تقارير وملفات إضافية

أسئلة البغدادي المحيرة.. لماذا اختاره جنرالات داعش خليفة وهل كان واجهة للمؤسسين الغامضين؟

من خطيب مسجد ولاعب كرة قدم محلي إلى أخطر رجل في العالم، تبدو قصة أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش مازال فيها الكثير الذي لم يرو، ومازال هناك الكثير مما يحتاج إلى فهم في حكاية هذا التنظيم الذي صدم العالم بفظائعه وأساء للإسلام والمسلمين.

فبإعلان الولايات المتحدة مقتل البغدادي تنتهي حياة واحداً من أغرب وأعنف الشخصيات في تاريخ المنطقة.

فكيف تحول هذا الرجل المسالم الذي درس الشريعة إلى زعيم واحد من أكثر التنظيمات دموية وغموضاً في التاريخ، ومن أين اكتسب البغدادي كل هذه والوحشية، والأغرب من أين اكتسب هذه القدرات التنظيمية الهائلة التي منحت داعش هذه القدرات العسكرية الهائلة التي مكنته من هزيمة أو نحو ثلاث من جيوش المنطقة إضافة إلى العديد من الميليشيات المسلحة تسليحاً عالياً.

ففي من الفترات تمكنت داعش من هزيمة الجيش العراقي والسوري واللبناني (احتلت بلدة عرسال التي تمثل مساحتها نحو 5% من  مساحة لبنان) إضافة إلى إيقاع هزيمة مدوية بالعديد من فصائل المعارضة السورية وصلت إلى قرب الإبادة أو الاستئصال إضافة إلى هزيمة أكراد سوريا والعراق، فضلاً عن تنظيم النصرة المتطرف، وهناك نشاطه المنفصل في سيناء وليبيا.

فهل كان البغدادي بمثل هذه العبقرية التنظيمية والعسكرية أم أنه كان مجرد واجهة لمجموعة سرية غامضة هي التي أسست داعش وكانت تتحكم فيه.

ذهبنا بهذه الأسئلة للدكتور محمد علوش الباحث اللبناني المتخصص في شؤون الحركات الجهادية ومؤلف كتاب داعش وأخواتها الذي تبع فيه نشأة ونمو تنظيم داعش».

المذهب الحنبلي كان موجوداً في فترات عديدة تاريخية في العراق ولكنه ضعف.

ولكن المذهب السلفي انتشر في المجتمعات العربية عامة نتيجة الدعم الخليجي عبر الإعلام والأموال والتبرعات إضافة إلى أن السعودية وبعض دول الخليج فتحت أبوابها للدراسات الدينية للطلاب من بلدان عربية فذهبوا بالآلاف وهناك تأثروا بفكر الشيخ محمد بن عبدالوهاب.

العراق من ضمن هذه البلدان إضافة إلى ضعف المؤسسة الدينية في العراق، كما أن الفكر السلفي كان مطمئناً للحكام العرب من عدة نواحي منهم صدام لأنه لا يتدخل في السياسة، ويركز على التدين الفردي للإنسان.

نقطة مهمة للأنظمة أن المذهب السلفي يجعل طاعة ولي الأمر من طاعة الله ويحرم الخروج عليه تحت أي ذريعة ويمنح الشرعية لأي رئيس حتى لو أتى بالانقلاب العسكري.

هذه الخصال الثلاث في أطروحة الأيديولوجيا السلفية تتماهى مع أي نظام سياسي قائم في العالم العربي، ومن هنا كان من مصلحة صدام السماح بالسلفية بالتواجد في مرحلة معينة.

فالفكر السلفي الحديث بدأ في العراق بعد حرب تحرير الكويت، إذ كان صدام حسين في حاجة لهذه الأطروحة التي تقول بحرمة تواجد القوات الأمريكية في دول الخليج وضرورة مواجهتها بما أن لديه ثأر مع دول الخليج وكان هذا الفكر في العراق يقول يهاجم هذه الدول تحميها أمريكا، ولكن لم ينتشر إلا بعد الاحتلال لأن الاحتلال الأمريكي للعراق.

هذه الخصال الثلاث في أطروحة الأيدولوجيا  السلفية تتماهى مع أي نظام سياسي قائم في العالم العربي ، ومن هنا كان من مصلحة صدام السماح بالسلفية بالتواجد في مرحلة معينة.

لاشك أن هناك قيادات في مجلس عسكري تمثل رديفاً لأبو بكر البغدادي وهو مجلس شديد البأس والقوة ويملك صلاحيات.

ومن الأعضاء التاريخيين في هذا المجلس والذين لعبوا دوراً مهماً في تأسيس داعش الضابط في مخابرات القوات الجوية العراقية السابق أبو بكر حجي.

ولكن هذا لا يعني أن أبو بكر كان مجرد واجهة بل كان زعيماً قوياً بين مجلس قوي.

فأبو بكر البغدادي لم يكن مجرد زعيم سطحي، نعم مجلس الشورى كان له الكلمة العليا، ولكن كان هناك اتساق بين الطرفين وكان المجلس يدعم قرارات البغدادي والعكس.

قرارات المواجهة كان تتخذ بالاتفاق بين الطرفين البغدادي والمجلس العسكري.

ويجب ملاحظة أن الفكر السلفي يقوم على عدم معارضة الخليفة، وحتى عدم نصحه في العلن.

ولم تنشأ خلافات في أوقات الانتصارات، ولكن ازدادت الخلافات مع تعدد الهزائم، كما زادت سلطات ما يعرف بالولاة داخل التنظيم على حساب القيادة المركزية.

فبعد سقوط الرقة، عاصمة التنظيم، أصبح هناك تباين في الآراء داخل المجلس العسكري لتنظيم داعش.

كان البغدادي إسلامياً قريباً من فكر الإخوان المسلمين في العراق، لكنه لم ينضم تنظيمياً لهم، لأن الإخوان المسلمين في العراق كان لهم هامش في المساحة المعطاة أيام خلاف صدام حسين مع حافظ الأسد، الذي كان ينكل بالإخوان المسلمين في سوريا.

وعبر هذه المساحة تتملذ جزء كبير من الشبان والأطفال على فكر الإخوان المسلمين بالحديث حول الخلافة والدولة الإسلامية التي تحقق فيها العدالة الاجتماعية، لكن البغدادي لاحقاً قبيل دخول القوات الأمريكية تأثر بالفكر السلفي لكنه كان إعجاباً أكثر منه تأطراً في تنظيم.

بعد الغزو الأمريكي للعراق وحل الجيش العراقي، أصيب المجتمع العربي السني العراقي بصدمة كبيرة، وانضم ضباط ذوي خبرة في الجيش العراق بعد انهياره، للمقاومة العربية السنية وتدريجياً انضم العديد من هؤلاء لتنظيم القاعدة وخاصة مجموعة أبو مصعب الزرقاوي (التي كانت في الأصل مجموعة مختلفة عن القاعدة وظلت حتى بعد انضمامها للقاعدة تميل إلى الخروج عن أوامر التنظيم).

ثم عبر مجلس الشورى المجاهدين تفككوا لتنظيمات عدة تحولت هذه التنظيمات إلى داعش.

قبل تأسيس داعش كان هناك تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين الذي أسسه أبو مصعب الزرقاوي وبعد مقتله ظهرت دولة العراق الإسلامية التي أسسها أبو عمر البغدادي الذي انضم له أبو بكر البغدادي الذي تحول التنظيم في عهده إلى الدولة الإسلامية في العراق والدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش».

وعلاقة البغدادي بهذه التنظيمات بدأت بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، حيث أنشأ البغدادي مقاومة في منطقته مع مجموعة من أصدقائه في أحد الأحياء حيث كان خطيب مسجد ونسق مع مجموعات أخرى ثم وقع في الأسر في عام 2005 حيث اعتقل في سجن بوكا.

وفي هذا السجن ستقع أحداث ستغير تاريخ المنطقة، إذ تم وضع خطة وهيكلية تنظيم داعش في هناك.

لقد تم التحول من الدولة الإسلامية في العراق إلى داعش في عهد البغدادي وانضم إلى التنظيم الآلاف وبنيت الأجهزة الإدارية الجديدة التي تحاكي الدولة.

خطة وهيكلية داعش كان وراءها كل المعتقلين الإسلاميين وغير الإسلاميين في سجن بوكا بما في ذلك أعضاء الجيش العراقي وحزب البعث حيث كانوا يتعرضون لاضطهاد بشع ونتيجة قوة الأيديولوجيا السلفية داخل السجن التي أثرت على البعثيين والعسكريين، أي أن العكسريين العراقيين تسلفوا وفي الوقت ذاته عسكروا الحركة السلفية.

وعوامل عديدة دفعت لهذا الامتزاج، منها الظلم الذي عاشه العراقيون السنة من قبل مواطنيهم الشيعة وشعورهم بالمهانة جراء الاحتلال الأمريكي للعراق، كما أن الأطروحة السلفية الجهادية قوية بالأساس.

إضافة إلى سيكولوجية المجتمع العراقي التي تميل للتشدد والتطرف في التدين أو عدم التدين وهي سيكولوجية موجودة في المجتمع العراقي نتيجة الظروف الجغرافية والتاريخية للبلاد أضف إليها عسكرة المجتمع جراء حروب صدام حسين المتعددة.

كما أن الولايات المتحدة كانت تخطط للانتقال من العراق لبعض الدول العربية الأخرى مثل سوريا وتريد أن تحدث فيها تحولاً كبيراً على غرار ما يحدث في العراق، ولذا بادرت العديد من الدول العربية مثل سوريا بعد سقوط بغداد للترويج للمقاومة بما فيها القاعدة، الأمر الذي شجع الكثيرين على الانضمام إليها.

هناك عوامل عدة ساعدت على اختيار البغدادي أولها أنه يحمل شهادة في الفقه الإسلامي (وهو أمر نادر في الحركات الإسلامية المتطرفة) إذ كانوا بحاجة لشخص له باع شرعي يساعدهم في جلب الاحترام وتقدير المقاتلين وقادر على رسم الخطط التعبوية وحشد الاتباع الذين يفترض أن يحترموا رجال الدين.

كما كانوا يخشون الانقسامات إذا اختاروا عسكرياً بينهم وأغلبهم من العسكريين السابقين، ولذا كانوا يحتاجون لقائد له عمق ديني.

كما هناك البعد العشائري، فالمجتمع العراقي هو عشائري بطبيعته، وقبيلة شمر التي ينتمي إليها البغدادي من أكبر القبائل العراقية، والمجلس العسكري للتنظيم كان يرى أنه بحاجة لبيئة حاضنة تكون على خلاف مع الدولة العراقية في ظل حكم الطبقة الشيعية السياسية.

من يعرفون البغدادي جيداً ينكرون ادعاءه بأن له أي صلة بالحسينيين.

ولكن ادعاء أبو بكر البغدادي هذا ساعد في التجنيد خاصة من خارج العراق مما لا يعرفون حقيقة نسبه ولأنه يعد تطبيقاً لما يقوله السلفيون بضرورة أن يكون الخليفة قرشياً.

تنظيم داعش هو نتيجة دمح آليات التنظيم والفكر في الجيش العراقي وحزب البعث العراقي إضافة إلى بعد إسلامي مستمد من بعض الأدبيات في التاريخ الإسلامي وتنظيم القاعدة، ولكن رغم المظهر الإسلامي فإنه على الأرض أساليبه أكثر تأثرا بالعسكرية العراقية وحزب البعث ويظهر هذا في أسلوب السيطرة الأمنية على الوحدات المكونة للتنظيم بشكل يختلف عن تنظيم القاعدة مثلا الذي يتسم بتفكك نسبي.

ولكن في النهاية الدور الأكبر في إفراز هذا التنظيم وآليات عمله وإدارته للمناطق التي يسيطر عليها ومعاركه العسكرية هو نتيجة تمزق هوياتي إسلامي عروبي مضاف إليه عقود من الظلم التي ألحقت بالمواطن العربي خاصة في العراق.

البأس الذي كان يمارس ضد المخالفين لا يعكس تاريخاً إسلامياً بل يعكس تربية مشوهة واضطهاداً إضافة إلى طبيعة المجتمع العراقي الحادة التي زادت جراء سنوات الحروب ثم الاحتلال وأخيراً الصراعات الطائفية.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى