تقارير وملفات إضافية

كيف استقبلت واشنطن «أحكام الإعدام» في مقتل خاشقجي، وهل أجابت السعودية عن أي سؤال؟

إعلان الحكم في قضية اغتيال الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي من خلال ممثل النيابة العامة السعودية، وفي مؤتمر صحفي كان له هدف مهم وهو الإجابة عن التساؤلات المتعلقة بالجريمة التي هزت العالم، فهل تحقق هذا الهدف؟

صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية نشرت تقريراً يحمل الإجابة بعنوان: «أحكام الإعدام في قضية مقتل خاشقجي تخفق في تبديد الشكوك».

حكمت المملكة العربية السعودية على خمسة رجال بالإعدام وثلاثة آخرين بالسجن على خلفية مقتل الكاتب المعارض السعودي جمال خاشقجي في إسطنبول، وهو الحكم الذي قُوبِل بالرفض على نطاقٍ واسع باعتباره معاقبة لعملاء صغار في حين يحمي قادتهم.

عَكَسَ الحكم، الذي أعلنه متحدثٌ حكومي، الإثنين 23 ديسمبر/كانون الأول، الحُجّة السعودية القائلة إنَّ الأوامر بالإقدام على عملية القتل لم تصدر عن الديوان الملكي، بل كان قراراً اتخذه في اللحظة الأخيرة العملاء على الأرض، وهي الرواية التي تتعارض مع دلائل كثيرة على أنَّ العملاء وصلوا إلى إسطنبول العام الماضي بنية القتل ومعهم أدوات الجريمة.

وفي حين أنَّ الأحكام قابلة للاستئناف، فإنَّها أثارت كذلك احتمالية قطع السعودية رؤوس الأشخاص الذين نفذوا عملية القتل بينما تحمي أولئك الذين أصدروا الأوامر بها. ونفت المملكة أي تورط لولي عهدها وحاكمها الفعلي الأمير محمد بن سلمان، أو كبار مساعديه في العملية، وهم الأشخاص الذين تقول التحليلات الأجنبية إنَّهم على الأرجح كانوا وراء جريمة القتل، ورفضت خبيرة بالأمم المتحدة، التي حقَّقت في قتل المعارِض السعودي، الأحكام قائلةً إنَّها «مهزلة».

وتسبَّب موت خاشقجي (59 عاماً)، وهو صحفي سعودي مخضرم فرَّ من المملكة وكتب مقالات لصالح صحيفة The Washington Post الأمريكية، في حالة غضبٍ دولي وشوَّهت صورة الأمير محمد بن سلمان باعتباره حاكماً شاباً يعمل من أجل فتح اقتصاد ومجتمع مملكته.

وتسبَّب كذلك في غضبٍ واسع في واشنطن بين الدبلوماسيين والمُشرِّعين ومسؤولي الاستخبارات الذين رأوا في عملية القتل عملاً لا يُغتَفَر من جانب حليفٍ طويل الأمد للولايات المتحدة، لكنَّ الرئيس دونالد ترامب دافع عن السعودية والأمير محمد بن سلمان طوال الوقت، مشيداً بهما باعتبارهما حليفين رئيسيين للولايات المتحدة ومشترين وفيين للأسلحة الأمريكية.

إذ قال آدم شيف، رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب الأمريكي، إنَّ تلك الأحكام جزءٌ من محاولة سعودية للنأي بالقيادة السعودية عن جريمة القتل، وأضاف في بيان: «الإشارة إلى أنَّ هذه كانت عملية مارقة أو قرار مفاجئ يتناقض مع الأدلة والحسّ السليم».

وردد السيناتور جاك ريد من ولاية رود أيلاند أصداء تقييم سابق صادر عن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) يشير إلى أنَّ الأمير محمد بن سلمان على الأرجح أصدر الأوامر بالقتل.

وقال ريد في بيان: «ليس من المُقنِع أنَّ مثل هذه الأنشطة قد تجري دون توجيه أو مباركة ولي العهد بالنظر إلى أنَّه يتحكم عملياً في كل مفاصل السلطة بالسعودية».

اكتنفت السرية المحاكمة التي أُجريَت بالعاصمة السعودية، فلم تكشف المملكة أسماء المشتبه بهم، وأقسم الدبلوماسيون الأجانب الذين حضروا جلسات المحاكمة على الصمت.

قال المتحدث باسم النيابة العامة السعودية، الإثنين، للصحفيين في الرياض إنَّه لم يُعثَر على أدلة تفيد بأنَّ عملية القتل كانت مُخططة سلفاً، بل أُرسِل العملاء، حسب قوله، إلى إسطنبول لـ «يتفاوضوا» مع خاشقجي، وقرروا قتله بعد فشل هذا المسعى.

لكنَّ تحقيقات السلطات التركية وإحدى خبيرات الأمم المتحدة وجدت أدلة كثيرة على سبق الإصرار والترصد، مثل وصول 15 عميلاً سعودياً إلى إسطنبول في الساعات التي سبقت مقتل خاشقجي، وتضمَّن هؤلاء رجل تُشبه بنيته الجسدية بنية جسد جمال خاشقجي، وكان يسعى لترك أثر زائف في شريط المراقبة يشير إلى أنَّ خاشقجي كان لا يزال على قيد الحياة، إلى جانب طبيب شرعي تقول تركيا إنَّه وصل مصطحباً منشار عظام استُخدِم بعد ذلك في تقطيع جثة خاشقجي.

وكشفت التسجيلات الصوتية التي حصلت عليها الاستخبارات التركية من داخل القنصلية قبل وأثناء وبعد عملية القتل، وتشاركتها مع محققة الأمم المتحدة، عن عملاء يناقشون كيفية وضع جثة خاشقجي في حقائب، وعندما وصل خاشقجي إلى القنصلية، أشار أحد العملاء إليه باسم «الأضحية»، ولم يُبذَل أي جهد لإنعاشه بعد موته.

كتب فخر الدين ألتون، المتحدث باسم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على حسابه بتويتر أنَّ القيادات التي أصدرت الأوامر بالعملية «مُنِحَت حصانة».

وأضاف: «الادعاء بأنَّ حفنة من العملاء الاستخباراتيين ارتكبوا هذه الجريمة هو استهزاء بذكاء العالم، وهذا أقل ما يمكن قوله».

وعلى الرغم من عدم نشر أي دليل يُورِّط الأمير محمد بن سلمان مباشرةً في جريمة القتل، فإنَّ تقييماً لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية خلُص إلى أنَّه على الأرجح أصدر الأوامر بالعملية، التي احتاجت طائرتين خاصتين، ومنشأتين دبلوماسيتين، وفريقاً من العملاء.

قال الأمير محمد إنَّه لم يضطلع بأي دور في عملية القتل لكنَّه يتحمل بعض المسؤولية عنها لأنها وقعت في عهده.

وخلُص تحقيقٌ أجرته أنييس كالامارد، المقررة الخاصة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، إلى أنَّه توجد «أدلة موثوقة، تستدعي مزيداً من التحقيق، على المسؤولية الفردية لمسؤولين سعوديين رفيعي المستوى، بما في ذلك ولي العهد».

انتقدت كالامارد، أول من أمس الإثنين، الأحكام، قائلةً على تويتر إنَّ النيابة العامة تجاهلت أدلة سبق الإصرار والترصد ولم تتعامل مع جريمة القتل باعتبارها حظيت بموافقة الدولة، الأمر الذي يتطلب محاسبة كبار المسؤولين.

وكتبت: «الخلاصة: القتلة مذنبون وحُكِم عليهم بالإعدام. لكنَّ المُدبِّرون لا يسيرون فقط بحُريِّة، بل وبالكاد مسَّهم التحقيق والمحاكمة. هذا نقيض العدالة. هذا استهزاء».

قال مكتب النائب العام السعودي إنَّه حقق مع 31 مشتبهاً وألقى القبض على 21 منهم. وأُخضِع 11 شخصاً من هؤلاء للمحاكمة. ومُنِح ثلاثة آخرون أحكاماً بالسجن إجمالي 24 سنة لتغطيتهم على الجريمة وانتهاك قوانين أخرى.

أشاد أحد أبناء خاشقجي الراشدين، صلاح خاشقجي الذي يعيش في السعودية، بالأحكام السعودية على حسابه بتويتر واعتبرها مُنصِفة، وكتب: «نؤكد ثقتنا في القضاء السعودي بكافة مستوياته وقيامه بإنصافنا وتحقيق العدالة».

وبعد أشهر من عملية القتل، حصل صلاح وأبناء خاشقجي الآخرون على عشرات الآلاف من الدولارات والملايين في صورة عقارات من الحكومة تعويضاً عن قتل والدهم.

حدَّد المسؤولون الأتراك هُوية الرجال الذين يعتقدون أنَّهم كانوا داخل القنصلية وقت قتل خاشقجي، لكن لم يكن واضحاً ما إن كان هؤلاء هم نفس الرجال الذين حُكِم عليهم أول من أمس، لأنَّ السعوديين لم ينشروا أسماءهم. مع ذلك، حددت المملكة هُوية المشتبهين الثلاثة الذين بُرِّأوا.

إذ أُطلِق سراح أحمد العسيري، نائب رئيس الاستخبارات العامة السعودية، والذي قال المسؤولون السعوديون في البداية إنَّه أشرف على العملية، دون توجيه اتهامات إليه، وأُطلِق كذلك سراح محمد العتيبي، القنصل السعودي العام في إسطنبول والذي صحب الصحفيين في جولة داخل القنصلية بعد أيام من مقتل خاشقجي، وبُرِّئ كذلك سعود القحطاني، المستشار السابق لولي العهد.

ونشرت حسابات سعودية على تويتر أمس ما بدا أنَّها منشورات مُنسَّقة تُعبِّر عن ثقة الشعب في العسيري والقحطاني.

وفي نفس السياق، نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تقريراً بعنوان: «سعود القحطاني: منسق الجريمة الذي برأته السلطات السعودية».

بعد 14 شهراً من التحقيقات العالمية في مقتل الصحفي جمال خاشقجي، بدا أنَّ كل الطرق تؤدي إلى سعود القحطاني، أكثر مساعدي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان نفوذاً.

لكنَّ النيابة العامة السعودية توصلت إلى استنتاج مختلف تماماً؛ إذ لم تجد أدلة تربط القحطاني بعملية القتل البشعة داخل قنصلية المملكة في إسطنبول.

ومع أنَّ اسمه لم يَرِد في التحقيق السعودي، ظهر اسم القحطاني بصورة لافتة لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وجهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني (MI6) والمسؤولين الأتراك، الذين خلصوا جميعاً إلى أنَّه كان على تواصل مستمر في الأيام السابقة على موت خاشقجي مع مسؤول آخر كبير أطلقت المحكمة سراحه في الرياض الإثنين، وهو نائب رئيس الاستخبارات العامة السعودية اللواء أحمد العسيري.

كان القحطاني مع الأمير محمد بن سلمان حين سيطر ورسَّخ سلطته منذ تعيينه ولياً لولي العهد. وكان معروفاً لدى أركان النخبة الحاكمة في البلاد باعتباره اليد اليمنى داخلياً لولي العهد القوي، وتلقّى تعليمات باتخاذ إجراءات صارمة ضد الخصوم، سواء كانوا خصوماً فعليين أو مُتصوَّرين.

وبحلول الوقت الذي اختُطِف فيه خاشقجي وقُتِل، كان القحطاني قد أصبح أكثر المسؤولين خشية في السعودية، رجلاً يعمل بلا قيود تقريباً ويتمتع بالحماية الكاملة من الرجل الذي صار حاكماً للبلاد تقريباً.

ومع تصاعد الضغوط على الأمير محمد بن سلمان عقب مقتل خاشقجي وتشريحه داخل قنصلية إسطنبول، أُعفي القحطاني من مناصبه الرسمية وقِيل له أن يبقى في مجمع سكني على ضواحي الرياض.

لكن على الرغم من هذا، يعتقد مسؤولو الاستخبارات في واشنطن ولندن أنَّه ظلَّ يتمتع بنفوذ على الدائرة المقربة لولي العهد، واستمر في التمتع بثقة هذا الأخير الكاملة. فقال مسؤول غربي كبير في وقتٍ سابق هذا الشهر: «فَهِمَ ولي العهد مؤخراً الرسالة بأنَّ القحطاني يمثل عائقاً بالنسبة له. ولم يكن ذلك شيئاً يريد (ولي العهد) سماعه».

وقال مسؤول سعودي كبير في الرياض: «ليس سراً داخل دائرة (القحطاني) المقربة أو أصدقائه أنَّه قِيل له أن يكمن لفترة وينتظر هدوء الأمور. لم يتغير شيء، باستثناء أنَّ أحداً لم يعد يراه. ولي العهد محمد بن سلمان ليس قلقاً بشأن انزعاج ترامب منه بسبب حقوق الإنسان. وحتى لو تحدث ترامب عنها، فهو لا يعنيها. الأمور تغيَّرت».

وظل المسؤولون الغربيون على مدار العام الماضي يحاولون تحديد ما إن كان القحطاني لا يزال يحتفظ فعلاً بمناصب، حتى وهو قيد الإقامة الجبرية، وقال أحد المسؤولين: «إذا لم يكن له منصب رسمي، فهو يُستشَار على الأقل. ما نحن متأكدون منه تماماً هو أنَّه يعيش حياةً جيدة. وقِيل له أن ينتظر حتى انتهاء الأمر». 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى