تقارير وملفات إضافية

الهند على خُطى إسرائيل.. لهذه الأسباب دفع قانون الجنسية الجديد الهنود إلى الثورة على مودي

الاحتجاجات الضخمة التي ثارت في الهند بسبب قانون الجنسية الجديد الذي أقرته حكومة ناريندرا مودي رغم الإجراءات القمعية غير المسبوقة تشير إلى مدى خطورة ذلك الإجراء، لكن ما هي المشكلة في أن تسعى الدولة إلى تسجيل مواطنيها؟ المشكلة أن تتحدد الجنسية بناء على الديانة، وهو ما قامت به إسرائيل مؤخراً.

مجلة فورين بوليسي الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: «مودي يدفع الهند إلى الثورة»، ألقت فيه الضوء على ما ينطوي عليه قرار حكومة مودي من خطر، ليس فقط على مواطني الهند من المسلمين، ولكن أيضاً على فكرة الهند كأكبر ديمقراطية في العالم.

في الأسبوع الماضي، غمر الهنود الشوارع  في المدن الكبرى والصغرى حول البلاد للاحتجاج على قانون الجنسية الجديد المثير للجدل. تظاهر الهنود في مسيرات على الرغم من فرض أحكام عرفية تعود للعصر الاستعماري لمنع التجمهر. بدأت الاضطرابات في عشرات الجامعات عبر أرجاء الهند، مما أثار حملة قمعية عنيفة من الحكومة واعتقال الآلاف. لكن المظاهرات ظلت تنتشر، وأسفرت عن واحدة من أكبر الحركات الاحتجاجية الشاملة التي شهدتها البلاد منذ عقود عديدة.  وعلى الرغم من لجوء الحكومة لقطع الإنترنت والاتصالات في مناطق عديدة مثل نيودلهي، لم تنجح في احتواء هذا الاحتجاج الكبير.

منذ إعادة انتخاب حكومة ناريندرا مودي الهندوسية القومية في مايو/أيار، وهي تتبع سلسلة أشد انقسامية وصرامة من الإجراءات السياسية، مثل تجريد إقليم كشمير من حالته شبه ذاتية الحكم. أصبحت حكومة مودي أيضاً أكثر سلطوية، مما أدى لشكوى مجتمع الأعمال التجارية الذي يلتزم الصمت عادة في الهند، من الجو المُسمَّم المثير للنزاعات الذي يتخمر في البلاد. لكن تمرير تعديل قانون المواطنة الذي يبدو لا ضرر منه ظاهرياً في البرلمان يوم 11 ديسمبر/كانون الأول، خطوة بعيدة أكثر من اللازم. 

وفقاً للقانون الجديد، فإن أعضاء جماعات الأقلية مثل الهندوس، والسيخ، والبوذيين، والجانيين، والبارسيين، من أفغانستان، وبنغلاديش، وباكستان الذين جاؤوا إلى الهند بطريقة غير شرعية ستوفر لهم الحكومة طريقاً سريعاً للحصول على الجنسية الهندية. لكن من خلال هذا النص البسيط، قدمت الحكومة تعريفاً جديداً لهوية القومية الهندية من حيث الديانة وولَّدَت أزمةً في دستور الهند العلماني. وبالتزامن مع اقتراح توسعة برنامج التسجيل القومي للمواطنين (وهو استطلاع لحالة المواطنة لدى كل المواطنين في الهند وحتى الآن لم يُنفذ سوى في ولاية أسام) ليشمل جميع أنحاء البلاد، خلق قانون المواطنة شعوراً عارماً بالخوف. وبالتالي، أشعلت المظاهرات أشد تحدٍّ أمام حكومة حزب بهاراتيا جاناتا برئاسة مودي حتى الآن.

تعديل قانون المواطنة هو تحدٍّ لعلمانية الهند. نعم بالفعل يحق للجماعات المذكورة في القانون أن يكون لهم القدرة على أن يصبحوا مواطنين طبيعيين. ونعم أي دولة يمكنها أن تحدد أولوياتها في منح الجنسيات للاجئين أو المهاجرين غير الشرعيين بناءً على عدة عوامل، مثل دراسة المخاطر، ومتطلبات القانون الدولي، والروابط التاريخية، والوقائع العملية للهجرة. لكن البرلمان يربط الهوية الدينية بالمواطنة للمرة الأولى بعد وضع الدستور الهندي في عام 1949. 

تصر الحكومة على أن هذه الأقليات في خطر في أفغانستان، وبنغلاديش، وباكستان، واحتمالية أن يجدوا مكاناً آخر للجوء قليلة. لكن هذه الحجة تضمر سوء نية لسببين؛ أولاً، هذا القانون غضَّ الطرف عن الجماعات المسلمة المضطهدة في الأماكن ذاتها مثل الأحمديين في باكستان. والثاني، لم يُذكر في هذا القانون سوى الدول ذات الأغلبية المسلمة، وغضوا الطرف أيضاً عن الدول التي قد تكون مصدراً محتملاً للاجئين، مثل دولتيّ ميانمار وسريلانكا المجاورتين للهند.

ويستثني القانون الروهينغا على سبيل المثال من المواطنة المستقبلية. تدعي الحكومة أنه في الأساس ما زال من الممكن للجماعات التي لا يشملها القانون الجديد أن تتقدم للحصول على الجنسية بالطرق الموجودة حالياً. لكن هذه الحجة تناقض الأمرين. لماذا يجب ألا يخضع جميع أفراد الفئات المضطهدة لنفس طريقة التعامل القانونية؟ وفي ضوء هذه الاعتبارات، هناك فقط استنتاج واحد يمكن الخروج به. الغرض من القانون الجديد لا يهدف فقط لحماية الجماعات المذكورة، بل لاستثناء المسلمين من التعامل المتساوي. وهذا يجعل القانون يحتمل عدم الدستورية.

يعيد القانون تعريف الهوية القومية الهندية أيضاً، وينقل البلاد على نحو لافت في اتجاه العرقية. في عام 1947، قسَّمَ البريطانيون مستعمرة الهند إلى دولتين مستقلتين؛ باكستان التي تحولت إلى موطن لمسلمي شبه القارة الهندية، والهند، وهي دولة علمانية تعددية. الهند أمة هندوسية فقط بالمعنى السطحي، وهو أن معظم سكانها يصنفون من الهندوس. الهند بها ثاني أكبر عدد سكان من المسلمين في العالم، وهناك وجود بارز لكل الديانات الأخرى تقريباً. ولم تُحدَّد هويتها من ناحية الدين أو العرق من قبل. 

لكن القوميين الهندوس طالما أرادوا إعادة تعريف الهند لتصبح وطناً للهندوس، متبنين فكرة القومية المشابهة للنموذج الإسرائيلي. وقانون المواطنة يسير خطوة في هذا الاتجاه بإقصاء المسلمين. وأعمال التقسيم التي لم ينهِها الاحتلال، ويريد القوميون الهندوس استكمالها، لا تتضمن فقط ضمان لجوء الأقليات من الدول ذات الأغلبية المسلمة، ولكن أيضاً الإشارة للمسلمين داخل الهند بأنهم ليس لديهم حق مساوٍ في الانتماء إلى البلد. 

تدعي الحكومة أن القانون الجديد لن يؤثر على حقوق المواطنين المسلمين الموجودين في الهند. ومن الناحية القانونية والرسمية، هذا صحيح. لكن لنلمّ بجوانب الغدر في قانون الجنسية، يجب أن يفكر فيه المرء مع إجراء آخر مقترح، وهو التسجيل القومي للمواطنين، وهو دليل يشمل الدولة كلها، ويسجل الحالة القانونية لكل فرد في الهند. ومرة أخرى، من الصعب أن تخالف فكرة أن الدولة يجب أن يُسمح لها بتسجيل مواطنيها. لكن كيف ستقرر السلطات من يكون مواطناً ومن ليس مواطناً في حين أن الكثير من فقراء الهند ليس لديهم أوراق تعريف؟

إذا كانت تجربة ولاية أسام، حيث نفذت الحكومة شكلاً محدوداً من هذه الممارسة، دليلاً أو منهاجاً، فإن عملية التحقق نفسها ستكون قمعية. هناك ملايين من الفقراء الذين ليس لديهم شهادات ميلاد أو أي تاريخ موثق (شهادات الميلاد انتشرت في الهند في الثلاثين عاماً الأخيرة فقط) يكافحون لإثبات أنهم مواطنون. هذه العملية بيروقراطية وتعسفية، وتركت الكثير ليعانوا في المعسكرات. في هذه اللحظة، يواجه 1.9 مليون فرد احتمالية انعدام الجنسية في أسام.

لكن إليك الفخ الحقيقي، افترض وجود فردين، أحدهما هندوسي، والآخر مسلم، طُلِبَ من كليهما إثبات الأحقية في الحصول على الجنسية. افترض للحظة أن السلطات قررت أن كليهما في الهند بصورة غير شرعية. بعد تفعيل قانون المواطنة، سيندرج الهندوسي في برنامج سريع لمنح الجنسية، وعلى الأغلب لن يشمل هذا المسلمين.

وبمزج التسجيل القومي للمواطنين مع قانون المواطنة، ستجد أنه يتعمد خلق ملايين من الناس بلا جنسية نتيجة للأخطاء الإدارية كذلك. حتى إذا افترض المرء أن الدولة الهندية لديها سعة كبيرة للعمل البيروقراطي ولن تفرق تمييزاً تعسفياً بين الجماعات الدينية المختلفة (كلاهما مجرد افتراضات جدلية) معدل الخطأ في 5% فقط سينتج عنه عشرات ملايين الأشخاص الذين يواجهون خطر انعدام الجنسية، مثلما أشار الباحث شروتي راجاجوبالان. لكن المخاطر التي سيواجهها المسلمون ستكون أعلى كثيراً، حتى لو لم تكن الدولة تستهدفهم عمداً.

تتحدث الحكومة بنبرتين مختلفتين عن قانون الجنسية، وتسجيل المواطنين، لكن الرابط بينهما واضحٌ للغاية. هذا القانون يمكِّن الحكومة من طمأنة أي هندوسي يكون موقفه غير قانوني أنه لن يصبح بلا جنسية. ولا يمنح أي طمأنينة للمسلمين بهذا الشأن. بعبارةٍ أخرى، إنه يخلق نظاماً عنصرياً مقبولاً من الناحية القانونية، نظاماً يُعَدُّ بمثابة إهانةٍ لديمقراطية الهند العلمانية.

استثار قانون المواطنة مقاومةً غير مسبوقة عبر البلاد، تأتي المقاومة في شكلين مختلفين؛ الأول معارضة محددة إقليمياً في ولاية أسام، التي تشهد احتجاجات مستمرة منذ تمرير القانون في بداية الشهر الجاري ديسمبر/كانون الأول. تتأصل معارضة القانون هناك من السياسات القومية العرقية المحلية. ومنذ عقود هناك العديد من النشطاء والسياسيين الأساميين الذين يقولون إن هجرة البنغاليين من بنغلاديش، ومن قبل ذلك منذ كانت تُسمى باكستان الشرقية في الفترة ما قبل 1971، تهدد هوية الأسام. في عام 1985، وقَّعَت حكومة الهند اتفاقية الأسام، التي تتعهد بتفعيل عمليات للتعرف على المهاجرين غير الشرعيين في الولاية. نشرت السلطات أخيراً ما وجدته في أسام في هذه السنة، ومثلما كان متوقعاً، معظم من وُجِدوا أنهم مستقرون في أسام بصورة غير شرعية كانوا من البنغاليين الهندوس. قانون المواطنة الجديد الآن يضمن لهم جنسية، في خرق لاتفاقية أسام. وبالتالي اندلعت التظاهرات في أنحاء الولاية، ويشجب المتظاهرون هذا القانون وينعتونه بالخيانة من الحكومة المركزية وتهديد الحالة الديموغرافية لولاية أسام.

وفي المناطق الأخرى من الهند، كانت التظاهرات ضد المواطنة أكثر تناغماً مع دستور الدولة ومبادئ المساواة فيه. شهدت الهند أكبر مظاهرات طلابية منذ فترة «حكم الطوارئ» الديكتاتورية في سبعينيات القرن العشرين تحت حكم رئيس الوزراء أنديرا غاندي. هزت المظاهرات حرفياً كل الجامعات الكبرى. وفي جميع أنحاء البلاد، سارت تظاهراتٌ من العديد من الطوائف الدينية والاجتماعية تنادي بإلغاء القانون. تعهدت العديد من حكومات الولايات، ومن بينها بعض الحكومات المتحالفة مع الحزب بهاراتيا جاناتا، بعدم تنفيذ برنامج التسجيل القومي. 

هذه التظاهرات لها القدرة على إغراق الهند في أزمة عميقة. بالفعل تستخدم الدولة الهندية ترسانة من الأحكام العرفية لاحتواء هذه التظاهرات المشروعة. نطاق قمع المعارضة هذا غير طبيعي، كارناتاكا وأوتار براديش هما ولايتان يحكمهما حزب بهاراتيا جاناتا، يبلغ عدد سكانهما معاً 260 مليون نسمة، نشروا حظراً مثل عصر الاستعمار يشمل الولاية كلها يمنعون فيه تجمع أكثر من 5 أشخاص. تعرضت العديد من المناطق في الهند لإغلاق الإنترنت. تذكرنا هذه الإجراءات بأساليب الهند الشديدة في كشمير.

إن الحركة الوليدة ضد قانون الجنسية هي علامةٌ تُنعِش إمكانية إعادة تشكيل الدستور. لكن ربما تقاتل أمام الرياح المعاكسة المتمثلة في القومية الهندوسية الصارمة التي يعتنقها مودي. تعكس الأولويات السياسية لحزب بهاراتيا جاناتا في الشهور الأخيرة تحوُّلاً أيديولوجياً حاداً، يتمثل في تجريد إقليم كشمير من استقلاليته الاسمية، والحملة القمعية التي تلت هذا القرار في الإقليم المضطرب، والتصريحات المحتفية بالانتصار بشأن قرار المحكمة العليا بالسماح ببناء معبد رام الذي له قوة رمزية كبيرة في أيوديا، والحديث عن تشريعاتٍ تتعلق بعدم التحوُّل من دين لآخر والتحكم في عدد السكان. حتى في الخطاب العام، أصبح تخوين وشيطنة الأقليات ملموساً أكثر. ففي خطاب حديث في ولاية جهارخاند التي تقع وسط الهند، أشار مودي بمكر إلى حقيقة أن هؤلاء المتظاهرين ضد قانون الجنسية يمكن «أن تتعرف عليهم من ملابسهم» في تلميح واضح إلى المسلمين. 

لن يُهزم مزيج مودي القوي الذي يعتمد على الأغلبية الهندوسية والسلطوية بسهولة، لكن تمرير قانون الجنسية أيقظ الهند على المخاطر التي تهدد قيمها الدستورية الأساسية. وطريق استعادة وحماية هذه القيم سيكون طويلاً، وشاقاً، وحافلاً بالصراعات. أخيراً الكثير من الهنود يقولون: «طفح الكيل!».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى