تقارير وملفات إضافية

“مزحة كورونا المريرة”.. كيف أدى خوف قادة إيران من الصين إلى كارثة تتجاوز الجائحة؟

“الصين خدعتنا بأرقامها عن هذا الفيروس”، خرجت هذه الكلمات من مسؤول إيراني كاشفة عن دور الصين في نشر فيروس كورونا في إيران تحديداً، ولكن كلامه أغضب قادة البلاد. 

إذ سرعان ما تعرض هذا المسؤول الذي يتولى منصباً قيادياً بوزارة الصحة الإيرانية إلى هجوم عنيف من قبل أجهزة الدولة، في مؤشر على أن لا أحد في إيران أصبح يجرؤ على نقد الصين، وأن الثورة التي قامت لتخليص البلاد من الهيمنة والاستكبار الأمريكي باتت خاضعة لنوع آخر من الهيمنة، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية. 

حذر الرئيس الإيراني حسن روحاني مؤخراً من أن القيود المرتبطة بفيروس كورونا، التي خُففت مؤخراً لأسباب اقتصادية قد تُفرض مرة أخرى إذا انتشرت موجة ثانية من الفيروس حول البلاد. أبلغ مسؤولو الصحة الإيرانيون عن 3134 إصابة جديدة بفيروس كورونا في 3 يونيو/حزيران، لتشكل أعلى معدل عدوى منذ 30 مارس/آذار، وتجعل الرقم الإجمالي للمصابين يصل إلى 160,696 حالة. 

كان جانب من نفاد صبر إدارة روحاني والتعجيل باستئناف النشاط الاقتصادي المحلي، يُعزى إلى الضغط الخانق بسبب العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة، مقترنة بانخفاض أسعار النفط بشكل مزعج. يضاف إلى ذلك أن مخاوف العواقب المحتملة المتمثلة في حدوث عدم استقرار اقتصادي واضطرابات عامة، أثرت كذلك على الاستجابة المبكرة المتساهلة من جانب الجمهورية الإسلامية تجاه التفشي الذي نشأ في الصين، وهي استجابة صاحبتها تداعيات كارثية في نهاية المطاف.

في واقع الأمر، كانت زيادة الاعتماد على الصين هي التي منعت القيادة الإيرانية من تبني إجراءات حاسمة ضد عوامل نقل العدوى من الصين، بالرغم من أن بكين نفسها هي التي نبهت منظمة الصحة العالمية بالمرض الجديد في وقت مبكر وتحديداً في 31 ديسمبر/كانون الأول، وتحركت في 23 يناير/كانون الثاني باتخاذ خطوة فرض إغلاق تام على عشرات الملايين من سكان ولاية هوبي، بما في ذلك مدينة ووهان التي نشأ فيها الفيروس. 

ولكن رغم ذلك تواصلت الرحلات الجوية التي تُسيرها شركة الطيران الإيرانية ماهان إير من الصين وإليها حتى 24 فبراير/شباط على أقل تقدير. 

وفي محاولة لتهدئة المخاوف المتزايدة في إيران حول التأثير المحتمل لتفشي المرض بسبب العلاقات الإيرانية الصينية، نشر السفير الصيني في طهران، تشانغ هوا، تغريدة بالفارسية لاجتماع عقده مع الرئيس التنفيذي لشركة ماهان إير، حميد عرب نجاد، في 2 فبراير/شباط، مؤكداً على رغبة الأخير في “مواصلة التعاون” مع الصين. 

ولكن بعد حوالي شهرين، وتحديداً في 5 أبريل/نيسان، عندما وصلت أزمة الصحة العامة الناتجة عن فيروس كورونا إلى مرحلة خطيرة في جميع أنحاء إيران، ندد المتحدث باسم وزارة الصحة الإيرانية، كيانوش جهانبور، عبر تويتر بما تفعله بكين من “خلط” العلم بالسياسة وإنتاج معلومات غير دقيقة عن طبيعة تهديد فيروس كورونا المستجد. 

وقال جهانبور في مؤتمر صحفي في نفس اليوم: “يبدو أن إحصاءات الصين كانت مزحة مريرة نظراً إلى أن عديداً من الأشخاص في العالم اعتقدوا أنه مرض يشبه الإنفلونزا بمعدلات وفيات منخفضة. كل هذه [التدابير] كانت مستندة إلى تقارير من الصين، [ولكن] يبدو الآن أن بكين حاكت مزحة مريرة للعالم”.

كان الرد المعلن من السفير الصيني غير تقليدي. كتب تشانغ هوا: “تعقد وزارة الصحة الصينية مؤتمراً صحفياً كل يوم. أقترح أن تقرأ أخبارها جيداً كي تستخلص الاستنتاجات”، وذلك في إشارة إلى نطاق النفوذ الذي تمارسه بكين في أروقة السلطة الإيرانية. 

ومما لا يثير الدهشة أن هذا الخطاب استدعى بين كثير من الإيرانيين ذكريات “الخنوع” للقوى الأجنبية -الذي تعهدت الجمهورية الإسلامية بإنهائه بعد ثورة 1979، مما استثار احتجاجاً شعبياً حول المعاملة المتعالية “الاستعمارية” التي تتعامل بها بكين مع إيران.

بيد أن رد وزارة الخارجية الإيرانية كان إحدى محاولات الاسترضاء التي لا لبس فيها. وفي تغريدة قُوبلت بحرارة من السفير الصيني، أثنى المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سيد عباس موسوي، على “الشجاعة الصينية، والتفاني، والاحتراف” في التعامل مع جائحة فيروس كورونا وشدد على أن إيران “كانت دائماً شاكرة” للصين. وما يكتسب أهمية خاصة أن أغلب المتشددين والمنصات الإعلامية القريبة من الحرس الثوري الإيراني اتخذوا موقفاً مشابهاً، ونددوا بوزارة الصحة الإيرانية لانتقادها غير الملائم الموجه لبكين. 

إذ كتب حسن سليماني، رئيس تحرير موقع مشرق نيوز المرتبط بالحرس الثوري: “بينما كانت الصين أكبر مقدم مساعدات إلى إيران في مواجهتها ضد فيروس كورونا وقدمت لإيران كثيراً من المنتجات الاستراتيجية عن طريق التحايل على العقوبات.

وصور كثير من المدافعين عن الصين جهانبور [متحدث وزارة الصحة الإيرانية] فجأةً بأنه متحدث باسم ترامب وإسرائيل”. بل إن آخرين تمادوا لأبعد من هذا عبر المطالبة بإقالة كيانوش جهانبور من وزارة الصحة بعد احتجاجاته المعلنة ضد بكين وطريقة تعامله مع أزمة الفيروس.

إذا كان الجدال حول أزمة فيروس كورونا يدل على شيء، فإنما يدل على غيض من فيض عدم تكافؤ العلاقات الاستراتيجية بين طهران وبكين، حيث يقرر الشريك الأقوى جانباً كبيراً من قواعد اللعبة وكيف يجب لهذه الشراكة أن تسير، ودائماً على حساب الأمن القومي للشريك الأضعف، واستقلاليته، ومصالحه طويلة الأجل. 

كان محمود صادقي، وهو نائب في البرلمان الإيراني يوجه انتقادات لاذعة للمتشددين، سريعاً في الإشارة إلى أن استرضاء طهران الحكومة الصينية لا يتماشى مع العقيدة الثورية “لا الشرق ولا الغرب، بل الجمهورية الإسلامية”، ويضرب عرض الحائط بـ “مبدأ الكرامة” في السياسة الخارجية لإيران.

يمكن استيضاح إشارة أخرى لاحتلال إيران موقعاً ثانوياً في أجندة الأولويات الاستراتيجية للصين، من خلال تتبع سجل تصويت الصين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قبل خطة العمل الشاملة المشتركة. 

بين عامي 2006 و2010، صوتت الصين بالفعل لصالح جميع قرارات مجلس الأمن التي تتصدى لبرنامج طهران النووي. والجدير بالملاحظة أن أربعة منها تضمنت فرض عقوبات موسعة تدريجياً على طهران. 

يمكن رؤية سجل تصويت الصين في مجلس الأمن من زاويتين مختلفتين. ترتبط الأولى بمحاولة بكين في العموم أن تظهر طرفاً مسؤولاً يحترم إجماع الآراء الدولية المتولدة حول الشؤون المهمة للأمن العالمي. أما الزاوية الثانية، فتتعلق بميول الصين لوضع علاقاتها مع الولايات المتحدة أولوية أولى على حساب إيران. 

وبالنظر إلى صعود الصين عالمياً ومستوى الاعتماد المتبادل بين بكين وواشنطن، تفيد النتيجة -برغم الادعاءات الرنانة بالتضامن والصداقة التي لا مثيل لها- بأن سياسة الصين تجاه إيران تقلبت في الغالب استناداً إلى علاقتها مع الولايات المتحدة: وهي حقيقة من الصعب أن تفي بتوقعات طهران.

برز دليل آخر على أن الصين تحرز نتيجة مخيبة للآمال في حماية علاقاتها مع طهران من خلال الانهيار الأخير في واردات النفط من إيران. 

أظهرت الأرقام الصادرة عن إدارة الجمارك الصينية أن شحنات النفط الخام وصلت إلى أدنى قيمة لها منذ 20 عاماً في مارس/آذار 2020.

بالرغم من أن الموقف يعكس تقلصاً عاماً في الطلب المحلي بسبب جائحة فيروس كورونا، تجدر الإشارة إلى أن واردات النفط الصينية من روسيا والسعودية انخفضت بـ 15% فقط، وهي نسبة أقل بصورة مقلقة عند مقارنتها بانخفاض مستوى شحنات النفط القادمة من إيران بنسبة 60%.

يُتوقع أن يأتي الاختبار الحاسم القادم للشراكة الإيرانية الصينية في شهر أكتوبر/تشرين الأول أو ربما سبتمبر/أيلول

فقد أعلنت الولايات المتحدة بالفعل عن نيتها مد حظر الأسلحة المفروض على إيران بموجب قرار الأمم المتحدة، وهددت بتفعيل آلية إعادة فرض العقوبات التي يكفلها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231، إذا رفض أعضاء مجلس الأمن الآخرون دعم مبادرتها وسمحوا بانتهاء حظر الأسلحة في أكتوبر/تشرين الأول. 

وشددت بعثة الصين في الأمم المتحدة على أن واشنطن، التي انسحبت وحدها من خطة العمل المشتركة قبل إعادة فرض العقوبات، لا تملك حق مد حظر الأسلحة أو تفعيل آلية إعادة فرض العقوبات ضد طهران. 

ويمكن القول إن تعامل الصين مع المسألة -المتعلقة بمد الولايات المتحدة سياسة “الضغوط القصوى” ضد إيران- في الأشهر القادمة سوف تعرض مدى موثوقية واستمرارية “شراكتها الاستراتيجية الشاملة” مع إيران بعدما فشلت الشراكة حتى هذه اللحظة في اختباراتها الأساسية.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى