاء ترامب الذين سيخسرون حليفاً قوياً تُعتبر طويلة، واللافت أن بعض الزعماء العرب يأتون على رأسها تقريباً.

وتتصدر المملكة العربية السعودية وحاكمها الفعلي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قائمة الخاسرين الأبرز من خروج ترامب من البيت الأبيض، ولا أدل على ذلك من قول بايدن نفسه في أكتوبر/تشرين الأول عام 2018، عن ترامب “يبدو أنه يحب العلاقات الغرامية مع الحكام المستبدين”، في معرض انتقاده لتعامل الرئيس الأمريكي مع قادة السعودية، في أعقاب مقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول، وهي الجريمة التي أشارت تقارير دولية كثيرة بأصابع الاتهام فيها إلى ولي العهد شخصياً.

لكن هذا ليس السبب الوحيد لتصدُّر السعودية قائمة الخاسرين، بالملف الإيراني أيضاً له دور بارز في هذه الخسارة، حيث كانت الإدارة الديمقراطية باراك-بايدن هي من وقَّعت الاتفاق النووي مع طهران، بينما انسحب منه ترامب صديق السعودية -التي كانت أول محطة خارجية زارها بعد تولّيه المنصب- وأعاد فرض العقوبات الأمريكية على إيران، وهو ما يريده ولي العهد.

الخاسر الأكبر الثاني من خسارة ترامب سيكون رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي قدّم له ترامب ما لم يجرؤ عليه أي رئيس أمريكي آخر بنقل سفارة واشنطن إلى القدس، وقرار ضم هضبة الجولان تمهيداً لصفقة القرن، التي تخوّل للدولة العبرية ابتلاع باقي الأراضي الفلسطينية المحتلة بدعم أمريكي، وهذا ما يدركه نتنياهو جيداً؛ لذلك يسعى لتنفيذ قرار ضم غور الأردن ومستوطنات الضفة الغربية كما قال في أول يوليو/تموز المقبل.

ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد صديق آخر لترامب تمتع بالدعم من ساكن البيت الأبيض، وتدخل في ملفات كثيرة من اليمن إلى ليبيا والصومال ومصر والسودان وغيرها، بصفته زعيماً للثورات المضادة في العالم العربي، بعد ثورات الربيع العربي في 2011، التي أطاحت بالديكتاتوريات الفاسدة التي حكمت لعقود بالحديد والنار، وعلى الأرجح سيتم فتح كثير من ملفات نشر الفوضى التي قادها ولي عهد أبوظبي إذا ما غابت عنه مظلة الحماية التي وفَّرها له ترامب طوال السنوات الأربع الماضية، وهاهو ملف ليبيا يشهد توجيه أصابع الاتهام في الأمم المتحدة لأبوظبي، في خطوة ربما تمثل بداية النهاية لأحد أبرز أصدقاء ترامب.

القائمة أيضاً تضم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الذي وصفه ترامب ذات مرة “بديكتاتوري المفضل”، وسيصبح ملف حقوق الإنسان في مصر ذا حيز كبير في علاقة الإدارة الديمقراطية مع حكومة السيسي، بعد أن تغاضى ترامب تماماً عن هذا الملف طوال فترة رئاسته، رغم التقارير الحقوقية الأمريكية والدولية، التي رصدت انتهاكات بالجملة من اختفاء قسري واعتقال عشرات الآلاف من المعارضين السياسيين تحت مزاعم محاربة الإرهاب.

ويمكن تلخيص التحول المتوقع في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط والعالم من خلال ما قاله بايدن نفسه، عندما أعلن ترشيح نفسه العام الماضي: “القيم الأساسية لهذه الأمة ومكانتنا في العالم وكل ما جعل من أمريكا أرض الحرية والديمقراطية في خطر كبير الآن (تحت رئاسة ترامب)”، ورغم أن تلك الكلمات تقع تحت تصنيف “شعارات انتخابية”، فإن الاختلاف واضح بين الجمهوريين والديمقراطيين في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان بصفة خاصة، وهو ما يعني أن قادة عرباً من أمثال ولي عهد السعودية وولي عهد أبوظبي والرئيس المصري سيواجهوان صعوبات -على أقل تقدير- حال خسارة ترامب في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى