تقارير وملفات إضافية

رهان محفوف بالمخاطر.. محمد بن سلمان يغامر بخفض سعر النفط والاقتصاد العالمي قد يغرق

تنقسم مشاعر السعوديين داخل المملكة العربية السعودية الغنية بالنفط
تجاه الأمير محمد بن سلمان بين الخوف منه وحبه. وفي الأيام القليلة الماضية، شهدت
بقية دول العالم ما أدركه الشعب السعودي بشأن بن سلمان. 

فالأمير القوي لن يخجل من أي مواجهةٍ إذا وجد أنَّ مصالحه ومصالح
مملكته مهددة. وفي الواقع، غالباً ما يبدو أنَّ رغبته الأساسية الاعتيادية هي
الهيمنة، كما تقول شبكة CNN الأمريكية. 

ففي قمة أوبك التي عُقِدت في فيينا الأسبوع الماضي، حين رفضت روسيا
دعوته إلى خفض إنتاج النفط في ظل تراجع الطلب بسبب تفشي فيروس كورونا في مختلف
أنحاء العالم، ضاعف محمد بن سلمان رهانه المحفوف بالمخاطر، إذ تحدَّى موسكو وهدَّد
بزيادة الإنتاج السعودي، مما أدى إلى أكبر انخفاض حاد في أسعار النفط منذ أن بدأت
الولايات المتحدة قصف القوات العراقية في الكويت عام 1991.

ويعتقد الملك السعودي المنتظر أنَّ روسيا “تغش” في
التزامها باتفاقيات إنتاج النفط، وبعد منحها “فرصاً كثيرة” -على حد قول
مصدر مقرب من الحكومة السعودية- قرر أنَّ هذه هي اللحظة المناسبة لتصعيد
الموقف. 

وربما لم يكن الأمير السعودي يريد هذه المواجهة في الوقت الحالي -أو
ربما أخطأ في تقدير قدرة شقيقه، وزير النفط السعودي، على التفاوض نيابةً عنه في
فيينا- لكنَّ الشيء الواضح أنَّ محمد بن سلمان يمكن أن يُسبِّب اختلالاً عالمياً،
سواءٌ أكان متعمداً أو غير متعمد.

ومنذ المواجهة التي حدثت في فيينا، استقرت الأسواق قليلاً، واتصل
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمحمد بن سلمان “لمناقشة أوضاع أسواق الطاقة
العالمية”. ولكن في الوقت الذي أشار فيه الأمير السعودي إلى أنَّه ما زالت
هناك مهلة لمحاولة حلِّ هذا الخلاف حول إنتاج النفط، كلَّف شركة أرامكو الحكومية
السعودية برفع الإنتاج من الحد الأقصى البالغ 12 مليون برميل يومياً إلى 13 مليون
برميل يومياً، مُجهِّزاً لخطوةٍ قد تُفاقِم انخفاض أسعار النفط الخام.

ويُمكن القول إنَّ بن سلمان لا يتراجع عن مواقفه، وأنَّ استراتيجيته
تحمل كل السمات التي تجعلها تهديداً قابلاً للانفجار. لذا فتوقع نتيجة أفعالها
وتأثيرها في الاقتصاد العالمي ليس بالأمر السهل. وكما يعرف شعبه منذ فترة طويلة،
يمكن أن يكون محمد بن سلمان نفسه متقلباً وغير قابل للتنبؤ بسهولة.

فمنذ وصوله إلى السلطة بعد تتويج والده ملكاً في عام 2015، يروِّج
الأمير محمد لرؤيةٍ شعبية طموحة بشأن المستقبل، ويُطبِّق إصلاحاتٍ طال انتظارها
بينما يُسكِت النقاد ويوطِّد سلطته.

وبالنسبة للعديد من المواطنين السعوديين العاديين، فهذا هو ما كانوا
ينتظرونه: حاكمٌ قوي يخفِّف القيود الدينية المتزمتة الخانقة، ويعمل في الوقت نفسه
على تقليل اعتماد اقتصاد المملكة على النفط.

أمَّا بالنسبة لأقربائه في العائلة المالكة، فقد كان الصعود السريع
لهذا الابن الشاب ذي التعليم المتواضع مصحوباً بعواقب متفاوتة تتراوح من الاعتقال
إلى الابتزاز إلى الترقية.

وفي جميع تحرُّكاته الداخلية، يبدو أن محمد بن سلمان يُجسِّد أقوى
استعراضٍ عضلي لصراع السلطة الخفي المستمر منذ عقودٍ طويلة على تحديد فرع العائلة
المالكة الذي سيرث العرش. لذا يُمكن القول إنَّ الوضع الحالي في المملكة يُشبه أحد
مشاهد مسلسل Game of Thrones، وإن كان أقل دمويةً بكثير، وأنَّ محمد بن سلمان هو المنتصر في
الصراع حتى الآن. 

ففي يونيو/حزيران من عام 2017، أطاح محمد بن سلمان ابن عمه -ولي
العهد السابق محمد بن نايف بن عبدالعزيز- بفجاجةٍ من منصبه الذي كان سيجعله الملك
المُقبِل. وبعد بضعة أشهر، بدأ في اعتقال بعض كبار أفراد العائلة المالكة الآخرين
ونقلهم قسراً إلى فندق فاخر في الرياض، متهماً إيَّاهم بالفساد.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ توازن مشاعر الحب والخوف يبلغ أقصى
درجاته في المستويات العُليا للعائلة المالكة. إذ يتعرض بن نايف، والأمير أحمد بن
عبدالعزيز -شقيق الملك الأصغر- لمعاملةٍ سيئة منذ فترة. فحتى وقتٍ قريب، كان بن
نايف قيد الإقامة الجبرية. والآن، صار محتجزاً تماماً، وفقاً لبعض المصادر.

وكان من الممكن أن يكون كلا الرجلين منافساً لمحمد بن سلمان على
العرش، الذي يُعد أبرز شيء يخشى محمد بن سلمان فقدانه؛ لأنَّه حالما يصبح ملكاً،
لن يستطيع أحدٌ إطاحته. 

ويُمكن القول إنَّ نهجه الجامح في التعامل مع الصراع الملكي السعودي
يعكس سلوكه على الساحة العالمية.

فهو يحب الفوز، أو على الأقل يخشى الخسارة، لذا لديه استعدادٌ لاتخاذ
رهاناتٍ محفوفة بالمخاطر من أجل تجنُّب الخسارة. فعلى سبيل المثال، يتطلب برنامج
إصلاحات “رؤية 2030 التي يتبنَّاها ارتفاع أسعار النفط عن حوالي 60 دولاراً
للبرميل لتصل إلى نقطة التعادل. لكنَّ نهجه في التعامل مع روسيا خفض الأسعار إلى
نصف هذه القيمة، مما يُصعِّب الوصول إلى أهداف رؤيته.

باختصار، يُقامر محمد بن سلمان بمستقبل شعبه في صراع قوةٍ ضد الرئيس
الروسي فلاديمير بوتين، الذي من المفترض أنَّه حليفه. وإذا فاز بن سلمان في هذا
الصراع، سيُعزِّز حصة المملكة في سوق النفط ويُحسِّن مكانته العالمية، وهو في
أمسِّ الحاجة إليها بعدما تشوهت صورته بقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، الذي وجدت
المقررة الخاصة لدى الأمم المتحدة أنَّ الأمير السعودي مسؤول عنه (بينما ينفي بن
سلمان تورطه في هذه الجريمة بشدة).

ولكن حتى لو نجح في ذلك المسعى، سيكون قد أخفق بالفعل في هدفه
الأساسي المتمثل في إيقاف اعتماد السعودية على النفط. 

ومن غير الواضح إلى متى
سيستمر هذا الصراع التنافسي العنيد بين بن سلمان وبوتين. ولكن إذا أصرَّ الأمير
السعودي على موقفه، سيوتِّر علاقته مع ترامب، فضلاً عن أنَّه سيعرّض وعده الذي
قطعه لمواطنيه بإجراء تغيير تحويلي في الاقتصاد للخطر. 

وبغض النظر عمَّا سيفعله
حالياً، ستتعرَّض أساليبه للاختبار مرةً أخرى قريباً. فمن المقرر أن تستضيف
السعودية قمة مجموعة العشرين، التي تضم أقوى 20 اقتصاداً في العالم، في العام
الجاري، ومن المنتظر أن يساعد الأمير محمد والده المُسِن في تولِّي مسؤوليات رئاسة
هذه القمة، ويقود الطريق نحو إنعاش الاقتصاد العالمي الذي سيكون متضرراً ومنهكاً
للغاية بحلول ذلك الحين. 

ويبقى السؤال الذي سيطرحه
الكثيرون في الأيام التي ستسبق القمة المقبلة: هل يستطيع الأمير الشاب كبح جماح
طموحاته القوية من أجل تحسين حياة الآخرين؟ 

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى