قبل الحديث عن أقدم آلات موسيقية في العالم؛ يمكننا أن نتأمل قليلاً في تعبير «الموسيقى لغة الشعوب» بوصفها أسهل طرق التواصل، وبما أن لغات العالم أيضاً لها تصنيفات زمنية، ومنها الأقدم والأحدث، كذلك لا تختلف الموسيقى وأدواتها.
فمنذ أن بدأ الإنسان السير على الكوكب، كانت الموسيقى أسبق إليه من اللغة، وتدوينها. فاهتم بها وصنع لها آلات موسيقية منذ آلاف السنين. اليوم نتعرف على بعضها، والحقائق المثيرة عنها.
مكان الاكتشاف: مصر
عمر الآلة: 3340 عام تقريباً
في عام 1922 دخل اللورد البريطاني هوارد كارتر لأول مرة إلى مقبرة توت عنخ آمون، التي كانت -ولا تزال- واحدة من أهم الاكتشافات الأثرية في العصر الحديث.
بداخل المقبرة ومن بين الكنوز، قبع زوج من الأبواق «الترومبيت»، أحدهما مصنوع من الفضة، وآخر من النحاس البرونزي Copper.
بحسب المصادر في علم الآثار والمصريات، فإن الأبواق كانت تُستخدم لإعلان وصول الملك إلى مكان ما كنوع من الاحتفال.
انتقلت الآلات الموسيقية إلى المتحف المصري لحفظها، ولكن كانت هناك عدة محاولات لإعادة نفخ الأبواق للاستماع إليها، ومعرفة كيف كان صوتها، وبالفعل نُفخت الأبواق على الملأ في إذاعة BBC البريطانية عام 1939، لأول مرة منذ أن اكتُشفت.
من الغرائب التي تحيط بهذه الأبواق أيضاً، أنه عقب نفخها أول مرة عام 1939، لم تلبث أن دخلت بريطانيا الحرب العالمية الأولى، وبما أن هذا أمر قد لا يدعو للاندهاش، ولكن الأسطورة التي أحاطت بالأبواق كانت كذلك. الأسطورة تقول ببساطة: الأبواق ملعونة؛ وبعد نفخها تقوم الحروب أو تحدث الكوارث.
بحسب موقع ناشيونال جيوغرافيك وجريدة الأهرام المصرية، فإن هذه المصادفة الأسطورية حدثت في بريطانيا أولاً عام 1939، ثم نُفخت الأبواق في عام 1967 بعدها دخلت مصر الحرب مع إسرائيل وخسرتها (نكسة 1967)، وفي عام 1991 أيضاً نُفخ أحد الأبواق، بعدها قامت في العام نفسه حرب الخليج الأولى.
وآخر المرات التي نُفخت فيها الأبواق كانت عام 2011 -بواسطة موظفة مصرية من الفريق القائم على العناية بكنوز الملك توت عنخ آمون- في أثناء أحداث ثورة 25 يناير، فشهدت مصر اضطراباً كبيراً وغياباً للأمن، وأحداث شغب وصراعات بين الأمن والمتظاهرين، سقط فيها كثير من الضحايا.
وبينما قد تبدو هذه الأحداث للبعض أموراً غير عادية قد تؤكد اللعنة المنسوبة إلى الأبواق، قد تتعدى الأمور أيضاً الصدفة المتكررة.
مكان الاكتشاف: جياهو – الصين
عمر الآلة: 7 آلاف – 9 آلاف عام
اكتُشفت هذه النايات القديمة بموقع جياهو الأثري الشهير في الصين، وبحسب موقع Facts and details المتخصص في الآثار، يعود تاريخ اكتشافها بالصين إلى الثمانينيات، ولكن لم تصل إلى الإعلام الغربي إلا عام 1999.
عثرت البعثة الأثرية الصينية في الموقع على عدد 33 ناياً، منها نحو 13 ناياً مهشَّماً إلى قطع صغيرة، وعدد 20 ناياً بحالة سليمة، و6 منها بحالة متماسكة، وقابلة للعزف عليها، وكانت تُصنع من عظام أجنحة طائر الغرنوق الأحمر Red crowned crane.
ويرجع تاريخ الآلات العتيقة إلى 7 إلى 9 آلاف سنة، بفحص النايات من قِبل الأثريين، تبين أنها ذات 7 ثقوب بخلاف المزمار الحديث الذي يحتوي على 8، وأثبتوا أن النايات القديمة استُخدمت في الاحتفالات وربما بعض الطقوس، وأن نغماتها غالباً ما قد تتشابه مع النوتة الموسيقية الغربية الحديثة.
مكان الاكتشاف: أكثر من مكان، والأقدم بين الهند وفيتنام
عمر الآلة: من 7 إلى 10 آلاف عام
مسماع الحصى أو Lithophone، آلة موسيقية قديمة تشبه الأكسيليفون، تعتمد في إصدارها النغمات على نقر أنواع محددة من الصخور أو الحصى أو الأحجار الرنانة Resonant rock،sواكتُشف في مواقع عدة بالعالم، ولكن المثال الأكثر قدماً كان في فيتنام عام 1949.
أعطى الأثريون الآلة اسم داندا Dan da، وهي تتكون من 11 كسرة منتظمة من أحجار الرنين مرصوصة بشكل رأسي متجاور.
ويرجح الباحثون أن هذه القطع الحجرية لم توجد في الطبيعة بشكلها المعثور عليه، ولكنها نُحتت من قطع أكبر بإزميل معدني، واستخدمها الأقدمون في الاحتفالات والمعابد.
مكان الاكتشاف: أستراليا وفرنسا، والأقدم في أوكرانيا
عمر الآلة: نحو 20 ألف عام
الدوارة الخشبية آلة موسيقية استخدمتها عديد من الحضارات والشعوب القديمة، بمثابة وسيلة للتواصل عن بُعد أو كوسيلة للتنبيه أحياناً.
وجدت بمواقع عديدة في أوروبا، وأستراليا، وآسيا وحتى إفريقيا، ولكن المثال الأقدم كان أوكرانيا ويعود تاريخه إلى 18 ألف عام تقريبا.
تتكون الآلة من قطعة خشبية مبططة، ومربوطٌ طرفها بحبل متين، ثُم تُدوّر القطعة الخشبية بقوة وسرعة متباينة لإعطاء صوت صفير مميز، يمكن تنغيمه عن طريق إسراع أو إبطاء التدوير.
مكان الاكتشاف: كهف ايتسن كلوسترل – ألمانيا
عمر الآلة: 43 ألف سنة
هذه النايات الثلاثة عُثر عليها في أحد الكهوف بألمانيا، وبحسب موقع BBC اعتُبرت هذه النايات أقدم آلات موسيقية في العالم بحسب التأريخ الكربوني لها.
صُنع اثنان من هذه النايات من عظام طيور البجع المُجوفة، والآخر صُنع من عظام أو عاج فيل الماموث المنقرض، وقُدِّر عمره ما بين 42 و43 ألف سنة، ويعود إلى حقبة الحضارة الأورينياسية الزراعية التي انتشرت في أوروبا قبل 40 ألف سنة.
ويُرجع علماء الأنثروبولوجي أن هذه الآلات القديمة أسهمت بشكل ما في تقوية الروابط والتواصل بين الأفراد الذين كانوا يعيشون في مجموعات متفرقة، وأسهمت في اتساع رقعة الحضارة البشرية في فترات مبكرة من التاريخ.
