تقارير وملفات إضافية

موسكو ضحت بكل شيء من أجل هذا المشروع، فكيف قدمت تركيا فرصة العمر للغاز الروسي؟

رغم إعلان الولايات المتحدة فرض عقوبات على خط غاز السيل التركي، فقد أعلن الرئيسان الروسي والتركي إطلاق الغاز في الخط الذي سيزود دول جنوب أوروبا بالغاز ويعزز الهيمنة الروسية على سوق الطاقة الأوروبي. 

فرغم كل التلويحات والتهديدات والخلافات الأوروبية مع تركيا وروسيا، فإن خط السيل التركي يعزز حاجة أوروبا إلى روسيا وتركيا، فلماذا أنشأت روسيا هذا الخط رغم أن لديها عدة خطوط أخرى لتصدير الغاز؟

في الشهر الماضي، وافق مجلس الشيوخ الأمريكي على مشروع قانون للدفاع يفرض عقوبات على كل من TurkStream و Nord Stream 2 ، كجزء من الإجراءات المصممة «لردع العدوان الروسي».

على الرغم من الجهود الأوروبية لتنويع مصادر الطاقة، فلا يزال الكثير من الدول الأوروبية يعتمد اعتماداً كبيراً على الغاز الروسي.

هذا الخط الجديد يتخطى أوكرانيا التي دخلت مع روسيا في صراع حاد منذ عام 2014.

تدهورت العلاقات بين موسكو وكييف بشدة منذ ضم روسيا شبه جزيرة القرم في مارس/آذار 2014 واستولى الانفصاليون المؤيدون للكرملين على جزء من شرق أوكرانيا. أوقفت أوكرانيا وارداتها المباشرة من الغاز الروسي في نوفمبر/تشرين الثاني 2015.

وفي الوقت نفسه فإن هذا الخط سيوفر لتركيا فرصة للصعود لتصبح مركزاً رئيسياً للغاز في المنطقة.

كل هذا يحدث على خلفية حملات الروسية في الغرب، والعقوبات الأوروبية ضد روسيا لضم شبه جزيرة القرم والحروب في ليبيا وسوريا، حيث تدعم تركيا وروسيا أطرافاً متعارضة.

وقال مشغل الغاز بولجارترانسجاز يوم الأحد إن روسيا بدأت بالفعل توصيل الغاز الأوروبي عبر خط الأنابيب. تقع محطة الأنابيب بالقرب من قرية كييكوي التركية، على بعد حوالي 20 كيلومتراً (12 ميلاً) من الحدود البلغارية.

كانت روسيا تصدر الغاز إلى أوروبا عبر أوكرانيا، ولكن مع تفاقم مشكلاتها مع كييف لجأت إلى إيجاد بدائل، أبرزها ما يعرف بالسيل الشمالي Nord Stream . 

بالنظر إلى التكاليف، يمكن للمرء أن يفترض أنه لا TurkStream أو Nord Stream كانا مشروعين اقتصاديين، بل مشاريع سياسية. أحد الدوافع السياسية لروسيا هو بطريقة ما عقاب لأوكرانيا، التي دخلت في صراع منذ عام 2014.

اتخذت روسيا قراراً بتجنب مخاطر العبور عبر أوكرانيا (رغم تحسن العلاقات بين البلدين) حتى لو زادت التكاليف.

يقول سيرغي كابيتونوف، محلل الغاز الطبيعي في مركز SKOLKOVO للطاقة: «بشكل ما، كانت مثل هذه الاستراتيجية في الواقع عقاباً لأوكرانيا. لكن بعد توقيع عقد العبور للغاز لمدة خمس سنوات مع أوكرانيا الشهر الماضي، لا يمكن اعتباره عقاباً، ولكن ربما يمثل فرصة نظراً لتزايد مكانة الغاز الروسي المستورد في أوروبا من منتصف عام 2020».

بالنظر إلى تكلفة المشروع واعتماد أوروبا الكبير على الغاز الروسي، قد يتساءل العملاء عما إذا كانوا سيرون أي تغييرات في فواتير الغاز الخاصة بهم.

في الواقع، فإن خط الأنابيب الجديد سيعمل على تحسين تكاليف النقل، ولكن ليس للجميع.

وفقاً لكابيتونوف: «بالنسبة لبعض العملاء سوف تزيد مسافة النقل، بالنسبة للبعض، سوف تنخفض. بعض الدول مثل أوكرانيا ومولدوفا ورومانيا ستفقد عائدات العبور، في حين أن تركيا ستجمع إيرادات العبور».

تزود شركة غازبروم التي تملك غالبية الغاز في روسيا حوالي 40٪ من إجمالي واردات الغاز الأوروبية من خلال ثلاثة خطوط أنابيب رئيسية: نورد ستريم 1، وخط أنابيب آخر يمر عبر أوكرانيا، وخط ثالث عبر روسيا البيضاء.

ورغم رغبة الاتحاد الأوروبي في تخفيف الاعتماد على روسيا فإن المفارقة أن ألمانيا هي السبب في تزايد الاعتماد الأوروبي على روسيا؛ فألمانيا هي أكبر العملاء الأوروبيين لروسيا.

إذ توفر شركة Nord Stream ثلث إجمالي الغاز الطبيعي الذي تستهلكه ألمانيا. 

في الواقع، تمر ألمانيا بمرحلة انتقالية في مجال الطاقة، بعيداً عن الطاقة النووية والفحم، وقد اختارت الغاز الروسي كبديل جيد لوضع هذا التحول في طريقه.

ومع أن باقي الدول الأوروبية لم تأخذ نهج ألمانيا في نبذ الطاقة النووية، فإن الغاز بالنسبة للدول الأوروبية أقل ضرراً من مصادر الوقود الأحفوري الأخرى.

حسب خبير الغاز كابيتونوف، فإن أوروبا تعتمد إلى حد كبير على استيراد الغاز من بلدان ثالثة، مثل النرويج أو روسيا أو قطر أو الجزائر أو الولايات المتحدة، ويأتي ثلثا استهلاكها من الغاز من الخارج. من المتوقع أن يزداد استهلاك الغاز في أوروبا في عام 2019.

يضيف كابيتونوف أن الاتجاه الأكثر أهمية هو انخفاض إنتاج الغاز داخل أوروبا، والذي يشكل ثلث الاستهلاك الأوروبي.

بحلول عام 2022، سيتم إغلاق حقل غاز جروننجن، الذي كان مهد صناعة الغاز في أوروبا، بشكل دائم. انخفض إنتاج الغاز في النرويج، وهو يتراجع باستمرار في بحر الشمال (المملكة المتحدة وهولندا والدنمارك وألمانيا).

تزايد الطلب على الغاز، ولكن الأهم من ذلك انخفاض الإنتاج المحلي هما العاملان اللذان يوفران مكانة إضافية للاستيراد على المدى المتوسط. لكن يبقى السؤال: من أين ستحصل أوروبا على هذا الغاز، روسيا أم الأسواق العالمية؟

يبدو أن الرد الروسي جاهز في وقت تتعثر مشروعات الغاز في شرق المتوسط وسط الخلافات الحدودية والتباينات السياسية.

ومن الواضح أن دول جنوب شرق أوروبا وخاصة بلغاريا وصربيا اللذين حضر رئيساهما إطلاق خط الغاز، لا تأبه للتهديدات الأمريكية ولا ضغوط بروكسل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى