تقارير وملفات إضافية

تهويش أم كارثة أم كلاهما! لماذا تغيرت تصريحات الحكومة المصرية بشأن الوباء؟

تغيرت تصريحات المسؤولين في الحكومة المصرية بشأن فيروس كورونا وانعكس ذلك على أداء الإعلام المحلي الذي يخضع لرقابة صارمة من النظام الحاكم، فمن تخوين واعتقال من يشككون في الأرقام الرسمية لمصابي ووفيات الوباء إلى تصريحات رسمية تشير إلى أن الأعداد الحقيقة أعلى كثيراً، فهل هذا التغيير يهدف إلى إخافة المواطنين المتهمين بعدم أخذ الأمور على محمل الجد أم أن هناك كارثة لم يعد بإمكان الحكومة التغطية عليها؟

تعود بداية التغيير في التعامل الرسمي من جانب الحكومة المصرية مع فيروس كورونا إلى يوم الخميس 21 مايو/أيار الماضي، حينما عرض وزير التعليم العالي والبحث العلمي د. خالد عبدالغفار تحليلاً لبيانات كورونا معتمداً على “التنبؤ المستقبلي الخاص بمعدلات الإصابة”، وكان لافتاً أن يقول “لا داعي للقلق على الإطلاق من تسجيل 500 إلى 1000 حالة إصابة يومياً بفيروس كورونا”.

واللافت هنا نقطتان؛ الأولى أنه في ذلك الوقت كان عدد حالات الإصابة اليومية -بحسب البيانات الرسمية لوزارة الصحة- قد بدأ بالفعل في الارتفاع من متوسط 200 إلى 300 حالة يومياً إلى أعلى من 500 يوم 17 مايو/أيار، ثم وصلت إلى أعلى من 700 قبل تصريحات عبدالغفار بيومين فقط.

أما النقطة الثانية هي ما قاله عبدالغفار بشأن “أعداد حالات الإصابة الحقيقة” اعتماداً على توقعات أعدتها الوزارة ووضعت تلك الأرقام في منطقة أخرى أعلى كثيراً مما هو معلن، وعرض وزير التعليم العالي والبحث العلمي تلك “التقديرات لانتشار فيروس كورونا في مصر” أمام الرئيس عبدالفتاح السيسي وباقي المسؤولين في الدولة أثناء افتتاح طرق وكباري في الإسكندرية وعلى الهواء مباشرة.

حتى ذلك اليوم، كانت الروايات الرسمية تؤكد أن الحكومة تسيطر تماماً على الوباء وأن ما تعلنه من أرقام رسمية هو حقيقة الموقف على الأرض، وتطارد الأجهزة الأمنية من يشككون في تلك الرواية وتعتقلهم، ويقوم الإعلام المحلي بدوره في تحذير المواطنين من الانسياق وراء الشائعات وأن من يشككون في الأرقام الرسمية لأعداد المصابين هم خونة ومأجورون ولابد من محاسبتهم.

لكن ما عرضه وزير التعليم العالي والبحث العلمي أكد على أن الأرقام الرسمية لأعداد المصابين لا تمثل الحقيقة الكاملة على الأرض وأن الأعداد الحقيقية ربما تكون أعلى بكثير، بل وحدد رقماً متوسطاً يضاعف الأرقام الرسمية خمس مرات على الأقل، وتوقع تحليل البيانات أن تكون الأعداد الحقيقية للمصابين بفيروس كورونا أعلى من 100 ألف.

منذ ذلك التصريح، الذي جاء في غياب وزيرة الصحة، بدأت وتيرة الزيادة في الأرقام الرسمية المعلنة يومياً في الارتفاع بصورة كبيرة، كما تزامن ذلك مع تغيير واضح في أداء الإعلام المحلي، من حيث عدم التركيز على الأرقام اليومية، فبعد أن كانت خبراً رئيسياً تتناوله جميع الوسائل الإعلامية من قنوات تلفزيونية ومحطات إذاعية وصحف وحسابات رسمية على منصات التواصل الاجتماعي، تراجعت إلى الخلفية وحل محلها التركيز على الاستعداد لمرحلة ما بعد عيد الفطر وإعادة فتح الاقتصاد.

في تلك الفترة، كانت الحكومة قد أعلنت عن إجراءات صارمة أثناء أسبوع عيد الفطر (من 24 حتى 29 مايو/أيار الماضي) مددت خلاله ساعات حظر التجول لتصبح من الخامسة عصراً (كانت من التاسعة مساء) حتى السادسة صباحاً، وأوقفت القطارات ومترو الأنفاق وجميع وسائل النقل الجماعي العامة والخاصة، كما فرضت حظراً كاملاً على المتاجر بكافة أنواعها.

ورغم ذلك شهدت الأرقام الرسمية لحالات الإصابة بالفيروس قفزات مقلقة بشكل يومي لتتخطى متوسط 1300 حالة يومياً في أيام العطلة والإجراءات الصارمة، ووصلت إلى 1536 حالة الأحد 31 مايو/أيار، وهو اليوم الأول لفتح النشاط الاقتصادي وعودة القطارات والمترو ووسائل المواصلات العامة والخاصة للعمل، وهو ما أثار علامات الدهشة، فالعالم كله بدأ في رفع إجراءات الإغلاق بعد تخطي ذروة التفشي، بينما مصر بدأت فتح البلاد في بداية تلك الذروة.

الأغرب هنا أن مستشار الرئيس لشؤون الصحة والوقاية د. محمد عوض تاج الدين كان قد صرح يوم الخميس 28 مايو/أيار أن “ذروة تفشي فيروس كورونا في مصر ستكون بعد أسبوعين”، وهو ما يعني أن الارتفاع في الأرقام الرسمية في الأيام الماضية ليس إلا مقدمة لتلك الذروة، وهذه إشارة أخرى إلى أن الحكومة المصرية تدير معركة الوباء العالمي بطريقة مختلفة عن باقي دول العالم، أو ما يمكن وصفه بالتعامل المحلي مع الوباء العالمي.

الاعتراف الرسمي بأن ذروة الوباء في مصر لا تزال قادمة وأنه لا بديل عن البدء في إجراءات استعادة النشاط الاقتصادي بسبب عدم قدرة غالبية المواطنين على تحمل وقف الأنشطة الاقتصادية أكثر من ذلك، يمكن تفسيره إما على سبيل إجبار المواطنين على اتخاذ كافة الإجراءات الوقائية والتعامل بجدية مع خطورة الفيروس، في ظل الاتهامات المتكررة في الإعلام للمواطنين بنقص الوعي والتصرف بعدم مسؤولية، أو التفسير الآخر أن تكون الحكومة قد أصبحت على يقين من عدم قدرتها على إخفاء حقيقة الوضع الكارثي للوباء أكثر من ذلك فقررت تجهيز الجبهة الداخلية لتلك الكارثة.

التغيير اللافت في تعامل الحكومة المصرية مع أزمة كورونا، منذ 21 مايو/أيار الماضي، شمل تطبيق إجراءات صارمة تتعلق بتغريم من لا يرتدي الكمامة مبلغ 4000 جنيه مصري (نحو 252 دولاراً) وذلك بداية من السبت 30 مايو/أيار، وهو ما أدى لالتزام غالبية المواطنين بارتداء الكمامة، لكن الأمر لا يخلو من صعوبات بالطبع.

وقد عبر أحد المواطنين ويدعى عصام سعيد، وهو موظف بمديرية التربية والتعليم بمحافظة بني سويف، عن أبرز تلك الصعوبات بقوله لرويترز: “محتاج أوفر يومياً 30 جنيهاً لأسرتي المكونة من ستة أفراد لشراء ست كمامات.. أي بمعدل 900 جنيه شهرياً، وأنا راتبي كله 2200 جنيه.. طيب إزاي؟”.

الحكومة كانت قد قالت في مايو/أيار، أنها ستوفر كمامات قماشية بسعر خمسة جنيهات (0.31 دولار) للكمامة التي يمكن استخدامها لمدة شهر، لكن حتى الآن لم يحدث ذلك رغم أن قانون الغرامة قد أصبح سارياً بالفعل، وقالت نيفين جامع وزيرة التجارة والصناعة في بيان صحفي أول أمس الأحد، إن مصر تتطلع لإنتاج 30 مليوناً من الكمامات القماشية شهرياً لتلبية الطلب المحلي، وستنتج ثمانية ملايين كمامة خلال الأيام المقبلة في إطار تجربة أولية.

وأمس الإثنين 1 يونيو/حزيران، أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي عن تشكيل لجان إدارة أزمة فيروس كورونا المستجد في كل محافظة من محافظات الجمهورية، كاشفاً عن أبرز الجهات الممثلة في اللجان، والتي تضم مسؤولي المحافظات، ووزارة الصحة، والأمن الوطني، والرقابة الإدارية، مضيفاً أن هدفها التأكد من توافر المستلزمات الطبية والأدوية ومتطلبات الحماية الشخصية، وإجراءات صرفها وإجراءات استقبال الحالات ومتابعة انتظام حضور الأطقم الطبية، وتقديم الخدمة للمواطنين.

تساؤلات كثيرة بالطبع تدور حول دوافع هذا التغيير في تعامل الحكومة مع كارثة الوباء الذي أصاب أكثر من 6 ملايين و315 ألف شخص حول العالم وأودى بحياة أكثر من 374 ألفاً، ولكن التساؤلات الأبرز تدور حول تأخر الحكومة في إحداث هذا التغيير والأهم الاستعداد الجدي لمواجهة ذروة التفشي.

الحكومة المصرية بدأت إجراءات مكافحة الفيروس منذ منتصف مارس/آذار الماضي، وعطلت الدراسة في المدارس والجامعات كما فرضت حظر تجول جزئياً وأغلقت المساجد والكنائس والنوادي الاجتماعية والشواطئ، فلماذا لم تستعد لتوفير الكمامات في الأسواق بكميات كافية وبأسعار يتحملها الفقراء وغير القادرين حتى الآن؟ وهذا السؤال يتردد على استحياء في بعض وسائل الإعلام المحلية منذ إعلان الحكومة عن فرض غرامات على من لا يرتديها.

العمل في العاصمة الإدراية الجديدة لم يتوقف سوى عشرة أيام فقط، في أعقاب وفاة بعض قيادات الجيش المسؤولين عن بعض مشاريع العاصمة، ثم تم استئناف العمل في تلك المشاريع، إضافة إلى باقي مشاريع الطرق والكباري، رغم أنها ليست مشاريع إنتاجية ولا ترتبط بشكل مباشر بمعركة الوباء التي تكرس لها حكومات العالم جميع مواردها وإمكانياتها، ونلك أيضاً نقطة أخرى تستحق التوقف.

التعامل مع الأطقم الطبية من جانب وزارة الصحة يمثل أيضاً علامة استفهام لا يبدو أن أحداً يمتلك الإجابة عنها، فرسائل تهديد الأطباء الذين يطالبون بإجراءات الوقاية هي الرد الأول، وحملات الهجوم الشرس التي تطلقها اللجان الإلكترونية ضد الأطباء واصفة إياهم بالخونة والهاربين من المعركة وبأنهم إخوان -بمن فيهم الدكتورة منى مينا- كلها مؤشرات على أن الحكومة تريد أن تواصل العمل بنفس الطريقة البيروقراطية المتسلطة في زمن الوباء الذي لا يعرف أحد متى تنكسر حدته.

جميع المصريين يتمنون الآن أن يكون التغيير في التصريحات الرسمية للحكومة مؤشراً على تغيير حقيقي في كيفية التعامل مع معركة الوباء وليس مجرد تغيير شكلي في البيانات والتصريحات الإعلامية، كما يتعلق كثيرون بالأمل في أن يكون ذلك التغيير “مجرد تهويش” لإجبار المواطنين على الالتزام أكثر بمعايير الوقاية وليس “تمهيداً لكارثة” ربما تقع في أي لحظة.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى