تقارير وملفات إضافية

لماذا أخفت السعودية زيارة وفد المنظمات اليهودية الأمريكية عن الإعلام الدولي وسربته لهذه الوكالة فقط؟

ما هدف السعودية من استقبال وفد المنظمات اليهودية الأمريكية الذي زارها مؤخراً،؟ ولماذا يخفي معظم الزائرين مشاركتهم، في حين بدت المملكة غير حريصة على إخفاء الزيارة؟

وضمَّ الوفد أكثر من 30 مسؤولاً بمنظمات يهودية أمريكية، زاروا المملكة العربية السعودية، مؤخراً.

رافائيل ميدوف وشولاميت ماغنوس: عضوان باللجنة التوجيهية للجنة أخلاقيات القيادة اليهودية، كشفا في مقال بصحيفة Jerusalem Post الإسرائيلية، هدف الرياض من تنظيم الزيارة، وسر إخفاء المملكة الزيارة عن وسائل الإعلام الدولية، في حين لم تكُن لديها مشكلة في وصول أنباء الزيارة للإعلام اليهودي. 

في بداية المقال يتساءل الكاتبان عن هدف السعودية من استقبال وفد المنظمات اليهودية الأمريكية،  وغرض المنظمات المشارِكة من الزيارة، ومَن تحمَّل تكاليفها، ولماذا يخفي معظم الزائرين مشاركتهم.

صرَّح مالكولم هونلين، نائب المدير التنفيذي لمؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى، بأنَّ هدف الزيارة هو “بناء الجسور”، وهو ما يعتقد أنَّه “تحقَّق”، مثلما يشير قوله: “إنَّنا تناولنا وجبات الكوشر طوال أربعة أيام، وأدينا صلاة منيان هناك”. (المنيان هو اكتمال النصاب المطلوب لأداء واجبات دينية يهودية معينة، خصوصاً الصلاة، ويبلغ 10 يهود بالغين).

يتساءل الكاتبان عن فوائد الزيارة التي جرت في ظروف غامضة، وعن “بناء الجسور” لأي شيء بالضبط، وماذا عن الجهة الأخرى من الجسر، ومتى سيجري إطلاع الرأي العام اليهودي الأمريكي على هذا السر.

قال هونلين: “سمعنا (من السعوديين) حديثاً عن نيتهم من أجل البناء والتغيير”. هل يقول هونلين إنَّ مؤتمر الرؤساء يضطلع بدور في إحداث تغييرٍ جوهري بواحدةٍ من أكثر دول العالم انتهاكاً لحقوق الإنسان؟ إن كان الأمر كذلك، فهذا أمر يستحق أن يُكشَف كاملاً. وإن لم يكن كذلك، فما الغاية من هذا التأكيد؟ ما أهمية النوايا السعودية المُعلَنة دون تفاصيل؟

يقول الكاتبان: “إذا اختار مسؤولو المنظمات اليهودية الأمريكية زيارة الممالك العربية بأشخاصهم الخاصة، فهذا شأنهم. لكن حين يزورون السعودية كممثلين عن المنظمات اليهودية -وهو ما فعلوه في هذه الحالة- فإنَّ المجتمع اليهودي إذنْ لديه الحق في معرفة غرض الزيارة وفحواها ونتائجها، ومَن ذهب ومَن تحمَّل التكاليف.

ويضيفان “إن كانت المجموعات اليهودية هي مَن تحمَّلتها، فلأعضائها حق السؤال عما إذا كان هذا استخداماً مناسباً لاشتراكات عضوياتهم. وإن كان السعوديون هم مَن دفعوا، فهناك ما يدعو إلى القلق من أنَّهم يحاولون شراء النفوذ.

وإن كان الوضع كذلك، فما غاياتهم من ذلك؟”.

وحقيقة أنَّ كل المشاركين تقريباً يخفون مشاركتهم تمثل إشارة مثيرة للقلق. فصرَّح هونلين للصحفيين بأنَّهم، إلى جانب رئيس مؤتمر الرؤساء آرثر ستارك، والمدير التنفيذي للمؤتمر ويليام داروف، قادوا الوفد. 

وقال إنَّه لن يذكر أسماء المشاركين الـ27 الآخرين، لأنَّ السعوديين بحاجة لمعرفة “أنَّهم بإمكانهم الحديث إلينا على أعلى مستوى في حكومتهم، وأن يعرفوا أنَّنا سنتعامل معها بثقة مناسبة. من الرائع كتابة عناوين الأخبار، لكن من الأنسب بناء علاقة”.

مع ذلك، فإنَّ هونلين وضع نفسه في عناوين الأخبار حين أعلن عن الزيارة، مع الإشارة بوضوح إلى أنَّه كان لها هدف استراتيجي، لكن حتى الآن دون إشارة عامة جداً حتى عما قد يكونه هذا الهدف. وخرجت تقارير على مدار السنوات الماضية، تتحدث عن بضعة مسؤولين يهود أمريكيين يعملون كقنوات اتصال في الغرفة الخلفية للدبلوماسية الدولية. لكنَّ هذا النوع من التفسيرات لن يكون مهماً في هذه الحالة؛ فالدبلوماسية السرية لا تُمارَس بـ30 مسؤولاً من منظمات مختلفة وغالباً متنافسة.

وفي حال لم يكُن القادة السعوديون قد قابلوا أي يهودي أمريكي من قبل، فلربما صوَّر مؤتمر الرؤساء الهدف بأنَّه فتح آفاق جديدة. لكنَّ ممثلين عن اللجنة اليهودية الأمريكية ورابطة مكافحة التشهير زاروا السعودية في مطلع التسعينيات. ويذكر مارتن أولينر، زعيم منظمة “الصهيونيين المتديّنين بأمريكا”، في سيرته الذاتية، أنَّه مثَّل البنك السعودي البريطاني (ساب) ومقره الرياض.

يقول الكاتبان: “لم يتبقَّ أمامنا إلا افتراض أنَّ السعوديين اعتقدوا أنَّ لديهم ما يمكنهم كسبه من استضافة هذا الوفد اليهودي الكبير. وبما أنَّه من غير المتصوَّر أن تكشف قيادة مؤتمر الرؤساء للصحافة عن حقيقة الزيارة، فمن المنطقي استنتاج أنَّ القيادة السعودية أرادت أن يعرف العالَم اليهودي بالزيارة، وتوقَّعت الاستفادة من الكشف عنها”.

وبالفعل، لم يكشف السعوديون عن الرحلة لوسائل الإعلام المحلية أو العالمية الكبرى مثل صحيفتي The New York Times وThe Wall Street Journal الأمريكيتين؛ بل للإعلام اليهودي، من خلال وكالة Jewish Telegraphic Agency، وهو ما يشي بأنَّ السعوديين كانوا يستهدفون اليهود الأمريكيين بهذه الأخبار.

لدى السعودية سجلٌّ مروِّع من انتهاكات حقوق الإنسان، حسب الكاتبين، وضمن ذلك عقوبة الإعدام للمثليين جنسياً، والجَلْد، وقيود شديدة على الحركات الجسدية واستقلالية كل النساء، ومقتل وتقطيع أوصال الصحفي جمال خاشقجي. هل يسعى السعوديون لاستغلال العلاقات مع قادة المنظمات اليهودية الأمريكية؛ في محاولة لإصلاح صورتهم العامة؟ إن كان الأمر كذلك، فلماذا يختارون عمل ذلك من خلال يهود بارزين؟

وجدت مراجعة رابطة مكافحة التشهير، لنصوص الكتب الدراسية المُستخدَمة في المدارس السعودية عام 2018-2019، أنَّها “تُدرِّس أنَّ اليهود الصهيونيين يسيطرون على وسائل الإعلام والمال والسياسيين والنساء والمخدرات كجزءٍ من مخطط مزعوم لغزو معظم العالم العربي”. هل يسعى النظام السعودي لإظهار الدعم اليهودي الأمريكي، بسبب الصور النمطية السعودية طويلة الأمد عن اليهود الذين يسيطرون على الإعلام الأمريكي، وهي واحدة من أقدم الفِريات المطروحة التي تنطوي على كراهية لليهود؟

على الأرجح يشعر السعوديون بالقلق من “قانون الشفافية والإصلاح التعليمي في السعودية” (الذي يحمل كود H.R.554/S.357)، وهي مبادرة تحظى بدعمٍ من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس، تهدف إلى إجبار الرياض على إصلاح مناهجها التعليمية. ونحن سعداء بأنَّ رابطة مكافحة التشهير ومجموعات حقوقية مختلفة دعمت مشروع القانون.

ولم تتراجع انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية. فوفقاً لمنظمة العفو الدولية، فإنَّ السلطات السعودية، العام الماضي، “كثَّفت قمع الحق في حرية التعبير والتجمُّع والتنظيم”. ولا تزال هناك إساءة معاملة شديدة للنساء والمعارضين السياسيين والأقليات الدينية.

يتساءل الكاتبان: “هل يريد اليهود الأمريكيون أن يتعاطى ممثلوهم مع قيادات نظامٍ كهذا بدافع ادعاءات واهية بوجود نية للإصلاح؟ إنَّ المجموعات التي شاركت في الوفد، بإخفائها لمشاركتها هذه، تحجب المعلومات وتمنع المساءلة التي يحق لأعضاء تلك المجموعات، والمجتمع اليهودي ككل، أن يتمتع بها. إنَّ الشفافية والمساءلة هما تطلُّعان أساسيان في الحياة اليهودية الصحيحة. ولا بد من الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بهذه الرحلة والرحلات المماثلة”.  

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى