تقارير وملفات إضافية

“انتقاماً” من القرضاوي والإخوان وقطر، كيف تشجع مصر سريلانكا على قمع الأقلية المسلمة؟

أصدرت السفارة المصرية في سريلانكا بياناً بشأن جنسية الشيخ يوسف القرضاوي واتهمته بأنه “يحض على الكراهية”، ما أثار مخاوف من تعرض الأقلية المسلمة في البلد الآسيوي ذي الأغلبية البوذية للمزيد من القمع والاضطهاد رغم تنديد المنظمات الحقوقية بما تتعرض له الأقلية “المسالمة”، فما قصة البيان المصري؟

وقبل التعرض لبيان السفارة المصرية، دعونا نتوقف قليلاً عند التوزيع الديموغرافي للسكان في سريلانكا؛ يبلغ عدد السكان 22 مليوناً، 70% منهم بوذيون، في حين يشكل المسلمون نحو 10% فقط، وقد عاشت الأقلية المسلمة بعيداً عن أي صراعات داخل البلاد التي شهدت حرباً طاحنة بين الجيش ومتمردي التاميل انتهت عام 2009 بعد القضاء على تمرد التاميل، ورغم أنه لا توجد حركات مسلمة تنتهج العنف، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت حملات كراهية يقودها رهبان بوذيون ضد الأقلية المسالمة، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية، كان قد ألقى الضوء على الاضطهاد الذي يتعرضون له.

فبعد أن انتهت الحرب الأهلية بين السنهاليين (البوذيين) والتاميل (هندوس يمثلون 10% من السكان)، عاد الهدوء للبلاد فترة قصيرة، سرعان ما بدأت بعدها الأغلبية البوذية في توجيه خطاب كراهية تجاه المسلمين لأسباب اقتصادية.

وشهدت البلاد منذ عام 2012 أحداثاً متكررة واعتداءات ضد المسلمين من جانب جماعات بوذية متشددة، في ظل تراخي السلطات في حماية الأقلية المسلمة، مما أدى لتسارع وتيرة تلك الهجمات، وفي عام 2013، أُصيب سبعة أشخاص على الأقل في العاصمة كولومبو، عندما قاد رهبان بوذيون المئات من أنصارهم إلى مهاجمة متجر لبيع الملابس يمتلكه مسلمون، وفي عام 2014، قُتل ثلاثة مسلمين في أحداث شغب أججتها جماعات بوذية متشددة.

وفي عام 2017، وقع أكثر من 20 هجوماً على المسلمين على مدى شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول، تضمنت إحراق شركات يملكها مسلمون وهجمات بقنابل حارقة على مساجد.

في 21 أبريل/نيسان من العام الماضي، ارتكب انتحاريون مجزرة عندما استهدفوا فنادق فخمة وكنائس خلال قداس عيد الفصح ما أسفر عن 279 قتيلاً و593 جريحاً، وعلى الفور وجهت حكومة الرئيس السابق مايثريبالا سيريسينا الاتهام إلى “حركة جهادية” قبل أن تتهم تجار المخدرات في البلاد بتنفيذ الجريمة المروعة.

لكن على الرغم من أن التفجيرات لم تستهدف معابد أو معالم بوذية، بل استهدفت الأقلية المسيحية التي تمثل 7% من السكان، إلا أن المتشددين البوذيين والحكومة الجديدة برئاسة غوتابايا راجاباكسا انتهزوا فرصة تشديد القمع والاستهداف ضد الأقلية المسلمة بصورة أكثر وحشية من السنوات السابقة.

ونشرت هيئة الإذاعة البريطانية تقريراً بعنوان “شيطنة مسلمي سريلانكا عقب تفجيرات عيد الفصح”، ألقى الضوء على تفاقم مأساة الأقلية التي لم يعرف بين أفرادها ميلا للعنف أو التمرد على سلطة الدولة وتعيش في سلام، بينما تتعرض مؤخراً لاضطهاد من جانب الأغلبية البوذية.

وتقود حملات الكراهية والتحريض ضد المسلمين منظمة بوذية يمينية متشددة تدعى “بودو بالا سينا” (وتعني “سلطة القوة البوذية”)، وأمينها العام اسمه فِن غالابودا أثثي غناناسارا له خطابات متكررة منذ سنوات يهدد فيها الأقلية المسلمة “بحمامات دم” دون أن تتحرك السلطات البوذية ضده، وهنا نأتي لبيان السفارة المصرية الصادر أمس الإثنين 15 يونيو/حزيران.

وفي شهادة غناناسارا أمام لجنة التحقيق في هجمات أحد الفصح السبت 13 يونيو/حزيران، وجه البوذي اليميني الكاره للمسلمين مزاعم ضد الشيخ يوسف القرضاوي بأنه “يحض على الكراهية”، مطالباً حكومة بلاده بمنعه من دخول البلاد وملاحقته واستخدم وصف “رجل الدين المصري” في معرض حديثه عن القرضاوي.

السفارة المصرية في سريلانكا – التي لم يصدر عنها تقرير أو بيان واحد ينتقد ما تتعرض له الأقلية المسلمة من اضطهاد وقمع يندد به العالم أجمع على مدى سنوات – سارعت بإصدار بيان، بحسب صحيفةSunday Times السريلانكية، أفادت فيه بأنَّ غناناسارا، ربط مصر خطأً بالداعية الذي يُزعَم أنَّه يحض على الكراهية يوسف القرضاوي خلال الشهادة التي أدلى بها أمام “لجنة التحقيق في هجمات أحد الفصح”.

وقالت السفارة في البيان إن القرضاوي، وهو “عالم دين أصولي وداعية يحض على الكراهية”، هو مواطن قطري، مشيرة إلى أنَّه جُرِّد من جنسيته المصريه ومُنِع من دخول مصر منذ عقود، ووفقاً للسفارة المصرية، يقيم القرضاوي في قطر منذ الستينيات ولا يحمل إلا الجنسية القطرية.

وجاء في البيان: “لكونه أحد منابع جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية المحظورة، وإثارته للكراهية الدينية، وترويجه لدعوة العنف، جُرِّد القرضاوي من جنسيته المصرية ومُنِع من دخول مصر قبل عقود، وهرب من حكم غيابي بالمؤبد صدر بحقه من محاكم مصرية.

“وتشمل الاتهامات بحقه تنفيذ أعمال إرهاب وعنف داخل مصر أدَّت إلى فقدان عشرات الأرواح، وتجهيز مخططات بالتعاون مع قادة الإخوان المسلمين، وتبنّي الأفكار التكفيرية المتطرفة، والتآمر ضد الشعب المصري لاستمرار الفوضى وتقويض الأمن القومي المصري. واسمه مُدرَج على قائمة الإرهاب في مصر ودول أخرى عديدة محبة للسلام. ومن المؤسف أنَّه لا يزال بلا رقيب في دولته المضيفة ويواصل تلقي الدعم والرعاية.

“لقد صنَّفت مصر ودول عربية أخرى 59 شخصاً و12 مؤسسة تمول المنظمات الإرهابية وتتلقى الدعم من بعض الدول في المنطقة باعتبارهم شخصيات وكيانات إرهابية، بما في ذلك القرضاوي وما يُسمَّى بـ(الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) بقيادته”.

ولم يكتف البيان بذلك، بل أضاف: “وعلى نفس المنوال، طرد الأزهر، المركز المرموق للتعليم الإسلامي المستنير في مصر، القرضاوي منذ فترة طويلة، مُعتبِراً أنَّه مُنظِّر متطرف ومُحرِّض. وكان الأزهر ومرصده الشهير لمكافحة التطرف في طليعة مكافحة الأيديولوجيات والممارسات المتطرفة ورفض أعمال العنف الديني على مستوى العالم. وأدان الأزهر بأقوى العبارات هجمات أحد الفصح الشنيعة في سريلانكا وعبَّر عن تضامنه الكامل مع الحكومة والشعب السريلانكيين. وواجه خريجو الأزهر السريلانكيون من قبل الأفكار المتطرفة لقادة جماعة التوحيد الوطنية في سريلانكا ودحضوها في مناسبات عديدة قبل هجمات أحد الفصح، وسلَّطت الصحافة السريلانكية الضوء على إحداها (انظروا نسخة صحيفة Daily Mirror بتاريخ 27 أبريل/نيسان 2019). ومن الجدير بالذكر أنَّ العديد من البلدان المسلمة وغير المسلمة تتواصل مع الأزهر من أجل المساعدة في تحديث التعليم ومواجهة التطرف الإسلامي، بما في ذلك بلدان ذات غالبية مسيحية وبوذية وهندوسية”، وتضيف السفارة أنَّ مصر ومؤسساتها المستنيرة ستواصل تقديم الدعم لسريلانكا في القضاء على التطرف. ويؤكد البيان: “يواجه كلا البلدين نفس التهديدات ويواجهان نفس العدو”.

البيان الذي صدر عن السفارة المصرية حمل الادعاءات والمزاعم التي تكررها حكومة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بحق القرضاوي دون أن تجد أذناً صاغية من المنظمات الدولية مثل الإنتربول الذي رفع اسم العلامة من نشرته الحمراء منذ منتصف ديسمبر/كانون الثاني 2018، لعدم وجود أدلة تدعم الادعاءات من الجانب المصري.

لكن اللافت في البيان، بعيداً عن الدوافع السياسية وراء الاستهداف المصري للشيخ يوسف القرضاوي ولجماعة الإخوان وهي لا تخفى على أحد، هو أن إلحاق النظام المصري لتهمة “الإرهاب” بحق كل من يعارضه سياسياً قد وصل إلى حد التبرع بتقديم مبررات للنظام البوذي في سريلانكا كي يواصل قمع واضطهاد الأقلية المسلمة التي لا تجد من يدافع عنها سوى منظمات حقوقية غربية، بينما أكبر دولة عربية مسلمة وهي مصر لم تصدر بياناً واحداً يندد بالقمع الذي يتعرضون له، بل وتتبرع الآن بالتأكيد على ادعاءات كاذبة يطلقها أحد زعماء البوذية اليمينيين في سريلانكا والمسؤولين عن قتل وحرق العشرات من المسلمين.

وفي هذا السياق أصدرت هيومان رايتس ووتش أواخر أبريل/ نيسان الماضي تقريراً بعنوان “عمليات القبض التي تقوم بها سريلانكا بحق المسلمين تثير القلق”، ألقى الضوء على الاستهداف المنظم من جانب السلطات لرموز الأقلية المسلمة والقبض عليهم دون أي دليل أو إجراءات قانونية، وحذر التقرير من أن “أمن وسلامة الأقلية المسلمة في سريلانكا” معرض للخطر بشدة، في ظل الاستهداف الجماعي لهم من جانب الأغلبية البوذية والحكومة.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى