تقارير وملفات إضافية

أغضب بوتين وترامب معاً.. لماذا يتلهّف بن زايد لإشعال الحرب في إدلب؟

“الإمارات تدعم سوريا في مواجهة كورونا الذي لا يتواجد على أراضيها”، كان هذا خلاصة التبرير الإماراتي للمكالمة الهاتفية التي أجراها الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، مع الرئيس السوري بشار الأسد.

وغرّد بن زايد قائلاً بحثت هاتفياً مع الرئيس السوري بشار الأسد تداعيات انتشار فيروس كورونا، وأكدت له دعم دولة الإمارات ومساعدتها للشعب السوري الشقيق في هذه الظروف الاستثنائية.. التضامن الإنساني في أوقات المحن يسمو فوق كل اعتبار، وسوريا العربية الشقيقة لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة.

بحثت هاتفيًا مع الرئيس السوري بشار الأسد تداعيات انتشار فيروس كورونا، وأكدت له دعم دولة الإمارات ومساعدتها للشعب السوري الشقيق في هذه الظروف الاستثنائية.. التضامن الإنساني في أوقات المحن يسمو فوق كل اعتبار ، وسوريا العربية الشقيقة لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة.

كان ما أعلنته الإمارات عن فحوى المكالمة غريباً.

إذ إن سوريا كانت تعلن رسمياً أنه لا يوجد فيروس كورونا على أراضيها، وحتى بعد إعلانها عن اكتشاف حالات ووفيات جراء كورونا ظلَّ الأمر محدوداً، وحتى في ظل تشكك الأمم المتحدة في صحة بيانات النظام، فإنه من الواضح أن المرض لم ينفجر في البلاد ليستدعي مكالمة بين دولتين ينتمي كل منهما لمحور يناصب الآخر العداء.

ولكنّ تقريراً للصحفي البريطاني ديفيد هيرست، نشره موقع “ميدل إيست آي”، كشف عن سبب قيام الإماراتيين بالادعاء بأن دعم سوريا في مواجهة كورونا هو القصد من  هذا الاتصال.

إذ ذكر التقرير أن ربط هدف المكالمة بمرض كورونا جاء لتقليل غضب الأمريكيين بعد تسرب أنباء المحادثة، خاصة أنهم كانوا غاضبين أصلاً من إفراج الإمارات عن 700 مليون دولار من الأموال الإيرانية المحتجزة.

التقرير كشف أن هدف الاتصال هو عرض رشوة على الأسد بقيمة 3 مليارات دولار، مقابل كسر وقف إطلاق النار في إدلب.

وقد أغضب العرض الإماراتي وتجاوب الأسد معه الروس أيضاً، الذين ضغطوا على الأسد لعدم تلبية الطلب الإماراتي.

رغم أن الإمارات يُفترض أنها عضو في المحور العربي الذي تقوده السعودية، المعادي لإيران، والذي يضم الأسد، فإن اللافت أن أبوظبي تحاول أن تقترب سراً في الأغلب، وعلانية أحياناً، من طهران التي تحتل جزرها الثلاث.

وكان آخر هذه المحاولات تعاونها مع منظمة الصحة العالمية لإدخال شحنات طبية لإيران، وقبل ذلك بأشهر جرت زيارات مسؤولين إماراتيين لطهران بعد اعتداءات على أهداف إماراتية، يعرف الجميع أن إيران هي التي تقف وراءها.

وفي اليمن، انسحبت الإمارات تاركةً السعوديين وحدهم أمام الحوثيين، مكتفيةً بتحريض قوات الجنوب الموالية لها على القوى المؤيدة للحكومة الشرعية المدعومة سعودياً.

تبدو الإمارات كأنها العضو الخفي في المحور الإيراني، الذي يسعى لفرض هيمنة طهران بالمنطقة عبر الأقليات الشيعية.

فالإمارات لا تعطي اهتماماً لتوسع النفوذ الإيراني في المنطقة، والذي يقوم أحياناً على عمليات تطهير طائفي مثلما يحدث في سوريا واليمن.

كما أن الإمارات لا تهتم كثيراً بمحاربة التطرف السلفي الإسلامي، بل هي تبارك تحالف حفتر، رجلها في ليبيا، معه، وتتحالف معه بشكل مباشر مثلما يحدث في اليمن، ناهيك عن صداقتها المتنامية مع إسرائيل، والتي وصلت لإنقاذها تل أبيب من شح المواد الطبية اللازمة لمكافحة كورونا، عبر بيع شرائح تحليل صينية للموساد الإسرائيلي.

بالنسبة للإمارات، ليس هناك سوى عدو واحد هو حركات الإسلام السياسي المعتدل، والقوى المطالبة بالديمقراطية في المنطقة، وتركيا وقطر اللتان تدعمان هذا التوجه.

ومن أجل مناوئة تركيا تحديداً في شمالي سوريا، خاطر محمد بن زايد رجل الإمارات القوي، بإغضاب أقوى دولتين في العالم؛ روسيا وأمريكا.

ورغم أن الإمارات من الدول القليلة في العالم التي لديها علاقة وثيقة مع موسكو وواشنطن، فإن بن زايد خاطر باستنزاف رصيده لدى الدولتين، عبر محاولة رشوة الأسد لكسر وقف إطلاق النار في إدلب.

ولكن حماسة بن زايد جعلته يخترق خطاً أحمر روسيّا، فبوتين قد يكون معارضاً لطموحات تركيا الإقليمية، ومعادياً بمرجعيته الإمبراطورية الروسية، ذات الجذور القيصرية السوفيتية للحركات الإسلامية المتحالفة مع أنقرة، ولكن في الوقت ذاته يعتبر علاقته المتنامية مع أردوغان مكسباً استراتيجيا في معركته مع الغرب.

أما الولايات المتحدة، فرغم علاقتها المتقلبة مع أنقره فإن تركيا تظل حليفها القوي بالمنطقة، كما أنها تسعى لإحكام الطوق على إيران ومحورها، ورغم انسحابها التدريجي من سوريا فإنها لم تبدِ أي إشارة على التسامح مع الأسد.

جزء من هذه الاندفاعة جاء من أن الإمارات سبق أن خاضت العديد من المغامرات، مثلما حدث في اليمن وليبيا والصومال، دون أن تعاني من عاقبة كبيرة لتصرفاتها.

ولكنّ جزءاً آخر نابع من رغبتها في تطويق نجاحات تركيا الأخيرة في عدة جبهات بالشرق الأوسط.

كان الاستثمار الأساسي للإمارات في المنطقة بعد مصر هي ليبيا، وشجعت أبوظبي الجنرال المتقاعد خليفة حفتر على خرق جهود التسوية، وإطلاق عمليته العسكرية ضد طرابلس قبل أكثر من عام.

والآن نجحت حكومة الوفاق وبفضل الدعم التركي المتزايد في الصمود أمام الهجوم، ولم تسقط طرابلس كما تعهد حفتر مراراً، ورغم الدعم الإماراتي المتزايد.

إلهاء تركيا في إدلب قد يخفف دعمها لطرابلس، خاصة أن أنقرة نقلت مقاتلين من المعارضة السورية إلى ليبيا، وهو ما ربط بين الجبهتين السورية والليبية.

وقبل إدلب نجحت أنقرة في توسيع المنطقة العازلة التي أقامتها في شمالي سوريا على حساب الأكراد، وهي جبهة أخرى يستثمر فيها الإماراتيون لمناوءة الاتراك، ولكن النتائج لم تكن مواتية.

رأى الإماراتيون في إدلب ساحة لهزيمة أردوغان دون أن يتكلفوا كثيراً عبر الدور الروسي.

ولكن روسيا البوتينية رغم تصلبها الأوّلي في أزمة إدلب كانت حريصة على التسوية مع أنقرة، لأن العلاقة مع تركيا أهم من الانتصار الكامل في إدلب.

فلم يبق أمام بن زايد المتلهف لإلحاق أي هزيمة بالرئيس التركي إلا أن يغامر بدفع الأسد لإفساد وقف إطلاق النار.

ولكن التسوية في إدلب كانت أكبر من اللاعبين المتوسطين والصغار كالإمارات وسوريا، وسرعان ما تلقى الأسد توبيخاً من بوتين، الذي أرسل وزير دفاعه سيرغي شويغو في زيارةٍ غير مُتوقّعة إلى دمشق؛ لمنع الحكومة السورية من استئناف الهجوم مرةً أخرى.

كما أنه بعد قتل القوات الحكومية السورية 34 جندياً تركيّاً في 27 فبراير/شباط، انتقم الأتراك وألحقوا بجيش النظام السوري خسائر عسكرية فادحة، عبر هجمات المدفعية والطائرات بدون طيار، باعتراف بوتين نفسه.

وأظهر هذا محدودية قدرات جيش النظام في مواجهة الجيش التركي في ظل غياب الدعم الروسي.

وأثبتت المواقف الحقيقية التي يعلمها الجميع أن صاحب القرار في سوريا هو بوتين وليس الأسد.

عندما طلب الإماراتيون من الأسد عدم إبرام اتفاقية مع أردوغان لوقف إطلاق النار. 

ردَّ الأسد قائلاً إنه “بحاجةٍ إلى دعمٍ مالي. وأردف أن إيران توقفت عن الدفع، لأنها لا تمتلك سيولةً نقدية، والروس لا يدفعون أي أموال. لذا طلب خمسة مليارات دولار من الدعم المباشر لسوريا. ثم اتفقا على مبلغ ثلاثة مليارات فقط، مع دفع مليار منها قبل نهاية مارس/آذار”.

المفارقة أن الأسد تلقى بالفعل جزءاً من دفعة المليار المبدئية التي تم الاتفاق عليها، وبالطبع لم ينفذ ما طلبه منه الإماراتيون بإشعال الحرب في إدلب.

والأرجح أنه كان يعلم أنه لن يستطيع تنفيذ ذلك دون موافقة روسية.

ولكن الأسد في الأغلب تجاوب مبدئياً مع المطلب الإماراتي في إطار نهجه في التلاعب مع حلفائه كما يفعل مع روسيا وإيران.

ولكن على الأرجح فإن الإماراتيين لم يغضبوا كثيراً من الأموال التي نالها الأسد دون مقابل.

فعلاقتهم مع الأسد أهم من بضع مئات من  الملايين من الدولارات الضائعة.

فبالإضافة إلى العداء المشترك للإسلاميين والديمقراطية، فإن كليهما يراهن بدرجات متفاوتة على العلاقة مع  الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باعتباره رئيساً مسبتداً وبراغماتياً ومعادياً للديمقراطية والإسلاميين، وعقد الصفقات معه يبدو أسهل بالنسبة للنظامين الاستبداديين من التعامل مع الغرب التي يتخلل التفاوض معه بعض القيود الأخلاقية أحياناً (رغم أنها واهية غالباً).

يجب فهم علاقة أبوظبي بسوريا ضمن سياق جغرافي سياسي أشمل تضع فيه المزيد من الدول العربية، ومنها الإمارات، المصالح الروسية في اعتبارها لتعزيز مصالحها هي. 

وهذا الاتجاه ليس جديداً، فبعد أن كثفت روسيا تدخلها العسكري المباشر في سوريا عام 2015، لم تعارض الإمارات (على عكس السعودية) تحركات موسكو رسمياً، وأوضحت القيادة الإماراتية في وقت مبكر أن أبوظبي يمكن أن تقبل حلاً للأزمة السورية التي تركت الأسد في السلطة.

 خلال فترة رئاسة دونالد ترامب، دفع عدد من الأحداث في المنطقة أبوظبي إلى أن تكون أكثر حذراً من الإفراط في اعتمادها على الولايات المتحدة في ضمان أمنها. والجدير بالذكر أن عدم إتيان إدارة ترامب بردٍّ قوي على هجمات أرامكو في سبتمبر/أيلول عام 2019 وقرار الرئيس الأمريكي “بالتخلي” عن وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) في شمال شرق سوريا الشهر التالي أدى إلى إثارة خوف العديد من الدول العربية في المنطقة التي تعتمد على الولايات المتحدة للدفاع عنها. 

وتدفع هذه الديناميات المزيد من الدول مثل الإمارات (وحتى السعودية) للاقتراب من موسكو على أمل تنويع تحالفاتها وشراكاتها في وقت تصبح فيه واشنطن غير موثوقة من منظور الأمن القومي.

 وهكذا، مع زيادة قوة روسيا (المتصورة والحقيقية) في المنطقة، يجد المزيد من حلفاء واشنطن العرب الرئيسيين أنفسهم بين الولايات المتحدة وروسيا جغرافياً وسياسياً. 

ومن المحتمل جداً أن تستخدم موسكو نفوذها المتزايد للضغط على المزيد من الدول العربية لإعادة قبول سوريا وإعادة فتح السفارات في دمشق.

من الملاحظ أن الإمارات باتت تنحو في اتجاه الاستثمار في الدول الاستبدادية أو شبه الاسبتدادية، حيث تقل تساؤلات الرأي العام، وتزيد الأرباح مثلما في مصر، وصربيا وإثيوبيا.

بل إنها تغامر بالاستثمار في الدول الفاشلة التي تعاني حروباً أهلية وشبه الفاشلة بل حتى في الإقاليم غير المعترف بها  دولياً، مثل أرض الصومال وإريتريا .

وفي هذا الإطار تمثل سوريا ما بعد الثورة مكاناً مثالياً لهذا التوجه.

تتطلع القيادة الإماراتية للاستفادة بشكل كبير من إعادة إعمار سوريا، كما تحاول أبوظبي استخدام قوتها الاستثمارية في مجال إعادة الإعمار لجذب سوريا بعيداً عن تركيا وإيران.

تبرز على المستوى الاقتصادي فرصٌ محتملةٌ للاستثمار الإماراتي في شتّى القطاعات في سوريا، مثل العقارات والنقل والتجارة، وهي قطاعاتٌ كانت كلّها تستفيد من الاستثمار الإماراتي ما قبل عام 2011. 

تجدر الإشارة إلى أن عدداً من رجال الأعمال الموالين للنظام، والخاضعين للعقوبات الدولية، واصلوا أعمالهم عبر الشركات المحلية التي تمتّعت بقدرٍ معيّنٍ من الحرية في الإمارات، بمَن فيهم سامر فوز، وابن خال بشار الأسد، رامي مخلوف. 

لماذا يتلهّف بن زايد لإشعال الحرب في إدلب؟

في المقابل، حافظ العديد من رجال الأعمال الإماراتيين المعروفين بقربهم من الحكومة الإماراتية، على علاقاتهم بدمشق لفترةٍ طويلةٍ بعد قيام حركة الاحتجاج في سوريا، حتى إن بعضهم أنشأ شركاتٍ جديدةً في سوريا، و/أو فتح فيها فروعاً لشركاته الموجودة في الإمارات، مثل عبدالجليل البلوكي، رجل الأعمال المقرّب من الأسرة الحاكمة في أبوظبي، الذي أسّس شركةً للتنمية والاستثمار في سوريا في ذروة الثورة عام 2013.

كما تعددت الزيارات الثنائية التي أجراها رجال أعمال ومسؤولون إماراتيون إلى سوريا.

 وشارك وفد إماراتي مؤلّف من 40 شخصاً، بمَن فيهم أعضاء في غرف التجارة السبع في الإمارات في الدورة الـ61 لمعرض دمشق الدولي، ما بين 28 أغسطس/آب و6 سبتمبر/أيلول 2019. وفي هذا الإطار، صرّح عبدالله سلطان العويس، رئيس غرفة تجارة وصناعة الشارقة، ونائب رئيس اتحاد غرف التجارة الإماراتية، فور وصوله إلى دمشق، بأن وجود الوفد الإماراتي في هذا الحدث يعكس رغبةً عميقةً في المضي قدماً بالعلاقات بين البلدَين.

كما أن بعض المقاولين الإماراتيين والأطراف الاقتصادية الفاعلة صرّحوا أيضاً بأن إعادة الإعمار في سوريا تمثّل فرصةً كبيرةً للشركات في أرجاء المنطقة، ومن ضمنها الشركات المتمركزة في الإمارات.

في المقابل، رحّب المسؤولون في دمشق، ورجال الأعمال السوريون المقرّبون من النظام، بالموقف الإماراتي الرسمي الراغب في إعادة العلاقات بسوريا نظراً إلى إمكانات الاستثمار الإماراتي.

قبل عام 2011، كانت الإمارات العربية المتحدة ثاني أكبر مستثمر عربي في سوريا، خصوصاً في قطاع المجمّعات العقارية والسياحية، حيث ناهزت القيمة الإجمالية لاستثماراتها الـ20 مليار دولار بحلول عام 2011.

وشكلّت الإمارات العربية المتحدة في عام 2017 سابع أو ثامن أكبر سوق للتصدير السوري، بقيمة 44٫5 مليون دولار. 

بلغت قيمة صادرات الإمارات إلى سوريا 968 مليون دولار في العام نفسه، واستمرّ ارتفاع الصادرات الإماراتية إلى سوريا في عام 2018، حيث وصلت إلى 1٫5 مليون دولار، مع أن معظم هذا النموّ جاء نتيجة المنتجات الصينية التي تمرّ عبر دبي، وتُعاد تسميتُها على أنها صُنِعَت في الإمارات العربية المتحدة، بغية الاستفادة من مزايا اتفاقية منطقة التجارة الحرّة العربية الكبرى.

بيد أن العودة المحتملة للاستثمار الإماراتي إلى سوريا محفوفة بالتعقيدات والعوائق على المديَين القصير والمتوسّط، ولا سيما في ضوء العقوبات الأمريكية، والصعوبات الاقتصادية التي تعانيها دبي، والتي يتوقع أن تتفاقم جراء تراجع أسعار النفط.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى