لايف ستايل

متخصص في “الفضاوة”.. صدّق أو لا تصدّق: نظرية جوي تريبياني تجلب السعادة فعلاً!

يبدو أن جزءاً من شخصية جوي تريبياني في مسلسل Friends؛ الشاب اللامبالي الذي لا يفعل شيئاً في حياته ورغم ذلك سعيد جداً، هو جزء حقيقي من شخصية مؤدي الدور؛ الممثل الأمريكي مات لوبلانك، ويبدو أنه مصدر سعادة فعلاً.

بالنسبة للممثل الأمريكي مات لوبلانك فهو دائماً يخرج في اللقاءات التلفزيونية بشخصية اللامبالي، الذي يتمثل حلمه في أن يتقاعد عن العمل لكي “يفعل اللاشيء” أو”لا يفعل شيئاً”.

ففي برنامج كونان على قناة TBS الأمريكية، عندما أصر المذيع كونان أوبراين أن يخبره لوبلانك سبباً لما يريد أن يفعله عندما يتقاعد خاصةً مع تفضيله التقاعد في الخمسين من عمره، قال إنه يريد فقط ألا يفعل شيئاً، ربما ينام وقتاً أطول أو أقل، ربما يذهب إلى الصالة الرياضية أو لا يذهب، وربما يحب أن يشرب قهوة أو لا، هو ببساطة لا يعرف ماذا يريد سوى أنه يريد ألا يفعل شيئاً محدداً.

وفي برنامج آخر تحدث أن خطته كانت في أن يعمل مع مسلسل Friends لـ 10 مواسم على مدار 10 أعوام، ثم يعمل عامين في سيتكوم Joy ثم يأخذ عاماً راحة بلا عمل، لكنه عندما جلس عاماً دون عمل وجد أن الأمر ممتع، وقال لماذا لا آخذ عاماً آخر؟، ثم عاماً ثالثاً؟، وهكذا حتى جلس 5 أو 6 سنوات دون عمل.

مدح لوبلانك كثيراً في فكرة ألا يفعل شيئاً، وأنه أفضل شيء يعمله على الإطلاق، وأنه يريد أن يكون “متخصص لا شيء”، وقال تفسيراً منطقياً: “لأن هذا سهل جداً، ولا قواعد له”، وبالنسبة له هذا الأمر كافٍ ليكون سعيداً.

لكن هل نظرية لوبلانك علمية؟ هل حقاً فعل لا شيء هو مفتاح السعادة؟

فكرة عدم عمل شيء هي في الواقع فعل لشيء! فهذا يعني أننا لن نركض في حلقة مفرغة من النشاطات اليومية المجهدة والمملة، بدءاً من الاستيقاظ مبكراً، وغسل الأسنان سريعاً، ثم تحضير الفطور، وإيقاظ الأطفال للمدرسة، وربما إيصالهم، ثم الذهاب للعمل، والدخول في اجتماعات ونقاشات، ثم إحضار الأطفال ثانيةً، والعودة للمنزل، وتحضير الغداء، ثم نذهب للفراش، وهكذا. 

سلسلة طويلة من الأنشطة التي نؤديها بشكل يومي بعضها تحت تأثير الغرائز مثل الطعام والشراب والنوم، وبعضها روتين يومي أو ضرورة نحتاجها مثل العمل والنشاطات الأخرى.

لذلك فإن محاربة تلك الرغبة الملحة للقيام بأعمال روتينية يومية هي فعل لشيء في حد ذاته، لأنك ستبذل جهداً لكي لا تفعل شيئاً، وربما يوازي الجهد المبذول عند الذهاب لصالة الألعاب الرياضية أو صعود الدرج، وفق نظرية سوقتها الطبيبة النفسية الإكلينيكية ومؤلفة كتب ” السعادة في التوازن” و” دواء التأمل”  كولين لونغ في مقالٍ كتبته بمجلة علم النفس الأمريكية Psychology Today.

عدم فعل شيء هو أصعب قليلاً مما يبدو عليه الأمر، فهو يتطلب منا التحلي بالصبر مع أنفسنا، ومحاولة التعامل مع كم هائل من الفوضى والضوضاء حولنا من التزامات ومسؤوليات وداخلنا من أفكار ومشاعر. 

فكر مثلاً، أنك سنحتاج إلى أخذ عطلة من كل شيء، بدءً من إيقاف استخدام تطبيقات التواصل الاجتماعي، وإيقاف الأعمال الروتينية اليومية، وصولاً إلى محاولة إيقاف الأفكار المزعجة التي تعكر صفو الهدوء. هذا يعني أنك ستفعل أشياء فعلاً، وليست جميعها سهلة أو بسيطة في التخلي عنها.

لهذا، بالنسبة لأولئك الذين يتعلمون رياضات التأمل مثل اليوغا لا يشعرون بالنتيجة بين يومٍ وليلة، بل يحتاج هذا لأشهر وسنوات من التدريب حتى يحظوا بعقل فارغ تماماً من الأفكار.

بالنسبة للشخص الذي يعيش في دوامة الأعمال اليومية الروتينية، فإن مروره صباحاً على ستاربكس لشراء كوب قهوة جزء مهم لكي يكمل يومه وهو منتبه ولديه قدر معقول من التركيز، بينما تحقق شركة القهوة العالمية أرباحاً هائلة من مشكلتك هذه في نقص الانتباه (في العام 2018 وصل صافي داخلها 4.15 مليار دولار).

الأطباء النفسيون يشتكون من تزايد تشخيص حالات مرضية بـ”اضطراب نقص الانتباه لدى البالغين”، وربما الأسباب التي يسردونها ونقلها موقع HuffPost الأمريكي منطقية، فنحن في عالم يتشتت انتباهنا بين رسائل البريد الإلكتروني وتطبيقات التواصل الاجتماعي على الهاتف، وبين الأخبار السيئة من كل أنحاء العالم التي بتنا نطلع عليها في لحظتها، فضلاً عن ضغوطات العمل والعلاقات والمشكلات العائلية.

لذلك من السهل أن تشعر بالإرهاق النفسي والجسدي ونقص الانتباه مع كم هذه الضغوطات. ولذلك عدم فعل شيء لبعض الوقت ربما يكون حلاً لنقلل الضغط ونعيش الحياة، ونستمتع بالأوقات السعيدة. كل ما نحتاجه أحياناً هو أن نكون هادئين ساكنين سواء داخل عقلنا وأفكارنا ومشاعرنا أو خارجياً بالنسبة لجسدنا.

هذا الهدوء أيضاً يمنحنا وقتاً كافياً لنفهم كيف نشعر ونفسر أفكارنا بسلاسة بعيداً عن ضغوطات الحياة. الخسارة، الموت، المرض، الحرب، الكوارث، كلها أمور لا مفر منها، تحدث وستحدث باستمرار في حياة الإنسان، المعاناة جزء من حياتنا، لكن تحت تأثير الحدث نكون مشوشين غير قادرين على التعاطي العقلاني معها.  لذلك يكون عدم فعل أي شيء أو بذل مجهود في شيء حلاً لتسهيل لتخفيف هذه المعاناة أو كسرها.

وبما أننا ذكرنا ضغوطات الحياة، فسنذكر قطعاً العمل. وهذا يمنحنا فرصة للتذكير  بعشرات التجارب في شركات عالمية التي وجدت أن تخفيض ساعات العمل رفع الإنتاجية ومستوى سعادة الموظفين على السواء. ففي عام 2019، اختبرت شركة Microsoft الأمريكية خفض عدد أيام أسبوع العمل إلى 4 أيام في فروعها في اليابان، ووجدت أنَّ هذه التجربة لم تسفر فحسب عن إرضاء الموظفين، بل عن ارتفاع معدل إنتاجيتهم ارتفاعاً ملحوظاً وصل إلى 40%.

أيضاً، أثار علماء نفس سألتهم هيئة الإذاعة البريطانية BBC عن رأيهم في هذه الفكرة نقطة مهمة أخرى، وهي فكرة زرعتها كتب ومدربو التنمية البشرية في رؤوسنا على مدار العقدين الماضيين، وهي هل علينا البحث عن السعادة؟ وهل هي شرط أساسي لوجودنا فعلاً؟ وهل عليك أن تجعل نفسك أكثر سعادة؟

إذا كانت الإجابة نعم، فتخيل معي مقدار خيبة الأمل التي تشعر بها عندما لا تتحقق الأشياء كما تريد، مثلاً عندما لا يمر يوم زفافك وفرحة عمرك كما حلمت، أو انتظرت مفاجأة استثنائية في يوم عيد ميلادك ولم تحدث، أو لم تكن رحلة العمر التي وضعت فيها كل ما تملك في حسابك البنكي كما رتبت. تخيل مقدار كسرة القلب التي تشعر بها وأنت تنتظر شكلاً معيناً تكون فيه هذه السعادة ولا تأتي!

فكرة البحث عن السعادة تجعلنا نضع معايير عالية جداً، مثل ضرورة أن نكون سعداء طوال الوقت، أو سعداء للغاية، أو سعداء من أشياء بعينها بمقدار معين. وعندما لا تتحقق هذه المعايير المبالغة نشعر بخيبة أمل وحزن رغم أن الهدف الأساسي كان البحث عن السعادة.

وخلص هذا الرأي إلى أن الرغبة في السعادة والبحث عنها يمكن أن يأتيا بنتائج عكسية ويزيدا الشعور بالوحدة والحزن، خاصةً أن السعادة هدف غامض وغير ممسوك يختلف من شخص لآخر. وعندما تكون هدفاً تصبح عبئاً مرهقاً بدلاً من أن تكون شيئاً ممتعاً.

لكن هذا لا يعني أن عدم القيام بأي شيء غاية في حد ذاته، بل هو طريقة نحتاج لها بين حين وآخر لتهدئة عقلنا وإراحة جسدنا لرؤية الطبيعة الحقيقية للأشياء، والحد من تأثير المعاناة، وفهم مشاعرنا السلبية والإيجابية وسط الحياة الصاخبة السريعة. لهذا فهي ليست انسحاباً من الحياة، بل طريقة للانطلاق فيها أكثر والتأقلم معها، وتعزيز قوتك النفسية التي تحقق الشعور بالسعادة.

وقد أثبت العلم وجود فوائد عديدة للتأمل الذي نحصل عليه بألا نفعل شيئاً: كأن يقلل من الآلام المزمنة وضغط الدم والصداع والقلق والاكتئاب، وخفض الكوليسترول ، وزيادة الأداء الرياضي، وتعزيز وظائف المناعة، ويخفف الأرق، ويحسن موجات الدماغ ، ويساعد على التعلم والانتباه والإنتاجية، ويحسن الذاكرة.

لكن هذا الكلام لا ينطبق على من يعانون من مشاكل صحة عقلية مثل الاكتئاب، وترك أنفسهم لئلا يفعلوا شيئاً قد يزيد من سوء أوضاعهم الصحية، لذلك بالنسبة لهذه الحالات الخاصة من الأفضل اللجوء لمختص.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى