تقارير وملفات إضافية

على طريقة ستالين.. كتاب أمريكي يكشف أساليب بن سلمان السرية لحكم السعودية

“أساليب الأمير محمد بن سلمان في الحكم أقرب إلى ستالين والعصابات منها إلى أساليب أجداده وأعمامه من ملوك السعودية”، تبدو هذه هي الخلاصة التي يصل إليها كتاب أمريكي عن ولي العهد السعودي. 

اللافت أن لاشيء في تاريخ ولي العهد السعودي ما يؤشر إلى مايحدث حالياً. 

يذكر بن هوبارد، مراسل صحيفة The New York Times الأمريكية إلى الشرق الأوسط، في كتابه الجديد: MBS: The Rise to Power of Mohammed bin Salman بكل صراحةٍ أنَّه “من الصعب رسم صورة تفصيلية عن حياته المبكرة” وأنَّه “ما زالت هناك الكثير من النقاط غير واضحة حول كيفية قضاء محمد بن سلمان فترة العشرينات من عمره”، وأننا “ليس لدينا سوى بعض التكهنات التي أدلت بها مصادر مُطلعة” بشأن أسباب اختياره للمنصب الذي يجعله الملك المستقبلي المحتمل. 

وهناك عددٌ من التفسيرات المحتملة لوجود هذه النقاط الغامضة، حسبما نقل عن الكاتب تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.

أولها أنَّ محمد بن سلمان حين كان طفلاً، لم يكن يبدو على الإطلاق أنَّ مصيره سيؤول إلى شغل منصب عظيم كهذا. إذ يقول هوبارد متحدثاً عنه: “بصفته الابن السادس للابن الخامس والعشرين للملك المؤسس، لم يكن هناك سببٌ وجيه يجعل أحداً يتوقع صعوده إلى منصبٍ بارز”.

وثانيها أنَّه لم يدرس في الخارج، على عكس العديد من أبناء عمومته وإخوته غير الأشقاء في العائلة المالكة. بل أمضى سنوات تكوينه داخل المملكة العربية السعودية.

وثالثها أنَّ الأشخاص السعوديين الذين قد تكون لديهم معلوماتٌ يسردوها عن ذلك، حتى وإن كانت تبدو حميدة، يخشون الإفصاح عنها.

 إذ كتب هوبارد في كتابه: “الخوف منتشر جداً لدرجة أنَّ أي منشورٍ طائش على شبكات التواصل الاجتماعي أو تعليق خاص يمكن أن يؤدي إلى الاعتقال أو السجن، ولدرجة أنَّ العديد من السعوديين يتجنَّبون التحدث عبر الهاتف أو يضعون هواتفهم المحمولة في الثلاجة حين يجتمعون”.

وهذا يشير إلى جوهر ما يكشف عنه هذا الكتاب. فصحيحٌ أنَّه ربما لا يوضِّح جوانب النشأة الداخلية لملكٍ مستقبلي، لكنَّه يرسم صورةً حية لمدى التغيير الذي طرأ على المملكة خلال حُكمه المستمر منذ 5 سنوات. 

وقد يفاجئ هذا التحُّول القُرَّاء الأمريكيين الذين لا يعرفون السعودية سوى معرفةٍ عابرة. فعلى كل حال، ربما يعرفون أنَّ المملكة العربية السعودية لم تكن ديمقراطيةً قط، وأنَّها استعبدت حوالي نصف شعبها فترةً طويلة. وأنَّها عزَّزت تفسيراً متشدداً للإسلام -ظهرت أبرز تجلياته المشينة في هجمات 11 سبتمبر/أيلول على نيويورك وواشنطن- ونشرته. 

كل هذا صحيح، وفي الواقع، أجرى محمد بن سلمان تحسيناتٍ متواضعة على حقوق النساء (إذ أصبح مسموحاً لهن بالقيادة الآن) وكَبح جماح رجال الدين المتشددين (إذ افتتح دور عرض أفلام سينمائية).

لكنَّ التغيير الأساسي الذي أحدثه الأمير محمد العنيد، كما يوضح هوبارد، هو تحويل “أتوقراطية ناعمة” كانت تشهد توزيع النفوذ بين مراكز قوة متعددة، وإتاحة متنفسٍ صغير للشكوى والمعارضة الحذِرة، إلى “مختبرٍ لنوع جديد من الاستبداد الإلكتروني”.

إذ كتب هوبارد: “بمرور الوقت، انخرطت البلاد في مراقبة مواطنين سعوديين في الخارج ومضايقتهم واختطافهم، فضلاً عن اعتقالهم وتعذيبهم أحياناً داخل قصور تابعة لمحمد بن سلمان ووالده”. وبحلول الوقت الذي أنهى فيه هوبارد كتابة هذا الكتاب، أدرك أنَّ “تغييراً جذرياً قد حدث في المملكة العربية السعودية”، على حد تعبيره.

ويتحدث هوبارد في كتابه عن توطيد محمد بن سلمان لمكانته مستخدماً بعض تكتيكات العصابات التي تشبه أساليب ستالين ورئيس جهاز الشرطة السرية في عهده، لافرينتي بيريا. إذ احتجز والدته بعيداً، وأخذ رئيس الوزراء اللبناني رهينة. 

وفي عام 2017، دبَّر انقلاباً ناعماً ضد ابن عمه الأكبر، محمد بن نايف، الذي كان الملك سلمان -المُسِن الذي ربما يكون مريضاً- قد عيَّنه في منصب ولي العهد. ثم تحول هذا الانقلاب الناعم إلى انقلابٍ أخشن في الشهر الجاري مارس/آذار حين ألقيَ القبض على محمد بن نايف.

وأبلغ محمد بن سلمان إدارة شركة بناء رائدة برغبته في أن يصبح شريكاً فيها. وحين رفض الأخوة الذين كانوا يديرون الشركة رغبته، استولت الحكومة السعودية على منازلهم وطائراتهم الخاصة ومجوهراتهم وأموالهم و”مجموعة السيارات التي تبلغ قيمتها 90 مليون دولار والتي كان يملكها أحدهم”.

وفي عام 2017، اعتقل محمد العشرات من كبار الأمراء والمديرين التنفيذيين في المملكة العربية السعودية، وحبسهم في فندق ريتز كارلتون وسجن العديد منهم عدة شهور. وأعلن النائب العام السعودي آنذاك أنَّهم متهمون بالفساد، وأنهم يتمتعون بـ “إجراءات قضائية مستقلة”. وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ الظروف الصعبة التي عاشوها ما زالت طي الكتمان حتى يومنا هذا، ولكن يُعتقد أن بعضهم تعرضوا للتعذيب، وأنَّ البعض ما زال قيد الإقامة الجبرية، وأنَّ معظمهم أجبر على التنازل عن أصول تتجاوز قيمتها 100 مليار دولار وفقاً لاتفاقٍ لم يُفسَّر قَط. 

وليس من قبيل الصدفة أنَّ تلك الواقعة، التي وطَّدت حكم محمد بن سلمان الديكتاتوري الذي يسيطر عليه بلا منازع، قوبلت بمباركةٍ حماسية من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي كتب آنذاك في تغريدةٍ عن الأمراء المحتجزين: “بعض أولئك الذين يُعامَلون بقسوة “يحلبون” بلادهم منذ سنوات!”. 

وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ هوبارد يتطرَّق إلى إعجاب ترامب بمحمد، وعلاقات ولي العهد الودودة مع جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي طوال معظم أجزاء الكتاب، وضعف ردود الفعل الأمريكية على أساليب الأمير محمد بن سلمان في الحكم وسياساته رغم قسوتها.

فبعدما كان الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما يمانع الانجرار إلى ما اعتبره حرباً طائفية تشنها السعودية ضد إيران، وحاول الحفاظ على مسافة معينة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية بالرغم من تحالفهما، جاء ترامب وكوشنر ليدعما تصرُّفات محمد بن سلمان المتهورة واحداً تلو الآخر: مثل اعتقال الأمراء ورجال الأعمال البارزين في ريتز كارلتون، ومحاولة عزل قطر، وتدخُّله الكارثي الدموي الأشد تدميراً في حرب اليمن. وقد تجلَّى تهور بن سلمان بالكامل مرةً أخرى في الأسبوع الماضي حين بدأ حرب أسعار مزعزعة للاستقرار ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في خضمِّ أزمةٍ صحية عالمية. 

ووصل استعداد ترامب لتبرير أي سلوك على الإطلاق من سلوكيات بن سلمان إلى ذروته حين سامحه على الجريمة التي تمثِّل أبرز أجزاء كتاب هوبارد: قتل المعارض السعودي جمال خاشقجي وتقطيع جثته داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.

لكنَّ معظم العالم ليس متسامحاً إلى هذه الدرجة مع أساليب الأمير محمد بن سلمان في الحكم وممارساته، حسب ما ذكر هوبارد، مشيراً إلى اشمئزاز معظم أعضاء الكونغرس من الأمير السعودي بسبب هذه الجريمة، وعجزه عن إجراء زيارات متباهية في مختلف أنحاء الغرب مثل تلك التي كان يجريها بعد وقت قصير من توليه منصب ولي العهد. 

وأضاف في كتابه: “مقتل خاشقجي كان بمثابة تنبيه إيقاظي. صحيحٌ أنَّ خاشقجي كان رجلاً واحداً فقط، لكنَّ التباين بين انتقاداته المنطقية العقلانية ونهايته البشعة لفتت انتباه العالم”.

واعترف هوبارد بأنَّ آثار هذا الاشمئزاز قد تتبدَّد حتى لو استمر. فمن المرجح أن يستمر العالم في العمل مع ولي العهد ما دام في السلطة. لذا فالسؤال الحقيقي هو “هل سيتعلم محمد بن سلمان من أخطائه. وهل تصرفاته الخطرة مجرد أخطاء شبابية لحاكم عديم الخبرة؟ أم أنَّها تنبثق من جذور شخصيته وتُنذِر بأفعاله القادمة؟”، حسب ما ذكر هوبارد. 

خُلاصة القول أنَّ كتاب MBS: The Rise to Power of Mohammed bin Salman لا يحاول تقديم إجابة نهائية. لكنَّه لا يجعل القارئ متفائلاً بأنَّ محمد بن سلمان سينضج ويصبح ملكاً حكيماً أو إنسانياً.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى